استثمرت حركة “حماس” ذكرى تأسيسها الـ35 لتؤكد حضورها في الشارع بقطاع غزة ونقل رسالة مهمة وموحية إلى الضفة الغربية، بأنها تعمل في اتجاهات عدة من أجل البحث عن وجود لها في رام الله، بخاصة أن الحركة تعيد ترتيب أوراقها وحساباتها الكبرى في الوقت الراهن لا سيما مع الأجواء السياسية الراهنة على الجانب الإسرائيلي، وتشكيل حكومة يمينية متطرفة، مما يدفع الحركة إلى إعادة قراءة ما يجري، والبحث في آليات التعامل.
علاقات مرتبكة
دخلت العلاقات بين حركة “حماس” والسلطة الفلسطينية مساحة كبيرة من التجاذب أخيراً بعد أن ألقت سلطة رام الله القبض على بعض العناصر التابعة لحركة “حماس” في الضفة، ورفضت الإفراج عنهم في إطار مخطط كانت ولا تزال الحركة تعمل عليه وهو تأكيد الحضور السياسي والشعبي أيضاً في الضفة تحت مسمى ربط الجبهات واندماجها منذ المواجهة قبل الأخيرة مع إسرائيل، وهو هدف تكتيكي واستراتيجي عملت عليه القيادات الميدانية التي لها اليد الطولى في توجيه الأولويات والمهام، وبخاصة أن ما يجري في القدس من تطورات وأحداث تضعه حركة “حماس” في دائرة الدفاع عن كل الأراضي الفلسطينية وليس فقط قطاع غزة، وهو ما أكسب الحركة وجوداً رمزياً في التظاهرات وحالة الحراك الشعبي التي تشهدها مدن الضفة، بخاصة نابلس والقدس وجنين، وهو ما لا يروق للسلطة الفلسطينية المفترض أنها ستلتقي مع حركة “حماس” في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الحالي في الجزائر لاستكمال مسار المصالحة بين الجانبين.
وتنظر حركة “حماس” إلى الضفة الغربية باعتبارها هدفاً تالياً في ظل ضعف السلطة أو تشتت أهدافها أو سقوطها، فتكون البديل الجاهز صاحب الخبرات، كما تراهن الحركة على خيار إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية معاً، وهي تسعى إليها بهدف إنهاء الانقسام أولاً والانتقال إلى المربع التالي، وهو إصلاح وضع منظمة التحرير الفلسطينية والدخول في منظومتها، بهدف الانتقال إلى شرعية حقيقية ووجود رسمي بدلاً من الاستمرار في اعتبارها حركة إرهابية تريد تدمير إسرائيل.
ولا يزال أمر المشاركة في الانتخابات محل نقاش وجدال سياسي كبير داخل الحركة في الوقت الراهن، بخاصة أن دخول منظمة التحرير حال إجراء الانتخابات، وهو أمر مستبعد حتى الآن، يعني في مجمله اعترافاً رسمياً بإسرائيل، وفي كل الأحوال فإن الحركة لن تقدم على تقديم أية تنازلات للسلطة الفلسطينية في الوقت الراهن بصرف النظر عن حالة الشد والجذب الراهنة، التي تؤكد أن الحركة لا تزال تخطط للعمل في اتجاه واحد بصرف النظر عن القبول أو التحفظ في المضي بخطوة المصالحة في الجزائر.
أزمة حقيقية
تواجه حركة “حماس” مأزق الاستمرار في إدارة المشهد السياسي والاستراتيجي، فهي لم تدخل المواجهة الأخيرة إلى جوار حركة الجهاد الفلسطيني وتعاملت بحكمة ورؤية مصلحية مما وضعها في دائرة الاتهام بأنها تخلت عن المقاومة، ودعم موقف الفصائل الجهادية في قطاع غزة، وهو ما سبب حرجاً كبيراً للحركة، وبنيت عليه مواقف متعلقة بإمكانية أن تتعامل “حماس” على أنها حزب سياسي وليست حركة مقاومة قادرة على المواجهة، على رغم ما يتم الرد عليه من قبل قيادات “حماس” من أنه لا توجد أية إشكالية حقيقية، وأن المقاومة ليست اختياراً وإنما واقع وموقف يمكن البناء عليه في إطار علاقات حركة “حماس” مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، وأن ما أقدمت عليه كان ولا يزال مبنياً على حسابات مهمة لا يمكن استبعادها، وأن “حماس” لا تزال قوية وتفرض خياراتها ومواقفها السياسية والاستراتيجية على الجانب الإسرائيلي، وأن التهدئة وتثبيت الهدنة لا تزال واقعاً مهماً وقائماً.
والواقع يشير إلى أن ترميم علاقات الحركة مع السلطة سيأخذ بعض الوقت وإتمام المصالحة لن يتم، وأن “حماس” أعادت تموضع حضورها في داخل القطاع وقضي الأمر، ومن ثم فإن الحديث عن الجزائر كوسيط يمكن أن يتمم ما تم الاتفاق في شأنه لن يجري، فإعلان الجزائر لكي ينجح يحتاج إلى أولويات ومهام كبرى، واتفاق شامل لتفكيك عناصره وليس مجرد عقد اجتماعات، أو لقاءات مكملة لما تم منذ أشهر عدة، بخاصة أن السلطة الفلسطينية مصممة على عدم السماح لحركة “حماس” بأي نشاط سياسي أو اجتماعي في الضفة في الوقت الراهن، بل ستمنع السلطة أية ممارسات في الشارع الفلسطيني، سواء من خلال أنشطة عامة أو خاصة، وهو ما يفسر ما جرى في الوقت الراهن، واستعدادات حركة “حماس” للاحتفاء بوجودها بعد 35 عاماً على تأسيسها.
