اختتم، أمس الأحد، مؤتمر لدعم القدس، تحت عنوان «تنمية وصمود» والذي رعته الجامعة العربية وحضره ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيسان المصري والفلسطيني، ببيان ختامي من 19 بندا تستهدف حماية المدينة المقدسة، وتؤكد على ارتباط السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بنيل الشعب الفلسطيني حقوقه، والدعوة لتحرك دولي لتوفير الحماية له، ورفض الخطط الإسرائيلية لضم القدس الشرقية، وحماية الأماكن المقدسة، إسلامية ومسيحية، ووقف المشاريع الاستيطانية فيها، كما تطرق البيان إلى ملف الأسرى ومحاولات تغيير ثقافة وهوية المدينة، وحث المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتوفير التمويل للتنمية والاستثمار.
إضافة إلى البنود المذكورة، تفيد قراءة تصريحات الزعماء الثلاثة المشاركين في المؤتمر في تقديم شرح لأسباب عقد هذه الفعالية والأفكار المطروحة فيها، فكلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس توضح الوجهة العملية لدبلوماسية السلطة الفلسطينية عبر التوجه نحو الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يحمي حل الدولتين عبر منح دولة فلسطين العضوية الكاملة، والدعوة لعقد مؤتمر دولي، وكذلك الاتجاه نحو المحاكم والمنظمات الدولية، وصولا إلى حث المؤسسات والصناديق العربية لدعم القدس بالمشاريع التنموية.
تشير كلمة الملك عبد الله الثاني، في المقابل، إلى تركز اهتمام الأردن بمنع المساس بالوضع التاريخي والقانوني في القدس، لما في ذلك مساس بحقوق المملكة، وعلى منع محاولات التقسيم المكاني والزماني في المسجد الأقصى، ويتلخّص مشروع المملكة بدعم صمود الفلسطينيين في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية، والتحذير من أن المساس بالوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ستكون له «انعكاسات سلبية على أمن واستقرار المنطقة بأكملها».
يقدّم خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في المقابل إشارات إلى دعم مواقف الأردن وفلسطين، برفض «أية إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم لمدينة القدس» مع التأكيد الواضح على «الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، بما في ذلك المسجد الأقصى» لكن تعبير السيسي عن موقف الحكومة المصرية يتجلّى خصوصا في الحديث عن تأثير ما يحصل على «مفاوضات الوضع النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي» وفي الحديث عن ظروف تهدد الأمن الإقليمي و«تهدد مفهوم التعايش بين شعوب المنطقة» مما يضع «الشرق الأوسط بأكمله أمام خيارات صعبة وخطيرة».
يفيد في فهم السياسة الرسمية المصرية، أيضا، قراءة حديث الرئيس المصري عن مواصلة إدارته «العمل مع طرفي الصراع» وهو قول يُقصد منه تموضع القاهرة في وضعية الوسيط، وهو ما يمكن أن يفسّر بدوره ما يتبعه من تصريحه الذي يطالب «إسرائيل حكومة وشعبا» بـ«تكريس ثقافة السلام والتعايش، بل والاندماج بين شعوب المنطقة».
يبدو تصريح السيسي هنا كما لو أنه اقتراح لموازنة حفاظ الحكومة الإسرائيلية العنصرية المتطرفة على «الوضع القائم» بـ«تكريس ثقافة السلام والتعايش» على أمل أن يؤدي هذا التوازن إلى «اندماج إسرائيل بين شعوب المنطقة» الذي تمثّله، على الأرجح، موجة التطبيع العربية مع تل أبيب، والتي تمثّل الخطوة السودانية النقلة الأحدث فيها.
ما يعاينه الزعماء الثلاثة، كل بطريقته، هو الأزمة الراهنة الناتجة عن اندفاعة اليمين العنصري الإسرائيلي لتحطيم المحرّمات العربية والفلسطينية باستخدام جيش مسلّح من المستوطنين الذين يقودهم الوزيران العنصريان بن غفير وسموتريتش، وفيما يطرح عباس مواجهة ذلك عبر القنوات الدولية، والتضامن العربي مع الفلسطينيين، ويطالب ملك الأردن بـ«الحفاظ على الوضع القائم» فإن الرئيس المصري يقترح موازنة هجوم الحكومة العنصرية الإسرائيلية الهادفة لتهويد القدس والأقصى واستهداف الفلسطينيين بالقمع الجماعي بموجة التطبيع العربي الذي كانت خطوة لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني بوزير الخارجية الإسرائيلية أحدث نقلاته.
اندماج إسرائيل بشعوب المنطقة، بالمعنى الآنف، هو لجم الهجمة العنصرية الاستيطانية فيما يخصّ القدس بالتحديد، على أن تكافأ بمزيد من تواقيع الزعماء العرب على اتفاقيات أبراهام.
القدس العربي