لقد عادت إيران والصين للتحرك مجددا، ففي يوم الجمعة الماضي، فاجأت الصين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتأكيد نفوذها في الشرق الأوسط من خلال سد الفراغ الذي تركه بايدن، والتوسط في اتفاق بين إيران والسعودية، التي تعهد الرئيس الأمريكي سابقا، بأن يجعلها “منبوذة” و”ينهي مبيعات المواد إليها”.
وقال الدكتور لورانس إيه. فرانكلين، الذي كان يعمل مسؤولا عن مكتب الشؤون الإيرانية في عهد وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد في تقرير نشره معهد “جيتستون” الأمريكي للأبحاث والدراسات، إنه في غضون ذلك، لم تخجل إيران بشأن مهمتها المتمثلة في “تصدير الثورة” إلى نصف الكرة الغربي.
فقد رست سفينتان حربيتان إيرانيتان في شهر شباط/ فبراير الماضي في البرازيل، في ظل حكم رئيسها الاشتراكي المنتخب حديثا لولا دا سيلفا. وتردد أن السفينتين ستتحركان من هناك إلى قناة بنما، التي تخضع بالفعل لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني، حليف إيران الجديد. .
كانت إيران تتسلل بشكل علني في أمريكا الجنوبية منذ عقود. في عام 1994، فجرت مركزا للجالية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس، مما أسفر عن مقتل 85 شخصا. وفي الفترة الأخيرة، وبينما كانت إدارة بايدن تسعى للتوصل إلى “اتفاق نووي” مع إيران، وهو الاتفاق الذي سيمكنها قريبا من الحصول على أي عدد ترغب فيه من الأسلحة النووية، كانت إيران توسع موطئ قدمها الكبير بالفعل في جنوب الحدود الأمريكية. وتمتلك الحكومة الإيرانية بالفعل وجودا مهما -ونفوذا على الأرجح- في فنزويلا وبوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا. وهي تستهدف الآن البرازيل وقناة بنما.
واعتبر فرانكلين، الذي خدم في الجيش الأمريكي، أن الرئيس البرازيلي دا سيلفا لديه تاريخ من الترحيب بإيران. في عام 2009، خلال فترته الأولى كرئيس، استقبل بحرارة الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد خلال زيارته الرسمية إلى البرازيل. وسيتحول دا سيلفا بلا شك من السياسة الخارجية الموالية للولايات المتحدة وإسرائيل التي كان ينتهجها سلفه الرئيس جايير بولسونارو، إلى سياسة تفضل العلاقات الودية مع إيران.
وقد رحبت إيران بانتخاب دا سيلفا والعلاقات الودية مع البرازيل المتوقعة بعد انتخابه. وسارع المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إلى تهنئة دا سيلفا على انتخابه. ولم تكن رسالة التهنئة من عضو المكتب السياسي لحركة حماس باسم نعيم، مفاجئة، والتي قال فيها إن حماس “تتطلع إلى الرئيس لولا لأن يزيل كل الآثار التي ترتبت على الدعم اللامحدود (من بولسونارو) لدولة الاحتلال الإسرائيلي”.
ولا يؤيد البرازيليون بالضرورة تحول دا سيلفا إلى اليسار في السياسة الخارجية. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “بيو” للأبحاث في عام 2015 أن أغلبية كبيرة من البرازيليين لديها وجهة نظر سلبية إزاء إيران. وقد أقامت البرازيل علاقات ودية مع إيران خلال فترة رئاسة دا سيلفا السابقة. وقد زار إيران عام 2010، في أعقاب زيارة أحمدي نجاد للبرازيل عام 2009. كما أن البرازيل أكبر شريك اقتصادي لإيران في أمريكا اللاتينية. وتصدر البرازيل كميات كبيرة من اللحوم والأدوية والسيارات إلى إيران. كما استثمرت شركة النفط البرازيلية العملاقة “بتروبراس” مبالغ كبيرة في صناعة النفط الإيرانية.