أولويات مطروحة
تنشغل الحركة في الوقت الراهن بعدد من الأمور، منها كيف يمكن البناء على ما سبق في ظل التضييق على تمويل الحركة ونشاطها ومن يمول منظومة التسليح ومن يدرب في ظل ما يجري بالنسبة إلى الاعتماد على الجانبين التركي والإيراني، وفي ظل تضييق الخناق على القيادات الميدانية التي تبحث عن ملاذات أخرى، منها العودة إلى السودان أو إعادة التمركز في الجزائر، وتم بحث الأمر في فتح قنوات ومصادر للتعامل في ماليزيا وإندونيسيا بل وفي بعض جمهوريات آسيا الوسطى، وفي روسيا بخاصة أن المكتب السياسي للحركة بدأ يعاني بعض المضايقات في الفترة الأخيرة، مع إرهاصات تشير إلى تغير واقعي من قطر وتركيا بعد تطبيع العلاقات التركية – الإسرائيلية بصورة لافتة، واشتراط إسرائيل غلق مراكز التدريب والإعداد في المدن التركية، الأمر الذي يشير إلى أن الحركة في حاجة إلى مواقع أخرى، كما أعادت التذكير باحتمالات العودة إلى الأردن.
وتواجه حركة “حماس” أزمة بقاء الوضع الراهن مع إسرائيل على ما هو عليه في ظل صعود اليمين المتطرف والمتشدد إلى سدة الحكم، وهو الأمر الذي سيؤكد أن “حماس” تدرس وبعمق كيفية التعامل مع هذه الوجوه المتطرفة التي تريد المواجهة والدعوة جهاراً نهاراً لضرب القطاع وكسر حالة التهدئة الراهنة، وهو ما تضعه الحركة في رأس أولوياتها في الفترة الراهنة وتعمل على نقل رسائل عبر الوسيطين المصري والقطري بالحرص على استمرار المشهد الحالي الذي يريد التمسك به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تخوفاً من الدخول في مواجهة قد تكلفه الاستمرار في تقوية الائتلاف الحاكم، بل قد تؤدي إلى مزيد من التصدعات داخل الحكومة في أيامها الأولى، بالتالي فإن حركة “حماس” ستعمل على التهدئة والترقب والانتظار إلى ما سيأتي من مواقف، وفي كل الأحوال ما زال الجناح العسكري للحركة يدفع بقوة إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل، وقد يقول كلمته إذا حدثت أية مواجهة محتملة، بخاصة أن هذا التيار له الكلمة العليا وتتوارى خلفه بقية مؤسسات حركة “حماس” سواء المكتب السياسي الداخلي أو الخارجي.
معايير التحرك
وفي ظل ضوابط صعبة تدار داخل “حماس” في الوقت الراهن وفي ظل حالة من التجاذب على الأولويات للتهدئة أم التصعيد مع وجود تيار غالب يدعو إلى الانتظار، وعدم استباق ما يجري من تطورات، إذ إن الحركة تضع في أولوياتها العمل على محاور عدة، أولها التمسك بمحور الدعم العربي مع تمتين علاقاتها بحزب الله والتنظيمات المقاومة الداخلية وعدم السماح بأية محاولات تبديها بعض الفصائل، وعلى رأسها حركة الجهاد الفلسطيني، في إحداث أي تطور ولو كان تطوراً يخدم في إطاره العام الموقف الفلسطيني في المقام الأول، لكن لن يكون في أولوياتها إتمام أية مصالح آنية أو عاجلة مع حركة “فتح”، أي إن إتمام المصالحة سيظل مؤجلاً في الأقل في المدى المنظور.
ثانيها الانتقال إلى الحصول على شرعية التعامل تمهيداً للحصول على شرعية حقيقية متماسكة وقوية ومتعارف عليها سواء من قبل الدول العربية، أو من الخارج، في إطار تشكل موقف عام داخل حركة “حماس” يهدف إلى بناء موقف مختلف عما كان سابقاً، بخاصة أن حالة عدم الاستقرار في الإقليم وخارجه ستدفع إلى ذلك، والحركة تدرك أن الفواعل الرئيسة في الإقليم ستظل تتعامل معها على أنها الطرف الأقوى البارز وليس أي فصيل آخر، وأن السلطة ستظل رسمياً تتحرك في دوائر محددة ومهمة.
الخلاصات الأخيرة:
في ذكرى احتفال حركة “حماس” بتدشينها منذ 35 عاماً يثار عديد من الأسئلة المهمة، من بينها ماذا عن الخيارات البديلة؟ وهل ستواجه الحركة بإطارها المدني والعسكري أزمة الاستمرار والمواجهة مع الجانب الآخر، بخاصة أن “حماس” لا تزال تواجه بكثير من الأزمات التي لا تتوقف عند التمويل فقط بل تمتد إلى إعادة ترتيب الحسابات في القطاع وخارجه، والعمل على أكثر من مسار بما يحقق مصالحها الكبرى، سواء أن تبقى في القطاع لأطول مدة ممكنة ولحين إجراء الانتخابات المؤجلة، وهذا أمر لن يحدث بين يوم وليلة، أو العمل على نفي الحضور الرئيس والقائم للسلطة وأن تكون البديل العملي الجاهز، ولأن حركة “حماس” حركة مصلحية واقعية ونفعية فإنها ستعمل على جميع المسارات والاتجاهات، ولن تتوقف عند مسار واحد.
اندبندت عربي