أثارت زيارة رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني إلى روجافا (الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا) ولقاؤه القائد العام لقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال ماتيو ماكفارلان، والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، استغراب المتابعين؛ لأن شمال سوريا لم يكن ضمن نفوذ السليمانية القريبة من إيران، ما يعكس مساعي لتقديم نفسه بديلا عن الزعيم الكردي مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي.
ومن شأن تلك الزيارة أن تطلق صفارات الإنذار في أربيل التي يعد الشأن الكردي السوري ضمن اختصاصها، جغرافيًّا بالدرجة الأولى بحكم المحاذاة، وتاريخيًّا أيضا بحكم عمليات التنسيق بين الطرفين، بالإضافة إلى أن بارزاني يعرف كيف يسترضي تركيا.
وتم اللقاء في أعقاب تبادل رسائل للتهدئة بين زعيمَيْ القوتين المتنافستين الكرديتين في العراق، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني. ولكنه تم في جوّ من الانقسامات داخل الاتحاد أيضا.
◙ طالباني يقول من خلال اللقاء إنه زعيم “عابر” للحدود، وبالتالي يجدر القبول بقيادته والمضي في المسارات التي يختارها
وبحسب مراقبين يبعث اللقاء بعِدّة إشارات؛ فالاتحاد الوطني، نظرا إلى صلاته الوثيقة بإيران، يحمل رسائل إيرانية إلى الأميركيين، تتعلق بأمن الإقليم، لاسيما إثر عودة تنظيم داعش إلى القيام بهجمات تكتسب زخما جديدا ومتصاعدا.
فعلى الرغم من أن تنظيم داعش يركز هجماته على الطرف الغربي من إقليم كردستان، يبدو أن نوعا من التنسيق المقترح بين إيران والقوات الأميركية مفيدٌ للطرفين.
أما الإشارة الثانية فقد أوحت للمراقبين بأن الخلافات مع الديمقراطي الكردستاني لن يتم حلها فعليّا إلا من خلال أداءِ الولايات المتحدة دورا مباشرا في إقناع قيادة الديمقراطي الكردستاني بضرورة الاعتراف بمكانة ودور الاتحاد الوطني في الإقليم، فتكف عن محاولة الاستئثار بالامتيازات والمناصب الحكومية في الإقليم. وهي القضية التي لا تزال فصولها مفتوحة بعد فض النزاع، قسرا، حول منصب الرئيس العراقي الذي ذهب إلى عبداللطيف رشيد، زوج خالة بافل.
ويقول المراقبون إن بافل طالباني يريد أن يدخل المنافسة مع بارزاني من باب المكانة “الجغرافية” التي كانت حتى الآن حكرا على الديمقراطي الكردستاني.
ويستفيد بافل طالباني في ذلك من حقيقة أن سلطة الرئيس مسعود بارزاني واقعة تحت ضغط التنسيق مع تركيا أكثر مما هي واقعة تحت ضغط التضامن مع قسد. وفي الواقع هي التي بدأت بتقليم أظافر العلاقات مع قسد لإرضاء أنقرة، الأمر الذي ترك فراغا يسعى طالباني للاستفادة منه إلى أقصى حد.
ولا يتعلق هذا الأمر بدعم القضية الكردية، لأن العلاقات مع إيران لا تدفعه في هذا الاتجاه، ولكنه فراغ جغرافي تركه الرئيس مسعود، وفراغ أمني يتيح إقامة علاقات مع القوات الأميركية، وفراغ سياسي يشير إلى أن قيادة الرئيس مسعود لا تسعى لإقامة علاقات متوازنة مع الأطراف الإقليمية المحيطة بكردستان، بما فيها الحكومة الاتحادية في بغداد.
◙ من شأن تلك الزيارة أن تطلق صفارات الإنذار في أربيل التي يعد الشأن الكردي السوري ضمن اختصاصها، جغرافيًّا بالدرجة الأولى بحكم المحاذاة
الإشارة الثالثة التي يبعث بها اللقاء تُفضي، بحسب المراقبين، إلى القول إن بافل طالباني زعيم “عابر” للحدود، وبالتالي يجدر القبول بقيادته والمضي في المسارات التي يختارها لحزبه ومناطق سيطرته.
من هذا المنطلق قال بافل طالباني خلال الاجتماع إن “التنسيق المتزايد بين الأطراف بإمكانه أن يحقق انتصارات أكبر، خصوصا في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا التي تشهد فراغا أمنيّا وتحركات للإرهابيين”.
وزيادةً في التركيز على مكانة حزبه أعرب عن “حرْص الاتحاد الوطني على الحل السلمي للمشكلات، وسعْي الاتحاد بكل جهده لجعل الحوار أساساً لحل المشكلات والتغلب على الوضع الراهن”.
وفي مؤشّر على الهوة التي أنشأتها حكومة أربيل مع قسد، أعرب عبدي عن سروره بالزيارة التي أدّاها طالباني إلى روجافا (إقليم الحكم الذاتي الكردي في سوريا)، قائلاً إنّه “لن ينسى مساعدات ودعم الاتحاد الوطني المتواصل”، وإن “الاتحاد الوطني كان الداعم والمساند الحقيقي والمخلص لقسد، لاسيما قوات مكافحة الإرهاب التي أدّت دورا مهما ومؤثرا في العمليات الأمنية والعسكرية في روجافا ضد داعش”.
وتجدر الإشارة إلى أن اللقاء الثلاثي تم في أجواء أمنية أفضل بعد أن قررت تركيا، تحت ضغط الولايات المتحدة، تهدئة الجبهة مع قوات قسد، التي انسحبت بدورها من المناطق التي تعد خطوط تماس بين الطرفين.
العرب