الخرطوم- كشفت دعوة وزارة الدفاع السودانية المتقاعدين للالتحاق بأقرب قاعدة عسكرية للتجنيد حالة من الإرباك داخل الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان في ظل تقارير عن فرار ضباط بارزين وشكوك متزايدة لدى قيادة الجيش في ولاء الذين مازالوا معها.
وتشير تقارير سودانية إلى تسرب للضباط وخاصة من كبار المراتب ولحاق بعضهم بقوات الدعم السريع مع ما يمتلكونه من معطيات عن خطط المؤسسة العسكرية وتحركاتها ومخازنها وقدراتها الدفاعية. كما تشير إلى تململ داخلي لدى الجنود والقيادات الصغرى من الاستمرار في حرب مكلفة، وهو ما دفع قيادة الجيش إلى التفكير في الاستعانة بالمتقاعدين.
وحذر مراقبون مما جاء في بيان الجيش من دعوة إلى التحاق أيّ مدني قادر على حمل السلاح بأقرب قاعدة عسكرية للتجنيد، معتبرين أن هذه الدعوة قد تمهد لحرب أهلية واسعة من خلال تسليح المدنيين وتشكيل ميليشيات جديدة تزيد من معاناة السودانيين.
وقال الجيش في بيان بعد ظهر الجمعة “إننا نهيب بكل المحالين إلى التقاعد في القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وكل القادرين على حمل السلاح بالتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأمينا لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم“.
وأكد البيان أن الحرب التي يخوضها الجيش “هي حرب مدن لا حدود زمنية لها“.
ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن هذه الدعوة تؤكد أن قيادة الجيش تتهرب من استحقاقات الهدنة الجديدة التي تمت برعاية سعودية – أميركية، وأنها تتجهز للتصعيد الشامل في الخرطوم وخارجها، معتبرين أن الإشارة إلى حرب المدن تظهر الرغبة في توسيع مدى المعركة في المكان والزمان.
ويشير هؤلاء إلى أن الجيش يشعر بأن الوضع الميداني ينفلت من بين يديه مع نجاح قوات الدعم السريع في توسيع دائرة حضورها خاصة في العاصمة الخرطوم.
وقال المحلل السياسي السوداني محمد حسن فضل الله إن قوات الدعم السريع تستخدم نمط القتال المتحرك (كرّ وفرّ)، بينما يتبع الجيش النمط الثابت الذي يعتمد على حفر الخنادق.
وكشف فضل الله، في تصريح لوكالة الأناضول، أن نحو 60 ألف عنصر من قوات الدعم السريع منتشرون منذ أسابيع في العاصمة الخرطوم مقابل 30 إلى 40 ألفا من أفراد الجيش الذين “امتصوا الصدمة” بعد دخول سلاح المدرعات والطيران.
الجيش يشعر بأن الوضع الميداني ينفلت من بين يديه مع نجاح قوات الدعم السريع في توسيع دائرة حضورها في الخرطوم
وأشار فضل الله إلى أن قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) استعدت للمعركة استعدادا جيّدا ومنذ مدة، وكانت الساعات الأولى للهجوم على الخرطوم مفاجأة للجيش.
وتابع “ثم سيطرت على رئاسة جهاز المخابرات، واقتحمت دار الضيافة (مقر قائد الجيش) واشتبكت مع الحرس الرئاسي، وكادت تقبض على عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش، وقتلت 35 عنصرا من الحرس الرئاسي“.
ووضعت قوات الدعم السريع يدها على أهم الجسور من ذلك جسر المنشية (شرق المطار) من الضفتين، وتسيطر على الضفة الشمالية من جسر القوات المسلحة (كوبر) الرابط بين مدينتي الخرطوم وخرطوم بحري على النيل الأزرق. كما تسيطر على جسر الملك نمر (الإستراتيجي) الرابط بين الخرطوم وخرطوم بحري على نهر النيل الأزرق.
وفي ظل تمكن قوات الدعم السريع من المفاصل الرئيسية للعاصمة، يجد البرهان أن القبول بأيّ هدنة يعني التسليم بالأمر الواقع والقبول بسيطرة القوات ما يجعلها طرفا أقوى في التفاوض، ويمكن في أيّ تصعيد لاحق أن تسيطر بسرعة على مقرات الجيش.
ومنذ الدقائق الأولى للهدنة التي جاءت بعد خمسة أسابيع من اندلاع الحرب، أفاد سكان في الخرطوم بوقوع ضربات جوية وقصف بالمدفعية.
وقال شهود إن “معارك بكل أنواع الأسلحة” وقعت الجمعة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
والوضع حرج خصوصا في دارفور المنطقة الغربية الواقعة على الحدود مع تشاد، والتي سبق أن شهدت حربا دامية خلال بداية الألفية الثالثة.
وكان أعنف يوم على الأرجح الأربعاء عندما أعلنت قوات الدعم السريع إسقاط طائرة للجيش الذي رد بضرب مدرعات.
وقال الوسطاء السعوديون والأميركيون في بيان الجمعة إن ذلك اليوم شهد “انتهاكات جسيمة” لوقف إطلاق النار من قبل الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو.
وحذرت واشنطن من أنها ستفرض عقوبات على من يخرق الهدنة لكن لا يعرف مدى جدية التلويح الأميركي.
وينص الاتفاق على “آلية للمراقبة” لكن حتى الآن لم يتم الإعلان عن اتخاذ أيّ إجراء بحق أحد الطرفين.
وأكد الوسطاء أنهم حذروا الطرفين الخميس “من المزيد من الانتهاكات وناشدوهما تحسين احترام اتفاقية وقف إطلاق النار والالتزام بالشروط التي اتفقا عليها“.
وفي ظل هذا الوضع المتوتر، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها تمكنت من بدء “توزيع مواد تخدير ومضادات حيوية وأدوية وضمادات وأمصال لمعالجة المئات من المصابين بالسلاح” في “سبعة مستشفيات في الخرطوم“.
وأقر هؤلاء الوسطاء بأن “فرقا للصيانة تمكنت من إجراء اصلاحات لاستعادة خدمات الاتصالات في الخرطوم وأماكن أخرى من السودان”.
غير أن هذا التحسن ضئيل مقارنة بالنقص في تلبية الاحتياجات. فمنذ أكثر من أربعين يوما تعاني أحياء كاملة في الخرطوم، العاصمة التي يقطنها خمسة ملايين سوداني، من انقطاع المياه والكهرباء وتَعطُّل شبكات الاتصالات.
العرب