ممارسات إعدام المواطنين الفلسطينيين ميدانياً وبدم بارد لم تعد منهجاً منظماً يعتمده جيش الاحتلال الإسرائيلي بصفة جماعية، بل انقلب إلى خيار فردي مفتوح ومتاح لكل جندي إسرائيلي وبصرف النظر عن ظروف الوقائع وملابساتها، كما في الواقعة الأحدث التي سجلت إطلاق النار من المسافة صفر على الشاب الفلسطيني عمار حمدي مفلح (22 سنة) ما أسفر عن استشهاده. وإلى جانب جيش الاحتلال وشرطته وأجهزته الأمنية المختلفة، انتقل هذا الطراز من الإعدام الوحشي والفاشي إلى قطعان المستوطنين وكلّ إسرائيلي يحمل السلاح، تحت سمع وبصر العدسات وأشرطة الفيديو ومن دون خشية من الحساب والمساءلة.
ولأن واقعة الإعدام من المسافة صفر كانت صريحة ومذهلة في عنفها وما اكتنفها من برودة دم الجندي الإسرائيلي القاتل، فقد توجب أن يضطر مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط إلى الخروج عن تحفظه الدبلوماسي المعتاد، فيعرب عن إحساس بالذعر إزاء المشهد ويطالب بتحقيق «شامل كامل وسريع، ومحاسبة المسؤولين». كذلك لم يجد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي مهرباً من التعليق على جريمة الاغتيال، فغرّد أنه «يجب التحقيق في هذه الوقائع غير المقبولة، ويجب أن تكون هناك مساءلة كاملة. وطبقاً للقانون الدولي، لا يمكن تبرير استخدام القوة المميتة إلا في المواقف التي تنطوي على تهديد».
وليس خافياً أن صمت ما يسمى بـ«المجتمع الدولي» على ممارسات الاحتلال عموماً، ونهج الإعدامات الميدانية خصوصاً، شجّع ويواصل تشجيع الجيش الإسرائيلي على المضي أبعد وأعنف ضد أبناء فلسطين، حيث تتساوى الضفة الغربية وقطاع غزة مع أراضي الـ48 في الخضوع للخيارات العنفية القصوى. مساءلة السلطات الإسرائيلية منعدمة أو تكاد حتى حين تكون المعطيات أوضح من أن تُغطى أو تُنكر، وهذا الانعدام للمحاسبة يبدأ من الديمقراطيات الغربية المناصرة لدولة الاحتلال، ولا ينتهي في أروقة الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والحقوقية المختلفة. والمثال الأبرز هو تعليق الناطق باسم الخارجية الأمريكية على إعدام الشاب الفلسطيني في قرية حوارة، إذ اكتفى بحث الأطراف على «عدم التصعيد» ولم تصدر عنه مفردة استنكار واحدة يتيمة.
ولا يصح أن تكون خافية أيضاً حقيقة أن الممارسات الفاشية المتصاعدة في أوساط جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين تقترن موضوعياً بميل غالبية واسعة في أوساط المجتمع الإسرائيلي نحو التشدد الديني واليمين المتطرف، كما تتكامل مع الانزلاق الحثيث نحو منظومات الأبارتيد والعنصرية والعسكرة وروحية الميليشيا. ولم يكن غريباً أن تجمع الغالبية الساحقة من ساسة دولة الاحتلال على تأييد سلوك الجندي القاتل في حوارة، بل مسارعة بعضهم إلى إطرائه ومباركته والاعتزاز بما فعل، وهذه مناسبة أخرى لاستذكار واحد من العناصر الأبرز في الحياة السياسية الإسرائيلية الداخلية، أي اضمحلال الحدود بين يمين ويسار ووسط كلما اتصل الأمر بتعزيز شوكة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
وإذا كان استشهاد 10 فلسطينيين برصاص الاحتلال خلال أسبوع، وبلوغ العدد 211 شهيداً منذ بدء العام، بمثابة دليل متواصل على وحشية الاحتلال، فإنه من جانب آخر مؤشر متواصل بدوره على أن روح المقاومة ليست خامدة بل تتعاظم في الكمّ كما في الكيفية.
القدس العربي