مع تسلم الأكثرية الجديدة للكونغرس، وهي أكثرية جمهورية، يركز مراقبو السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط على احتمال أن يقوم مجلس النواب على الأقل، بإجراء تعديلات في السياسة الأميركية الخاصة بالمنطقة، ولا سيما حيال ملفاتها الكبرى، وأهمها الاتفاق النووي الإيراني، والمواجهات في اليمن والعراق وسوريا، إضافة إلى سياسات متعلقة بمواجهة الإرهاب. وبالطبع السياسات الأميركية حيال العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، ومنها إسرائيل والسعودية ومصر والإمارات وتركيا، وباقي الدول التي تعد حليفة أو شريكة لواشنطن. فلنحاول قبل بضعة أسابيع من تسلم الجمهوريين مقاليد قيادة مجلس النواب أن نستشرف إمكانات التغيير التي قد تطرأ على هذه السياسة في الكونغرس عامة، وبخاصة في مجلس النواب.
قدرة المجلس على التغيير
من المعلوم أن السياسة الخارجية الأميركية يديرها رئيس البلاد وأجهزة إدارته من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع ووكالات المساعدات الخارجية، لذا فإن أي تغيير شامل ومفصل للسياسة الخارجية سيكون بين يدي إدارة الرئيس جو بايدن. إلا أن هذه الأخيرة تحتاج إلى الميزانيات المالية من أجل تنفيذ سياساتها، وحيث إن مجلس النواب هو الذي يسيطر على الميزانيات ويقرر تمويل الأجهزة والسياسات فإن له قدرة كبيرة على التأثير في هذه الإدارة، مما يعني عملياً أن المجلس النيابي الجديد سيرى برامج تغيير السياسة الخارجية الأميركية بشكل عام، وحيال السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بشكل خاص. فالسؤال إذاً، كيف يمكن للأكثرية الجديدة في مجلس النواب أن تؤثر بشكل حاسم في الإدارة لإلزامها التغيير من موقعها التنفيذي تقليدياً؟ عملياً، تجري هنالك مفاوضات بين رؤساء اللجان في مجلس النواب برئاسة زعيم الجمهوريين، وهو سيتحول إلى رئيس البرلمان، مع ممثلي الإدارة، ومن هذا النقاش يتم الاتفاق على سياسة معينة تكون نتيجة ميزان القوى بين ما تحتاج إليه الإدارة من ناحية، وماذا يوافق عليه الكونغرس من ناحية ثانية، لأنه عندما تنقسم الساحة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية بين الحزبين يبقى التفاوض هو القدرة الوحيدة للوصول إلى التغيير المطلوب. والسؤال الآخر، هل يؤدي التفاهم في بعض النقاط إلى تغيير شامل للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط؟ ليس بالضرورة، فالتغيير سيعكس قوة الضغط والتبدل في المصالح.
جلسات الاستماع
من أهم وسائل الضغط الأخرى التي بإمكان مجلس النواب أن يستعملها هي جلسات الاستماع (Hearing Sessions)، وهي مهمة جداً في الحياة السياسية الأميركية، وهي جلسات تنظمها اللجان من خارجية وأمن قومي واقتصاد، وغيرها. وخلال هذه الجلسات التي تذاع على وسائل الإعلام يسأل النواب الإدارة أمام الراي العام والصحافة، بينما يدافع مؤيدو الإدارة عن موقف البيت الأبيض. ويجري معظم هذه الجلسات أيضاً أمام الرأي العام، وفيها يجري طرح أفكار ووقائع، وأحياناً تطرح الملفات الدقيقة والخطرة، فإذا قبلت الإدارة تغيير السياسة يتم تخفيف جلسات الاستماع، وإذا رفضت تتكثف هذه الجلسات. من هنا، فإن هذا الضغط هو الذي يحسم الخيارات النهائية، وهذا أمر تقليدي جداً في الولايات المتحدة الأميركية. وإذا اعتبرنا أن الأكثرية الجمهورية ستتمكن من استعمال التفاوض من ناحية، وجلسات الاستماع من ناحية ثانية، قد يؤدي ذلك إلى مقايضات عبر تصويت على الميزانيات، حيث سيكون لمجلس النواب قدرة على التأثير أو تغيير السياسات تجاه الشرق الأوسط، ولكن بشكل محدود.
إسرائيل
المجلس الجديد سيعود ويعزز العلاقة الأميركية – الإسرائيلية لأن أكثرية هذا المجلس هي أيضاً محافظة، وعدد كبير من الأعضاء الذين انتخبوا هم من الطائفة البروتستانتية المؤيدة لإسرائيل لأسباب عقائدية وتاريخية، وحتى الأعضاء الديمقراطيون في مجلس النواب، وقد رأوا النتائج في الانتخابات، هم على علم أنه لا يمكن تجاهل مطالب الحكومه الإسرائيلية، ولا سيما على الصعيد الأمني ويدعمون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. من هنا، سنرى خطاً تصاعدياً في الأشهر المقبلة لعامين لصالح تعزيز قدرات إسرائيل على صعيد التسلح وتبادل المعلومات والتنسيق المشترك لردع إيران وميليشياتها. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية المجلس الجديد سيخفف ضغط الإدارة سياسياً ودبلوماسياً على الإسرائيليين، لا سيما بوجود رئيس حكومة جديد هو بنيامين نتنياهو، مما يعني أنه سيتم إعطاء أفضلية للتسلح لوزارة الدفاع الإسرائيلية، مما يعزز قدراتها في مواجهة الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وقد يصل هذا التعزيز إلى تمكينها من تسديد ضربات ضد منشآت داخل إيران إذا حصل استهداف إيراني للأراضي الإسرائيلية نفسها، ولكن قد يكون التأثير الآخر لتحسين العلاقة مع إسرائيل هو ضغط إسرائيلي على الإدارة من أجل الاستمرار في تعزيز قدرات بعض الدول العربية ومنهم السعودية والإمارات والبحرين ومصر بمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
اندبندت عربي