تطاردهم الكوابيس.. آثار الزلزال تمتد إلى أحلام فرق الإنقاذ شمالي سوريا

تطاردهم الكوابيس.. آثار الزلزال تمتد إلى أحلام فرق الإنقاذ شمالي سوريا

ريف إدلب – بعد العمل لأيام متصلة في انتشال الجثث وإنقاذ العالقين جراء الزلزال المدمر، ترك عضو الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) محمد جميل زملاءه ليأخذ قسطا من الراحة، لكن عمليات الإنقاذ رافقته حتى خلال نومه.

في منطقة “بسنيا” بريف إدلب انتشرت رائحة الموت والدمار، لذلك يؤكد جميل (31 عاما) أنه خلال اليوم الأول للكارثة طاردته كوابيس تتضمن أصواتا وصرخات ونداءات استغاثة، حتى أصبح يمسك بيدي أطفاله وهو نائم ظنا منه أنه ينقذ مدنيين خلال العمل.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المنقذ السوري “كنت أسمع أصواتا خافتة وبكاء أطفال، الأنين تحت الأنقاض شيء مرعب وخصوصا إذا تواصل لأيام، ليختفى وسط عجزنا”.

وحول عدم القدرة على مساعدة الضحايا، يقول جميل “ينتابي أحيانا شعور بالعجز حتى أصل لحد البكاء، حيث أسأل نفسي ماذا لو كان طفلي تحت الأنقاض، هل سأتركه هكذا؟ ثم أعود لأرضي نفسي بأنني فعلت كل ما بوسعي ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.

اختلاط الحزن بالفرح
طارق زياد (26 عاما) أحد المنقذين الذين تمكنوا من إخراج أطفال أحياء في منطقة حارم بريف إدلب الشمالي، يعبر عن فرحته التي راودته طيلة أيام عديدة، وذلك حين أنقذ البعض من تحت الركام.

في حديثه للجزيرة نت، يقول زياد “نسيت تعب ساعات طويلة من العمل في لحظة واحدة، وذرفت الدموع عندما خرجوا، لكن اختلطت دموع الفرح مع الحزن عندما سألت إحدى الطفلات عن والدتها تحت الأنقاض”.

وأضاف أن “المشاهد والأحداث التي مرت أثرت علي نفسيا طيلة بقائي بالمنزل، أحدق في أطفالي وينتابني شعور بالبكاء وأتخيلهم تحت الأنقاض، وأثناء عمليات إنقاذ ضحايا القصف من قبل النظام خلال 10 سنوات، لم يتملكني مثل هذا الشعور”.

ما يتعرض له طارق زياد ومن قبله محمد جميل، دفع متخصصين في الصحة النفسية إلى التأكيد على ضرورة مراعاة الجانب النفسي لأعضاء فرق الإنقاذ والإسعاف، حتى لا تؤثر عليهم سلبا في المستقبل.

المناعة النفسية تلعب دورا في درجة تأثر فرق الإنقاذ والإسعاف بمشاهد الدمار والجثث والمصابين (الجزيرة)
صدمة جماعية
يشرح أخصائيون في الصحة النفسية الحالة الإنسانية لعناصر فرق الإنقاذ خلال الأزمات وخصوصا الزلزال الأخير، وطريقة علاجها، مؤكدين أنها تحتاج علاجا طويلا.

الأخصائي النفسي عبد الله الزيدان يؤكد أن ما حصل شمالي سوريا صدمة جماعية تؤثر على جميع شرائح المجتمع باختلاف الطبقات.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الزيدان أن “ما زاد الأمر سوءا أنهم فقدوا عائلات وأصدقاء كونهم على الخط الأول، لكنهم توجهوا أيضا إلى الميدان لكي يساعدوا في إنقاذ الأرواح وانتشال الضحايا”.

وأشار إلى أن “المنقذين شاهدوا الجثث والمصابين والضحايا والدمار، وهذه تجارب مؤلمة جدا، والأصعب هو في حالة عدم القدرة على إنقاذ المصاب تحت الركام، مما يخلق ردات نفسية على المدى القصير والطويل لها جوانب عدة، سواء على مستوى الشعور أو الانفعال والإدراك أو على مستوى الجسم”.

وأشار إلى أن المناعة النفسية تلعب دورا في درجة التأثر، موضحا أن ردات الفعل يمكن أن تكون شديدة أو متوسطة أو خفيفة، ولأن هول الصدمة كبير جدا سيكون الرد شديدا.

ولفت إلى أن إنقاذ الأرواح والشعور بالفرح يلعب دورا مهما، لكن المشاهد التي كانت سائدة هي مشاهد الموت والجثث، لذلك فهي تغطي على شعور الفرح، مضيفا “شعور الحزن سيسيطر على المدى الطويل ويخلق في الذاكرة مشاهد مؤلمة، يمكن أن تتطور مع الوقت حسب المناعة الشخصية”.

وأوضح أن “ردات الفعل أيا كانت شدتها تؤثر على الجانب الوظيفي والمهني والاجتماعي للناس والمنقذين، وأكثر ما يميز ذلك هو الشعور بتأنيب الضمير والعجز عن إنقاذ أحياء كانوا على مقربة منهم وسمعوا أصواتهم”.

وشدد على الدور الكبير لإستراتيجيات التكيف في التغلب على هذه المشاعر السلبية، متابعا “لا ننسى أن هؤلاء المنقذين كانت لهم تجارب سابقة، وهذه التجارب أحيانا تخلق تكيّفا، لكن يمكن يكون لها أيضا تبعات قوية على المدى الطويل، خاصة أن المنقذين والمسعفين في الميدان دائما، وليس لديهم الوقت للاعتناء بأنفسهم وصحتهم النفسية”.

وعن تأثير انتشال الضحايا على نفسية المنقذين، توقع مسعف السلامة مدير مركز “حماية” والباحث في الذكاء العاطفي شمالي سوريا، أن يشكل انتشال الضحايا صدمات منوعة بدرجات متفاوتة على نفسيات فرق الإنقاذ.

وأوضح السلامة أن أكثر من 60% منهم يحتاجون إلى خدمات نفسية غير متخصصة مثل الإسعاف النفسي الأولي والدعم النفسي الاجتماعي، في حين يحتاج أكثر من 20% إلى خدمات نفسية متخصصة، مشيرا إلى أن هذا يتوقف على المرونة النفسية والاجتماعية لكل شخص.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الباحث السوري “تعلق الكثير من هذه المشاهد في ذاكرة المنقذين القريبة والبعيدة، وتظهر بشكل واضح في الكوابيس، وتتحول الكثير من هذه المشاهد إلى هلوسات سمعية وبصرية شبه متكررة، وللأسف قد يتسبب استمرار هذه المشاهد في فقدان الصحة النفسية”.

وختم السلامة حديثه بالقول “الكثير منهم يحتاج إلى برامج علاجية نفسية متخصصة تمكنهم من التخلص من الهلوسات السمعية والبصرية وتعيد التوازن لحياتهم”.

المصدر : الجزيرة