المصرف المركزي العراقي ينزف دولارات بعد اختراق في مفاوضات واشنطن

المصرف المركزي العراقي ينزف دولارات بعد اختراق في مفاوضات واشنطن

سارع المصرف المركزي العراقي إلى بيع ملايين الدولارات بمجرد وصول إشارات إيجابية عن حدوث اختراق في المفاوضات التي يجريها وفد عراقي بقيادة وزير الخارجية فؤاد حسين في واشنطن، وسط مخاوف من أن تقود هذه الاندفاعة التي تبدو غير محسوبة إلى نضوب الاحتياطي النقدي في العراق.

بغداد – باع المصرف المركزي العراقي أكثر من 420 مليون دولار خلال يومي الأحد والاثنين، مع أول إشارة “إيجابية” جاءت من الوفد العراقي الذي يتفاوض حاليا في واشنطن حول منح بغداد مهلة بشأن التقيد بإجراءات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمكافحة تهريب الأموال إلى إيران.

وتبلغ احتياطات العراق النقدية نحو 115 مليار دولار، وإنفاق مبلغ كهذا كل يومين سيعني من الناحية الفعلية نفاد الاحتياطي النقدي في غضون عام ونصف العام.

وفي حال تراجعت أسعار النفط عن معدلها الحالي، الذي يوفر التراكم، فإن العجز المالي سوف يعود ليضغط على الميزانية العامة مثلما كان الحال في ديسمبر 2020، عندما أعلن وزير المالية علي عبدالأمير علاوي حينها عن خفض قيمة الدينار “لسد العجز المالي الحاصل في الموازنة التشغيلية، في سبيل تأمين النفقات الداخلية، مع تراجع قيمة واردات البلاد النفطية”.

وأرسل الوفد العراقي المفاوض برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين إشارات تفيد بأن العراق حصل على مهلة للتكيف مع اشتراطات الاحتياطي الفيدرالي.

المصرف المركزي باع أكثر من 420 مليون دولار خلال يومين، مع أول إشارة {إيجابية} جاءت من الوفد المفاوض في واشنطن

وعلى إثر هذا النبأ فتح مصرف الرافدين خزائنه ليبيع 305 ملايين دولار يوم الأحد، 47 مليون دولار منها نقدا، و257 مليون دولار في حوالات واعتمادات، مازال من غير المعروف ما الذي تم شراؤه بها، أو إلى أين ذهبت. كما باع في اليوم التالي 115 مليون دولار، 62.8 مليون دولار منها نقدا، و52.6 مليون دولار في حوالات واعتمادات.

ونقل موقع “روادو” عن مصدر من داخل الوفد العراقي في واشنطن القول إن “الأميركيين سيوافقون مبدئيا على منح العراق مهلة زمنية مؤقتة بشأن إجراءات العراق لمكافحة الفساد وتبييض الأموال وتكثيف العملية وضبط المنافذ الحدودية والمطارات أمام خروج الدولار والنظام الجديد لطلب الأموال من خلال المطالبة بفواتير ونظام سويفت”.

وبحسب المصدر نفسه “يريد الأميركيون أن يروا ما ستكون عليه التغييرات على الأرض وما إذا كان العراق قادرا على تنفيذ الإجراءات التي وضعوها، لذلك فإن تخفيف الاشتراطات سيكون نسبيا وليس رفعها بالكامل”.

ويقول مراقبون إن المهلة الممنوحة للعراق تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر. ولو أن عمليات التهريب إلى إيران اقتصرت على 50 مليون دولار يوميا، بالحد الأدنى، فإن المهلة سوف تعني تهريب ما يتراوح بين 4.5 و9 مليارات دولار خلال هذه المدة. في حين تذهب التقديرات إلى أن إيران تحصل من عمليات التهريب على ما قد يصل إلى ضعف هذا المبلغ، بما في ذلك الأموال المتحصلة من عائدات الضرائب.

