باتت الانتخابات التركية المقرر إجراؤها في الـ 14 من مايو (أيار) المقبل قضية حياة أو موت بالنسبة إلى الملايين الذين تركتهم سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية خلال الـ20 عاماً الماضية تحت أنقاض دمار اجتماعي وسياسي واقتصادي، لا سيما المواطنين الذين تراكمت على كاهلهم عواقب الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها تركيا خلال السنوات الـ10 الماضية.
ويشار أيضاً إلى أن هذه الانتخابات تدخل في إطار نوع من الاستفتاء على النظام الحاكم مما جعل الرأي العام التركي يتطلع في الوقت الحالي بدقة إلى ما يحدث في التحالفات الانتخابية والاصطفافات والانقسامات والإستراتيجيات للفوز في الانتخابات بمكونات جديدة.
وكخطوة مفاجئة في اللحظة الأخيرة أضاف “تحالف الجمهور” الحاكم حزباً ذا ميول إيرانية، وكان ماضيه مليئاً بالأعمال الإرهابية إلى جانب حزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى.
كان ضم حزب “هدا بار” Hüda-Par المعروف سابقاً باسم “حزب الله” إلى “تحالف الجمهور” مع حزب الرفاه الجديد و”حزب اليسار الديمقراطي” لافتاً لانتباه الجميع، ويمكن القول إن الاضطرار إلى التحالف مع أحزاب صغيرة لا تتجاوز نسبة ما تحصل عليه من الأصوات واحداً في المئة جاء نتيجة خوف أردوغان من الخسارة، إذ إن حزبه يواجه حالياً أدنى مستوى لشعبيته منذ توليه الحكم قبل 20 عاماً.
ونعلم جيداً أن الرئيس أردوغان هو الذي يقف وراء إصرار محرم إينجه على الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، إذ إن وسائل الإعلام التي يسيطر عليها أردوغان تنقل كل ما يتعلق بإينجه المنشق من حزب الشعب الجمهوري، وبالتالي فسيكون كل ما يحصل عليه من الأصوات على حساب مرشح الائتلاف المعارض كمال كليجدار أوغلو.
تخيلوا أن وسائل الإعلام التي يسيطر عليها صهر أردوغان تنقل صباحاً ومساء أخبار محرم إينجه وتعطيه فرصة الدعاية لنفسه في برامج البث المباشر.
ماض دموي
ومما أدهشني بشكل خاص التحالف الانتخابي الذي أسسه أردوغان مع حزب “هدا بار” الذي تنتمي معظم قاعدته الشعبية إلى الأكراد، إذ إن هذا الحزب يعتبر امتداداً لجماعة “حزب الله” وكان مسؤولاً عن عدد من الأعمال الدموية في تركيا وبخاصة خلال التسعينيات.
وهناك من يعتقدون أن عدداً كبيراً من الأكرادالمتدينين الذين كانوا في السابق يؤيدون حزب العدالة والتنمية سيصوتون الآن لحزب “هدا بار” كوجهة متدينة بديلة ولن يصوتوا لحزب الشعوب الديمقراطي، لكن هذا لا يزال مجرد ادعاء لا يستند إلى معطيات وتقارير موثوقة، ولا أتوقع من الأكراد أن يصوتوا بغزارة لحزب سياسي معروف بأنه نسخة قانونية لمنظمة “حزب الله” الإرهابية، لأن المتدينين الأكراد بعيدون من هذا النمط الأكثر فساداً للإسلام السياسي، بقدر ما هم بعيدون من وجهة النظر العلمانية واليسارية، فلم يكن الأكراد المتدينون يدعمون “حزب العدالة والتنمية” لأنه كان إسلامياً سياسياً، بل لأنه كان يعدهم بانفتاح ديمقراطي في القضية الكردية منذ عام 2002، وبالتالي فقد كان دعم الأكراد في السابق لـ “حزب العدالة والتنمية” مرتبطاً بتوقعاتهم في مجال حقوقهم السياسية والقومية المسلوبة منهم من قبل المسيطرين على مقاليد الدولة، في وقت كان “حزب العدالة والتنمية” ينتقد هذه الأيديولوجيات الكمالية ويعارض تصرفات الدولة العميقة.
وتشير الدراسات الميدانية المختلفة إلى أن القاعدة التي يستند إليها “هدا بار” تتكون من الأكراد الأصغر سناً والأقل تعليماً والأكثر فقراً، مقارنة بأولئك الذين يصوتون لـ “حزب الشعوب الديمقراطي” الكردي أو المتدينين بشكل عام.
تعاون براغماتي
ومن ناحية أخرى فهناك في “تحالف الجمهور” الحاكم حزب الحركة القومية الذي يظهر أنه يمثل القومية التركية إلى درجة العنصرية، وإنها لمفارقة عجيبة أن يضم “تحالف الجمهور” من جانب حزباً قومياً عنصرياً لا يسمح بأي حق من حقوق الأكراد، بينما في الجانب الآخر هناك حزب “هدا بار” الذي يدعو إلى إعطاء الأكراد حق التعليم باللغة الأم ومنحهم نوعاً من الحكم الذاتي القريب من الاستقلال، وهذا يوضح لنا إلى أي مدى يتهاون “تحالف الجمهور” الحاكم بمبادئه التي أعلنها سابقاً، ويركز على الصراع من أجل البقاء حتى ولو كان ذلك متناقضاً مع أيديولوجية مكوناته السياسية ليأخذ شكلاً من التعاون البراغماتي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نفسر تعلق الحزب الحاكم ومكوناته بحزب متشدد لا تتجاوز نسبة مؤيديه واحداً في المئة من الأصوات، فما هي عقلانية هذا؟
إنني أراها محاولة للسيطرة على نفسية الشوارع من خلال استدعاء ذكريات التسعينيات الدموية التي كانت الجماعة التي أفرخت “هدا بار” من أهم العناصر الفاعلة فيها، ولا يتردد أردوغان في توجيه رسالة إلى الأكراد المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطية بخاصة في المناطق ذات الغالبية الكردية، وقد تبنى أردوغان مبدأ الضغط على جميع الأزرار من أجل الفوز في الانتخابات، ولهذا السبب فمن الطبيعي جداً أن يشكل تحالفاً مع أولئك الذين يمكنهم إرهاب الشوارع.
إنه يعلم أنه إذا خسر الانتخابات فمن المحتمل بقوة ألا يكون هناك حزب يسمى “العدالة والتنمية” بعدها، وبالتالي فإن الأحزاب التي شكل معها تحالفاً ستنشق عنه في أسرع وقت، كما أنه إذا خسر فإن سائر المؤسسات الحكومية التي ربطها بالنظام الرئاسي ستكون تحت سيطرة الرئيس الجديد، وبالتالي سيقع في الكمين الذي نصبه لمعارضيه، ففي النظام الحالي تم ترتيب كل شيء بحسب ما يقوله القصر ومستشاروه، وبطبيعة الحال فإذا خسر كرسي الرئاسة ومنصبه في الدولة يكون قد فقد كل شيء، وها نحن على مشارف الانتخابات.
وإذا تمكن كمال كليجدار أوغلو الذي استطاع الحصول على دعم الأكراد من التغلب على المشكلات المتعلقة بأمن الانتخابات أيضاً، فلن تكون هناك عقبات أمامه بما في ذلك شخص أردوغان.
اندبندت عربي