السوداني يبيع الأوهام للعراقيين في مواجهة الجفاف

السوداني يبيع الأوهام للعراقيين في مواجهة الجفاف

اكتفاء رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني بتقديم تعهدات بإيجاد حل لأزمة شح المياه في بلاده دون تقديم خطة واضحة لذلك، يثير مخاوف العراقيين من أن تكون هذه الوعود مثل تلك التي أطلقها سابقوه ولم تلق طريقا إلى التنفيذ وهو ما يهدد بتفاقم الأزمة.

بغداد- لم يحدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ما نوع المساعدة التي يطلبها من دول العالم لحماية نهري دجلة والفرات، إزاء قيام تركيا باحتجاز كميات أكبر من التدفقات، وإزاء قيام إيران، الدولة صاحبة النفوذ الأكبر على العراق، بقطع إمدادات ثلاثة أنهار تمرّ إلى العراق.

وكان السوداني قال خلال مؤتمر بغداد الثالث للمياه الذي انعقد في العاصمة العراقية السبت “إن حماية دجلة والفرات تتطلب تدخلا دوليا عاجلا. نحتاج جهود جميع الأصدقاء في الدول والمنظمات لمساعدة العراق في هذا الوقت الحرج لنهريه العظيمين”.

ويقول مراقبون إن السوداني الذي أجرى مباحثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 21 مارس الماضي لم يحصل منه على أكثر من وعد بزيادة إطلاقات المياه لمدة شهر واحد فقط. ولم تكن لديه أدوات ضغط تفرض على تركيا احترام حصة العراق من مياه دجلة والفرات. ولكنه على العكس من ذلك، عرض على تركيا المزيد من المنافع الاقتصادية، بالعمل على مشروع “القناة الجافة” للربط بالسكك الحديدية بين موانئ البصرة والموانئ التركية على المتوسط. وكذلك المزيد من التعاون الأمني في ملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

وفي ظل أزمة شح المياه، أعلن السوداني عزم حكومته على البدء بمشروع لتحلية مياه البحر، ولكنه لم يحدد ما إذا كانت هناك استثمارات سوف يجري توظيفها بالفعل لهذا الغرض.

ومن المعروف للخبراء فإن مشاريع تحلية مياه البحر تستهلك الكثير من الطاقة، وهي ليست اقتصادية إلا من خلال الاستعانة بالطاقة النووية. والسير في هذا الاتجاه ما يزال

بعيدا بالنسبة إلى موازنة حكومية تتضمن عجزا يزيد عن 50 مليار دولار. فضلا عن أن موضوع الطاقة النووية السلمية خارج المتداول الرسمي في العراق، رغم أنه موضوع رئيسي بالنسبة إلى إيران.

وكان السوداني قال إن “الحكومة وضعت إستراتيجية مناخية تمتد إلى 2030 وستشمل الحد من انبعاث الغازات لتقليل الضرر البيئي وتحفيز المزارعين الذين يستخدمون تقنيات ري حديثة، واستخدام الطاقات المتجددة”. إلا أنه لم يقدم تفاصيل استثمارية في هذا الاتجاه. الأمر الذي أثار انطباعات بأنها “وعود قيد الدراسة على مدى غير منظور” من الناحية الفعلية.

وكانت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، حثت بدورها دول العالم على مساعدة العراق في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف التي يواجهها.

وقالت بلاسخارت خلال استضافتها على هامش منتدى العراق “ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة في العراق من تغيرات مناخية”.

ولكنها، على غرار حكومة السوداني، لم تحدد إطارا عمليا يمكن الأخذ به لتقديم المساعدة المطلوبة للعراق.

وبحسب تقديرات رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بغداد آوكي لوتسما فإن “العراق يواجه حالياً أسوأ موجة جفاف في العصر الحديث تقوض الإنتاجية الزراعية وتهدد الدخل والأمن الغذائي للسكان، مما يشكل تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان الأساسية والنمو المستدام والسلام والاستقرار في العراق”.

ويوفر نهرا دجلة والفرات أكثر من 90 في المئة من الموارد المائية، إلا أن هذه الموارد ظلت تتراجع منذ غزو الولايات المتحدة للعراق في العام 2003، ولم تتمكن الحكومات التي تولت السلطة من معالجة المشكلة، بينما تم تبديد مئات المليارات من الدولارات في مشاريع وهمية.

وتشير التقديرات إلى أن زيادة درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة وانخفاض هطول الأمطار بنسبة 10 في المئة بحلول عام 2050 سيؤديان إلى انخفاض بنسبة 20 في المئة في المياه العذبة المتوفرة، وبالتالي انخفاض بنسبة 25 في المئة في كمية المياه التي تستخدم لقطاع الزراعة الذي يستهلك حوالي 80 في المئة من مياه العراق، ما يجعل تغير المناخ تهديداً حقيقياً للأمن الغذائي.

وفي حين كان العراق يمتلك موارد داخلية تبلغ 30 مليار متر مكعب عام 1933 فإن هذه الموارد تراجعت إلى 9.5 مليارات اليوم. ومن المتوقع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030. بينما يبلغ معيار منظمة الصحة العالمية 1700 متر مكعب للفرد سنوياً. الأمر الذي يشكل تهديدا مباشرا للأمن الغذائي والتنمية ولأنماط العيش نفسها.

ويقول خبراء إن أزمة المياه في العراق تتطلب عملا سريعا على ثلاثة مستويات متوازية. الأول منها أن تجد الحكومة العراقية سبيلا للربط بين المنافع الاقتصادية التي تجنيها إيران وتركيا من العراق بحماية حصته من المياه. والثاني تطوير ومعالجة مشكلات البنية التحتية التي تسمح باستثمار تساقطات الأمطار بدلا من تعرضها للهدر أو تتحول إلى فيضانات لا يتم جمع ما توفره من موارد طارئة. والثالث تطوير أنظمة الري وترشيد الاستهلاك. وهذه المستويات تتطلب استثمارات واضحة وليس وعودا تطلق اليوم ويتم نسيانها غدا، وهو ما ظل يحصل على امتداد العقدين الماضيين. كما أنها تتطلب جرأة سياسية تجاه دول الجوار، ولكن تفتقدها حكومات ظلت ضعيفة في عين هذه الدول.

ويشير المراقبون في هذا السياق إلى أن وزارة الموارد المائية العراقية طالبت الجانب التركي بزيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة الفرات، والتباحث لوضع أسس ثابتة تضمن حصة العراق. إلا أن الوزارة لم تتلق شيئا من وراء هذه المطالبات، ولم تملك بين أيديها ما يمكن أن تفعله تجاه التجاهل المتواصل من جانب تركيا لهذه المطالب. وهذا الأمر يتكرر على نحو أسوأ مع إيران، التي قطعت كامل حصة العراق من أنهار “الوند” الذي كان يمر عبر مدينة خانقين، و”الزاب الصغير” الذي كان يمر في مدينة السليمانية، و”كارون” الذي كان يصب في شط العرب، و”دويريج” الذي كان يصب في “هور المشرح”، و”كرخة” الذي كان يصب في “هور الحويزة”، وغيرها من الأنهار الفرعية الأخرى.

العرب