يتزايد حراك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خلال الأيام الأخيرة، في ما يبدو أنها أولى بوادر عودة نشاط تياره إلى الواجهة السياسية في العراق، خصوصاً مع تكثيف بياناته، سواء ذات الطابع السياسي أو العقائدي.
يتصدر حراك الصدر الأخير توجيهات عقائدية واجتماعية لأتباعه، على أثر ادعاء جماعة أنه “المهدي المنتظر”، وهو ما دفع الصدر إلى توجيه أتباعه لكتابة تعهدات والتبرؤ من تلك الجماعة الشهر الماضي.
على رغم الطابع العقائدي، الذي غلبت عليه بيانات الصدر الأخيرة، فإنها لم تخلُ من تمرير رسائل سياسية، سواء لجمهوره أو خصومه، وتحديداً الميليشيات المسلحة الموالية لإيران، من خلال استخدامه مرة أخرى عبارات “التبعية” و”الأيادي الخارجية”، وهي مفردات لطالما استخدمها الصدر في توصيف الجماعات الموالية لإيران.
حرب عقائدية
وتزامنت عودة نشاط التيار الصدري إلى الواجهة مجدداً مع ظهور ما سمي “أصحاب القضية” الذين ادعوا أن مقتدى الصدر هو “المهدي المنتظر”، وفيما أعلن زعيم التيار البراءة منهم، يبدو أنه بات يوجه اتهاماته هذه المرة إلى خصومه في تحفيز “حرب عقائدية على تياره”.
ظهر الصدر متحدثاً في مقطع مصور خلال زيارته مرقد والده، 23 مايو (أيار)، قال فيه إن “الحرب السياسية تحولت إلى حرب عقائدية فهذا ديدن الفاسدين والمنشقين”، في حين جدد اتهامه لما سماها “الأيادي الخارجية” بالوقوف خلف تلك الحرب.
وفيما نفى صلته مجدداً بجماعة “أصحاب القضية”، تابع الصدر “إن رضيتم بي قائداً إصلاحياً غير مجتهد ولا معصوم ولا أمام فأهلاً بكم، وإلا فهذا فراق بين وبينكم إلى يوم الدين”.
وبعد أقل من 24 ساعة على ظهوره المصور، قال الصدر في تغريدة على “تويتر”، 24 مايو، “نسأل الله أن يحرر العراق من الفساد والتبعية والرذيلة والتطبيع”.
ولا تعد تلك هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الصدر عن التبعية، إذ استخدمها في عديد من خطاباته السابقة للإشارة غير المباشرة للميليشيات المسلحة الموالية لإيران.
الصدر والخزعلي
يشي تصاعد خطاب الصدر خلال الفترة الماضية باحتمالية أن يصعد بشكل أكبر من لهجته إزاء الميليشيات التي تمكنت من إبعاده عن السلطة العام الماضي، في حين يعتقد مراقبون أنه على رغم تصاعد الخطاب الصدري فإنه لن يجازف بالعودة السريعة وسينتظر حتى تأتي فرصة ملائمة تدفعه إلى الأجواء السياسية من جديد.
تحشيد داخلي
يرجح عديد من المتابعين لحراك التيار الصدري أن العودة هذه المرة لن تكون من بوابة السياسة بشكل مباشر، خصوصاً مع إشارات عدة يرسلها الصدري بعدم عزمه خوض الانتخابات المحلية المقبلة، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن التيار ربما يعود من بوابة أي احتجاجات شعبية مقبلة.
وعلى رغم ذلك، لا يزال الغموض يحيط بتصريحات الصدر، والتي لا رسائل مباشرة فيها للعودة إلى النشاط السياسي أو الاحتجاجي، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن الأخير لا يزال يراقب الأداء الحكومي من دون اتخاذ أي مواقف إزاءها.
يرى أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر أن ما يجري في أجواء التيار الصدري خلال الفترة الماضية يمثل “حراكاً داخلياً لتحشيد مواقف أتباعه مرة أخرى وتذكيرهم بأن الضد النوعي لهم هو الإطار التنسيقي وحلفاء إيران في العراق، قبل الشروع نحو أي تحرك في الأجواء السياسية من جديد”.
وقال ضيف العنبر لـ”اندبندنت عربية” إن كل تلك الخطابات هي “استمرار لهذا الحراك ومحاولة لتأكيد أن الإشكالية لا تزال مستمرة مع قوى الإطار التنسيقي وزعمائه داخل السلطة”.
