قدم رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني سردا بقائمة المظالم التي يتعرض لها الإقليم من جانب بغداد، مشيرا إلى وجود مشاعر عداء يجري بثها ضد الإقليم ومحاولات لانتهاك حقوقه الدستورية.
وفي حين يتركز الجانب الأهم من هذه “المظالم” على الموازنة التي تم إقرارها مؤخرا بدعم من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني ومعارضة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، اعتبر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن الانقسامات الكردية الداخلية ساعدت الفصائل الشيعية والسنية على إضعاف الاستقلال المالي في إقليم كردستان، وأن الأكراد هم أسوأ عدو لأنفسهم.
وأشار بارزاني، في كلمة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية، إلى شركائه على امتداد العقدين الماضيين بالقول إن “هؤلاء يريدون بهذا الأسلوب إخفاء سوء إدارتهم وفسادهم وإهدارهم للثروة العامة ولا بد من التأكيد على أن الالتزام بالدستور العراقي يمثل الضمانة الوحيدة للاستقرار وحماية حقوق جميع المكونات العراقية”.
وقال إن “مشكلتنا لا تقتصر على قضية الرواتب والمسائل المالية، فهم الآن تجاهلوا وانتهكوا معظم حقوقنا الدستورية، وأحد الأمثلة الواضحة على ذلك هو التهديد المستمر الذي يتعرض له المزارعون الكرد والتركمان في كركوك وضواحيها، حيث يتم الاستيلاء على أراضيهم الزراعية. يريدون ربط جميع حقوقنا بالمسألة المالية والرواتب، ومن ثم استغلال هذا الموضوع ضدنا”.
◙ بارزاني الأب اعبتر تمرير الموازنة محاولة غير مسؤولة وغير دستورية تهدف إلى تعميق المشاكل وانتهاك الحقوق المشروعة للشعب الكردستاني
وكان إقرار الموازنة للسنوات الثلاث المقبلة مصدر نزاع داخلي في الإقليم من جهة، وبين زعامة الإقليم وبغداد من جهة أخرى. واعتبرها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني “محاولات لتقويض كيان الإقليم الدستوري والمالي”.
وقضى قانون الموازنة الذي تم إقراره الاثنين الماضي بدعم الاتحاد الوطني ومعارضة الديمقراطي الكردستاني، في النقطة الثامنة من المادة الـ14، بأن الحكومة الاتحادية تستطيع استقطاع المستحقات المالية لأي محافظة من محافظات الإقليم وتمويلها بشكل مباشر، في حال لم تقم حكومة كردستان بصرف المستحقات المالية للمحافظات. وهو ما اعتبره الديمقراطي الكردستاني “محاولة لاستهداف كيان الإقليم وتجاوزا لصلاحياته الدستورية”.
كما تنص المادة 14 على إيداع كل أموال نفط الإقليم المصدر والمباع محليا في حساب خاص تفتحه وزارة المالية لدى البنك المركزي العراقي دون أي استقطاع، مع إغلاق الحسابات الأخرى المماثلة.
ووفقا للمادة نفسها تتولى وزارة المالية تمويل مستحقات الإقليم بموجب أحكام قانون الموازنة، وتودع في حساب لحكومة كردستان معتمد من قبل البنك المركزي، كي يتسنى لرئيس حكومة الإقليم التصرف في الأموال، تحت إشراف ديوان الرقابة المالية والحكومة الاتحادية.
واعتبر بارزاني الأب تمرير الموازنة “محاولة غير مسؤولة وغير دستورية تهدف إلى تعميق المشاكل وانتهاك الحقوق المشروعة للشعب الكردستاني، وتسعى للتجاوز وتقويض كيان إقليم كردستان”.
ويقول مراقبون إن إدارة العلاقات داخل الإقليم مسؤولية تقع على عاتق بارزاني، وإن تحالف حزبه طويل الأمد مع أحزاب الفساد في بغداد قام في الأساس على رهانات ترتكز على فكرة أن شيوع الفساد والإحباط في باقي العراق يوفر قاعدة لازدهار كردستان ويعزز فرص انفصالها.
◙ الانقسامات الكردية الداخلية ساعدت الفصائل الشيعية والسنية على إضعاف الاستقلال المالي في إقليم كردستان
ويقول معهد واشنطن إن أجواء الصراع بين حزبي الائتلاف الحاكم في أربيل هي التي منحت الغلبة للأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد، مما أضعف الاستقلال المالي للإقليم، “وقد أدى ذلك فعليًا إلى إخضاع حكومة إقليم كردستان للسلطة الفيدرالية، والدخول في حقبة جديدة من العلاقات بين أربيل وبغداد”.
ويقول المعهد في تقرير صدر حديثا “إن الجهود التي بذلها الدبلوماسيون الغربيون، من بينهم مساعِدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربارا أ. ليف، والتي هدفت إلى تشجيع الحزبين على استعادة العلاقة الوظيفية، لم تؤد إلا إلى التهدئة المؤقتة؛ فبمجرّد تَوَقُّف التوجيه الغربي ينشأ بين الحزبين خلاف أشد حدة بكثير بعد عقد كل صفقة. ويكشف هذا الواقع عن حقيقة قاسية، هي أن السلام الكردي الداخلي يعتمد على التوبيخ الأجنبي الحازم والمستمر”.
ويشير التقرير إلى أن “مؤسسات حكومة إقليم كردستان فقدت شرعيتها ليس فقط في نظر الناس، وإنما أيضًا من المنظور القانوني، خاصة بعد أن قضت المحكمة العراقية العليا بأن تمديد ولاية البرلمان في إقليم كردستان غير دستوري. ومن ثم يحتاج إقليم كردستان الآن إلى إجراء الانتخابات لاستعادة شرعيته العامة والقانونية، وهو ما من شأنه أن يساعد على إعادة ضبط جميع التوترات والصراعات السياسية بين الأحزاب السياسية الكردية”.
ويقول مراقبون ومسؤولون أكراد من كلا جانبي الأزمة، إن هناك سلسلة مترابطة من الأخطاء السياسية والإدارية التي ارتكبتها سلطة بارزاني، وهي التي قادت إلى هذه النتيجة، وإن إلقاء اللوم على الآخرين لا يساعد على تداركها، لاسيما وأن دائرة صنع القرار باتت ضيقة إلى درجة لم تعد تتسع حتى لسماع الانتقادات الداخلية.