وقال وزير الخارجية العراقي في وقت سابق إن “لقاءات جرت مع ممثلين من وزارة الخزانة الأميركية بشأن مجموعة من التفاهمات التي توصلنا إليها في مجال السياسة النقدية والإصلاح في المجال البنكي والمصرفي وكيفية التعامل مع بعض الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية. وإن هناك تفهماً واضحاً من قبل الولايات المتحدة لبعض المسائل التي طرحناها وتأييداً للمناقشات التي حصلت بين البنك المركزي وممثلي الخزانة”.

من جانبها أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن “الطرفين شددا على أهمية الالتزام المتبادل بإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واستمرار العلاقات الاقتصادية الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق، التي تهدف إلى تعزيز الاقتصاد العراقي”.

وقال بيان للمصرف المركزي العراقي إنه “ملتزم بتطبيق المعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويسعى إلى تعزيز علاقاته مع نظرائه في دول العالم بما يخدم عمل القطاع المصرفي العراقي وتطويره”.

ووفقاً للبيان فإنّ “الطرفين أبديا استعدادهما للعمل المشترك لمواجهة تحديات العمل بالمنصة الإلكترونية للحوالات والنقد، والتي تتيح للبنك الفيدرالي الأميركي مراقبة الحوالات الخارجية من العراق إلى الخارج”.

وأكد البيان أنّ “وفد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ووزارة الخزانة الأميركية ناقشا عدداً من آليات الدعم والإسناد للبنك المركزي العراقي، بما يعزز من قدراته على التعاطي بمرونة مع الأزمات خلال هذه المرحلة”.

ويقول مراقبون إن المهلة الممنوحة للعراق سوف تسمح لجهات تهريب الأموال بإعادة ترتيب أوضاعها، وذلك بالعثور على بدائل مع استمرار المصرف المركزي في بيع كميات هائلة يوميا من الدولارات التي تخرج من الدورة الاقتصادية المحلية ولا تعود إلى العراق حتى لو كانت على شكل بضائع وسلع وخدمات.

وتتمثل إحدى الوسائل التي تمت تجربتها سابقا، لاسيما في عهد حكومة نوري المالكي بين عامي 2006 و2014، في توكيل شركات محلية، ترتبط بالحرس الثوري الإيراني، لتنفيذ مشاريع وهمية. وذلك قبل أن تنتهي إما بإعلان إفلاسها وتأسيس شركات جديدة، وإما بإنجاز جزء محدود من المشاريع وإهمال الباقي.

وتعد هذه الطريقة نموذجا مثاليا لأنها تقوم على أساس تحويلات رسمية حكومية، لا تخل بقواعد التمويل، ولكن الطرف الآخر منها ينتهي إلى توقف الأعمال التي أنفقت عليها الأموال. كما أن شراء المعدات الفاسدة كان وسيلة أخرى من وسائل التحويلات “الشرعية”.

وأبدى الإطار التنسيقي، الذي يمثل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران، الاثنين ارتياحه لمجريات المفاوضات في واشنطن.

وقال القيادي في الإطار حسن فدعم، لوكالة شفق نيوز المحلية، إن “المفاوضات العراقية في واشنطن التي تجري حالياً إيجابية جداً بعد التواصل مع بعض أعضاء الوفد التفاوضي”، لافتاً إلى أن الفيدرالي الأميركي والخزانة الأميركية وكذلك وزارة الخارجية الأميركية تدعم استقرار العراق وسوقه.

ولإثبات جديته في الالتزام بقيود الاحتياطي الفيدرالي عقد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اجتماعاً في بغداد الأحد مع اتحاد الغرف التجارية ورابطة المصارف العراقية والهيئات والدوائر المالية الحكومية؛ الضرائب والجمارك فضلا عن المنافذ الحدودية والبنك المركزي والمعارض التجارية، وأكد أنّ حكومته وجميع أجهزتها المختصة “ستواجه بحزم كل المهربين والمضاربين، ومن يعرقل سير الإصلاح ويلحق الضرر بالاقتصاد العراقي ويؤثر في الوضع المعيشي للمواطنين”.

العرب