ولعل الحديث المستمر عن محاولة التيار الصدري ترميم أجوائه الداخلية خلال المرحلة الحالية يمثل “دعاية سياسية يروجها خصوم التيار”، كما يعبر العنبر الذي يشير إلى عدم وجود “أي مؤشرات على تصدع في أجواء التيار الصدري”.
وأضاف أن التيار الصدري لا يزال يتمتع بسيطرة مركزية من قبل الصدر، مستبعداً إمكانية “خروج أي أجنحة داخل التيار من خيمة الصدر لأنها ستخسر كثيراً”.
ولفت إلى أن استراتيجية خصوم الصدر داخل السلطة في المرحلة الحالية تتمثل في “محاولة استقطاب الشخصيات التي تحمل عناوين صدرية داخل مؤسسات الدولة”، مبيناً أنه حتى في حال نجحت تلك الأطراف من تحقيق ذلك لن تتمكن من التأثير في القاعدة الجماهيرية أو القيادات السياسية داخل التيار.
ليس حديثاً مباشراً
في المقابل، يستبعد أستاذ الإعلام والباحث في الشأن السياسي غالب الدعمي أن يكون حديث الصدر الأخير موجهاً بشكل مباشر إلى جهة معينة، مبيناً أنه “لطالما تحدث عن الفساد والفاسدين، وهي سمة ملازمة للنظام العراقي منذ عام 2003”.
وأشار إلى أن “ثمة حرباً عقائدية تشن على التيار الصدري، وهذا ما عبر عنه زعيم التيار خلال أحاديثه الأخيرة”، لافتاً إلى أن ما يجري يمثل “تحركات واضحة لمواجهة أي حراك يحاول تفكيك التيار الصدري”.
ويبدو أن تحركات الصدر الأخيرة “أعادت الحيوية للأجواء الاجتماعية المناصرة للتيار الصدري”، كما يرى الدعمي الذي يبين أن الصدر أرسل من خلال حراكه الأخير رسائل طمأنة لأتباعه بأنه “ليس بعيداً عنهم”.
وأوضح أنه على رغم عدم ابتعاد الصدر عن المشهد العراقي، فإنه “لا يمكن التنبؤ بتوقيت عودته إلى الأجواء مرة أخرى، وما إذا كانت ستحدث من البوابة السياسية أم من خلال المساحات العقائدية والحراك الاجتماعي”.
هدنة موقتة
تتباين آراء المراقبين، فبينما يرى البعض أن الإشارات عامة، يعتقد آخرون أن الصدر يحاول العودة من ذات الباب الذي انتهى منه وهو مواجهة ما يطلق عليها دوماً “الميليشيات الوقحة” في إشارة إلى الموالين لإيران.
ويقول أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي إن صراع الصدر مع حلفاء إيران “لم ينته أبداً”، مبيناً أن ما جرى خلال الفترة الماضية يمثل “هدنة موقتة لا يمكن التنبؤ بتوقيت كسرها”.
ويبدو أن انطواء زعامات التيار الصدري خلال الأشهر الماضية حفز خصومه على شن هجمات لـ”تفكيك المساحة الاجتماعية التي يعتمد عليها”، بحسب الهيتي، الذي يلفت إلى أن هذا الأمر هو ما دفع الصدر إلى “الإسراع للعودة في المساحة الاجتماعية والعقائدية على أقل تقدير”.
ويضيف أن الصمت السياسي الذي تعيشه أجواء التيار “لا يعني نهاية حراكه”، بخاصة أن اعتماد الصدر على المساحة الاجتماعية والعقائدية هو “المحرك الرئيس لأي حراك سياسي”.
ويعتقد الهيتي أن الصدر “لن يجازف بالعودة السريعة من نافذة السياسة، وما يحاول فعله خلال الفترة الحالية هو ترميم المساحات الاجتماعية للتيار قبل الشروع نحو أي خطوات ذات طابع سياسي”.
ولعل الأجدى بالنسبة إلى الصدر خلال الأشهر المقبلة، على حد تعبير الهيتي، هو “التحضير لمؤتمر وطني يكون زعيم التيار جزءاً منه يشمل كل القوى المعارضة للسلطة في البلاد”، مشيراً إلى أن “مشروع التيار لا يمكن أن يخرج من إطار النقمة الجماهيرية للعراقيين، وهو ما على الصدر إدراكه”.
اندبندت عربي