لبنان تجاوز الشغور الرئاسي إلى الفراغ الكامل، سلطات الدولة الثلاث معطلة. لكن دويلة “حزب الله” شغالة. والأزمة السياسية والمالية والاقتصادية الخانقة للناس مستمرة في تعميق الانهيار.
لا انتخاب رئيس للجمهورية، لأن “حزب الله” مُصر على رئيس يطمئن “المقاومة الإسلامية” التي تفعل ما تريد، ولو على حساب لبنان. لا حكومة سوى حكومة تصريف أعمال هي “بطة عرجاء”. لا وزن للانتخابات النيابية الأخيرة، لأن مجلس النواب لا يستطيع ممارسة دوره التشريعي في غياب الرئيس، ولا يتمكن من انتخاب رئيس بقوة “محور الممانعة”، الذي يعطل نصاب الجلسات.
حتى القضاء فإنه معطل عملياً، بعضه معطل جزئياً بالتدخل السياسي، ومعظمه معتكف للمطالبة بتحسين شروط الحياة للقضاة. والمحقق العدلي طارق البيطار في جريمة تفجير المرفأ وتهديم نصف بيروت معطل منذ نحو عام، بسبب اللعب القانوني عبر دعاوى الرد ومخاصمة الدولة، لمنعه من التحقيق مع وزراء سابقين ونواب.
والإشكالية في موضوع “حزب الله” أنه ليس مجرد حزب، وهي في موضوع خصومه أنهم يميلون إلى المطالبة الرومنطيقية له بأن يتخلى عن سلاحه، ويصبح حزباً مثل سواه. وهي أيضاً في موضوع بعض حلفائه، لا سيما في اليسار، دعوة حزب مذهبي ديني إلى محاربة الفساد والعمل لإلغاء الطائفية وتغيير سياسة البلد الاقتصادية النيوليبرالية.
الفارق كبير حتى بين “حزب الله” والأحزاب العابرة للحدود، في بلد ينص دستوره على أن “لبنان بلد نهائي لجميع أبنائه”. من حزب البعث إلى حركة القوميين العرب، والأحزاب الناصرية، والحزب السوري القومي، وأحزاب الإسلام السياسي. هذه أحزاب سياسية فقط، غير مسلحة، وتعمل لأن يصبح لبنان قطراً في وحدة عربية أو جزءاً من الدولة – الأمة السورية أو من الخلافة الإسلامية. وحده الحزب الشيوعي ليس في برنامجه دمج لبنان بأي بلد، بل تغيير نظامه. وما حدث خلال نحو 100 سنة هو فشل الدعوات الوحدوية وتغيير الأنظمة في المواقع التي تتبع لها الأحزاب القومية والإسلامية.
أما “حزب الله” فإنه فرقة في الحرس الثوري الإيراني، مؤمن بولاية الفقيه، وعامل للمشروع الإقليمي الإيراني. وأقل ما تقوله طهران هو أنها نجحت حتى الآن في حكم أربع عواصم عربية هي: صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت، التي صارت “العمق الاستراتيجي” لها بحسب المرشد الأعلى علي خامنئي. “سلاحه وتمويله وأكله وشربه” من إيران، كما يعترف الأمين العام السيد حسن نصر الله.
حجة الاحتفاظ بالسلاح هي التصدي لأي اعتداء إسرائيلي على لبنان. لكن الدور أكبر بكثير. هو جزء من “جبهة المقاومة” لحماية المشروع الإيراني ضد أميركا وإسرائيل. وهو يمارس دوراً إقليمياً يتجاوز لبنان: مشاركة في حرب سوريا دفاعاً عن النظام، وتقديم خبرة ومساعدات في العراق واليمن وغزة وأماكن أخرى في إطار الاستراتيجية الإيرانية. والواقع أن “حزب الله” هو فيلق في “جيش المهدي”، وليس دوره في مقاومة إسرائيل سوى إحدى مهماته. كذلك دوره في سياسة طهران التي تعمل على “إخراج أميركا من غرب آسيا”.
وكل هذا أين؟ في لبنان الذي قال ميشال شيحا عنه “هذا البلد لبنان من واجب التقاليد أن تصونه من العنف”. في البلد الذي قال البنك الدولي في أحدث تقرير عنه إن “عمق الأزمة واستمرارها يقوضان قدرة لبنان على النمو، إذ يجري استنفاد رأس المال المادي والبشري والاجتماعي والمؤسسي والبيئي بسرعة وعلى نحو يتعذر إصلاحه”.
وأضاف: “تعويم القطاع المالي بات أمراً غير قابل للتطبيق، نظراً إلى عدم توافر الأموال العامة الكافية لذلك، وهو يفتقر إلى الإنصاف، فمن شأن مطالبة المواطنين عموماً بتعويض المساهمين في المصارف والمودعين الأثرياء أن يقود إلى إعادة توزيع الثروة، لكن من الأسر الفقيرة إلى الأسر الأغنى”. والحد الأدنى الذي تريد حكومة تصريف الأعمال أن يعوضه الفقراء للسارقين هو 60 مليار دولار، كما اعترف نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي. ومتى؟ حين يخطط “حزب الله” للاستمرار في دوره الإقليمي الذي قاد إلى مشكلة لبنان مع السعودية والخليج وأميركا والغرب.
لكن المشروع الإيراني يواجه تحديات كبيرة في الداخل، حيث “ثورة النساء” والطلبة والبلوش والكرد والعرب. والوضع الاقتصادي ضاغط على الطبقتين الوسطى والفقيرة، والقمع عاجز عن وقف الثورة على حكم الملالي، والتحولات في المنطقة والعالم غير مسبوقة بعد حرب أوكرانيا.
اندبندت عربي