قررت قطر والبحرين إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد أكثر من عامين على اتفاق المصالحة الخليجية، ويعتقد كثيرون أن هذه العودة تأتي مراعاة للجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية، ولكنها لن تؤسس لصفحة جديدة بين البلدين، طالما لم يجر تفكيك عقد الماضي.
الرياض – تقول أوساط سياسية خليجية إن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وقطر لا يعني إنهاء الخلافات بين الجانبين، مشيرة إلى أن هذه العودة ستكون اختبار نوايا لكلتيهما بشأن التخلص من إرث الماضي الثقيل. وقررت قطر والبحرين إعادة علاقاتهما الدبلوماسية، وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأحكام معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
جاء ذلك في ختام الاجتماع الثاني للجنة المتابعة القطرية – البحرينية بمقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في العاصمة السعودية الرياض.
وتأتي عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الجارتين في خضم أجواء إقليمية إيجابية هيئت لها السعودية من أجل تهدئة التوترات في المنطقة، وأبرز مظاهرها الاتفاق السعودي – الإيراني على استئناف العلاقات، والتوجه العربي نحو التطبيع مع سوريا، والعمل الجاري على وضع حد للنزاع اليمني.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية، في وقت متأخر الأربعاء، أن اجتماع اللجنة “تناول بحث الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، واطلع على مخرجات الاجتماع الأول لكل من اللجنة القانونية المشتركة واللجنة الأمنية المشتركة”. وأضافت الوكالة “كما تقرر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأحكام معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961”.
◙ الأزمة بين البحرين وقطر تتجاوز النهج الذي تبنته الدوحة في السنوات الماضية، إلى خلافات تعود إلى عقود مضت
وأكد الجانبان أن الخطوة “تأتي انطلاقا من الرغبة المتبادلة في تطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التكامل والوحدة الخليجية (..) واحتراما لمبادئ المساواة بين الدول والسيادة الوطنية والاستقلالية والسلامة الإقليمية وحسن الجوار”.
وترأس وفدي البلدين الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة وكيل وزارة الخارجية البحرينية للشؤون السياسية، وأحمد الحمادي أمين عام وزارة الخارجية القطرية. وفي فبراير الماضي عقدت لجنة المتابعة القطرية – البحرينية اجتماعها الأول في الرياض لمعالجة “الملفات العالقة” بين البلدين الخليجيين. وجاء تشكيل هذه اللجنة بعد اجتماع لوزيري خارجية البلدين في العاصمة السعودية الرياض.
وتقول الأوساط السياسية إن الرياض كانت حريصة على تطبيع العلاقات بين البلدين، وقد بذلت جهدا كبيرا من أجل حث الجانبين ولاسيما قطر على إبداء تعاون في هذا الصدد.
وظلت العلاقات بين المنامة والدوحة تراوح مكانها على الرغم من مرور أكثر من عامين على قمة المصالحة التي عقدت في السعودية، بعد قطيعة استمرت لنحو خمس سنوات بين الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة من جهة وبين الدوحة من جهة ثانية، بسبب خلافات حول نهج الأخيرة سواء في علاقة بدعمها للإسلاميين أو تقاربها حينها مع تركيا وإيران.
وقد حثت البحرين مرارا قطر على التجاوب مع جهود تطبيع العلاقات الثنائية، تنفيذا لاتفاق العلا الذي جرى التوصل إليه في الخامس من يناير 2021، لكن الأخيرة ظلت تماطل وتعاطت بسلبية مع الإشارات البحرينية، سواء من خلال الاستفزازات في المياه الإقليمية أو بالهجمات الإعلامية عبر منبر “الجزيرة”.
ويرى مراقبون أن الأزمة بين البحرين وقطر تتجاوز مجرد خلافات حول النهج الذي تبنته الدوحة في السنوات الماضية، إلى خلافات تعود إلى عقود مضت، ومن بينها الخلاف حول الحدود البحرية. وشهدت الحدود البحرية بين البلدين حوادث متكررة في السنوات الأخيرة ومنها اعتراض خفر السواحل القطري سفنا بحرينية في الحادي والعشرين من يناير 2021، أي بعد قمة العلا.
ويقول المراقبون إن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين خطوة مهمة، لكنها تبقى هشة حيث أن أي حادث بينهما، حول الحدود أو حقوق الصيد في المياه الإقليمية أو ملف تجنيس القبائل أو تقارير إعلامية مستفزة، قد يشعل فتيل الأزمة مجددا في ظل الحساسية القائمة بين الطرفين. وشدد هؤلاء على أن إصلاح العلاقات البحرينية – القطرية لن يكون بمجرد عودة السفيرين أو استئناف الرحلات الجوية.
ولوحظ تعاط إعلامي فاتر، سواء من قبل البحرين أو من قطر، مع قرار تطبيع العلاقات الدبلوماسية، ما يشي بعدم ثقة في إمكانية أن يؤدي ذلك إلى فتح صفحة جديدة بين الطرفين، وأن القرار يأتي في جانب كبير منه مراعاة للجهود التي بذلتها السعودية، وحتى لا يظهر أحد الطرفين وكأنه من يقف حجر عثرة أمام أي اتفاق من شأنه أن يعزز التضامن الخليجي، في ظل التحولات المهمة التي تشهدها المنطقة.
◙ الرياض كانت حريصة على تطبيع العلاقات بين البلدين وقد بذلت جهدا من أجل حث الجانبين ولاسيما قطر على إبداء تعاون
ولاقت الخطوة المعلنة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وقطر إشادات من عدد من الدول الغربية والعربية. ورحبت الولايات المتحدة باستئناف العلاقات بين حليفيها في المنطقة. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في بيان مساء الأربعاء، إن بلاده “ترحب باستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وقطر، الشريكيْن المقربين إلى الولايات المتحدة والحليفيْن الرئيسيين من خارج حلف الناتو”.
وأوضح سوليفان أن “الولايات المتحدة تعمل منذ بداية إدارة (الرئيس جو) بايدن على تشجيع التكامل الإقليمي وخفض التصعيد والتقارب بين شركائها”. وذكر أن “مجلس التعاون الخليجي الموحد بالكامل، والذي تعتبر البحرين وقطر عضوين رئيسيين فيه، يعد خطوة مهمة نحو إنشاء منطقة شرق أوسطية أكثر استقرارا وازدهارا، من خلال ترتيبات تجارية واقتصادية ودفاعية أكثر تكاملا”.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتطلع إلى العمل مع جميع شركائها “لتطوير رؤية مشتركة لمنطقة أكثر تكاملا واستقرارا وازدهارا”. ومن جهتها أثنت سلطنة عُمان الخميس على ما تم الاتفاق عليه بين البحرين وقطر. وأعربت السلطنة، في بيان صادر عن وزارة الخارجية أوردته وكالة الأنباء العمانية، عن أن “هذه الخطوة من شأنها دعم وتعزيز التعاون بين الأشقاء والعمل الخليجي المشترك بما يعود بالمنفعة على الجميع في المنطقة”.
ووصف الأردن الخميس استئناف العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين بـ”الإنجاز الكبير” الذي يعزز التضامن الخليجي والعربي. وقال بيان لوزارة الخارجية إن الأردن يرحب باستئناف العلاقات بين البلدين، مؤكداً أهميته في جهود تعزيز التعاون بين الدول العربية، وتفعيل العمل العربي المشترك، بما يخدم المصالح العربية المشتركة. وأضاف البيان أن “عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين تعد إنجازا كبيرا يعزز التضامن الخليجي والعربي والقدرة على مواجهة التحديات المشتركة”.
العرب