ورأى فرانكلين أن ابتعاد دا سيلفا عن الغرب تأكد مؤخرا من خلال سماحه برسو سفينتين حربيتين إيرانيتين في ريو دي جانيرو بعد فترة وجيزة من زيارته للبيت الأبيض الشهر الماضي. ولم تنجح جهود وزارة الخارجية الأمريكية وسفيرة الولايات المتحدة في البرازيل إليزابيث باجلي، في إقناع دا سيلفا بعدم السماح برسو السفينتين الإيرانيتين.
وتشيد إيران بشدة بالرئيس دا سيلفا، حيث رفض الانضمام إلى العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد طهران، وانتقد الشكوك الغربية في نوايا إيران بشأن الأسلحة النووية. وقد أكد دا سيلفا أكثر من مرة، أن إيران لديها الحق في تطوير برامج نووية سلمية، وأنه يتعين أن تكون هناك ثقة في تصريحات الجمهورية الإسلامية إلى أن يثبت العكس من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التى ترى الآن أن إيران ربما كانت تخدعها “طوال الوقت”.
ورأى فرانكلين أن إدارة بايدن، مثل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، تحاول فقط على الأرجح تجنب تحول إيران إلى قوة نووية كاملة “خلال فترة رئاستي” كما قال أوباما في عام 2015.
وأشار إلى أن السفينتين الإيرانيتين اللتين رستا في البرازيل، وهما “إيريس مكران “، أكبر سفينة حربية إيرانية، و”إيريس دينا” وهي فرقاطة، جزء من الأسطول الـ86 الإيراني وقيادة المحيط الأطلسي المشكّلة حديثا. وفي تحد واضح للهيمنة الأمريكية في نصف الكرة الغربي، ستواصل السفينتان رحلتهما إلى قناة بنما.
وتعد الزيارة إلى أمريكا اللاتينية ثاني عملية انتشار بحري إلى نصف الكرة الغربية منذ الجولة البحرية الإيرانية في المحيط الأطلسي عام 2021. وهناك أسباب كثيرة تدعو لتوقع أن تحاول طهران توسيع نطاق وجودها الدبلوماسي والعسكري في المنطقة.
ونظرا لأن البرازيل، هي أكبر دول أمريكا الجنوبية من حيث المساحة وعدد السكان، كما أنها أقوى دول القارة، فيمكن أن يشجع هذا دولا أخرى في أمريكا اللاتينية على السعي لتحسين علاقاتها مع أعداء الولايات المتحدة.
فكيف تمكنت “الصين من هزيمة الولايات المتحدة في الهيمنة على أمريكا الجنوبية؟
تقول وكالة بلومبرغ: “لقد اشترت الصين كميات كبيرة من النحاس واللحوم وفول الصويا… وشيدت العديد من الطرق، وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطاقة والجسور، لدرجة أنها تجاوزت الولايات المتحدة لتصبح أكبر شريك تجاري لأمريكا الجنوبية، وهي الآن أكبر شريك تجاري لكل من البرازيل وتشيلي وبيرو”.
من جانبها، أشارت صحيفة “بوينس أيرس تايمز” إلى “أنه ليس سرا أن الصين كانت تضخ الموارد في أمريكا الجنوبية خلال القرن الحالي لتنهي بذلك الهيمنة التاريخية للولايات المتحدة”.
واختتم فرانكلين تقريره بالقول إن 7 دول من دول أمريكا الجنوبية، وهي فنزويلا والإكوادور وبيرو وبوليفيا والأرجنتين وأوروغواي، هي جزء بالفعل من مبادرة الحزام والطريق الصينية. والدولة الوحيدة التي لديها علاقات دبلوماسية مع تايوان هي باراغواي. وبالإضافة إلى هذا، من الواضح أن الصين ترغب بشدة في زيادة وجودها الاقتصادي والعسكري في البحر الكاريبي. فهل يتم حصار وتطويق الولايات المتحدة؟
(د ب أ)