ثنائيات بوتين: ذعر في موسكو ومجازر في إدلب

ثنائيات بوتين: ذعر في موسكو ومجازر في إدلب

شنّ الطيران الحربي الروسي سلسلة غارات على مناطق في شمال غربي سوريا، أسفرت عن مقتل 13 مواطناً بينهم أطفال، بالنظر إلى أن القصف استهدف سوقاً للخضار والفواكه في مدينة جسر الشغور وأحياء سكنية ومسجداً شرق مدينة إدلب، وأن هذه الفترة تشهد اكتظاظاً في حركة السكان المدنيين بقصد التبضع استعداداً لعيد الأضحى. ونشرت منظمة «الخوذ البيضاء» صوراً مروعة لمشاهد القصف وعمليات الإسعاف والإنقاذ، واعتبر الدفاع المدني السوري أن الغارات ترقى إلى مستوى المجزرة وجريمة الحرب، وأنها الأعنف والأشد وحشية لهذا العام.
والقصف الروسي الأخير لا يخرج عن منهج اعتمدته القوات الروسية منذ تدخلها العسكري المباشر في خريف 2015 لصالح نظام بشار الأسد، وأن معدلات شدّته بقيت مرتهنة بسياقات سياسية وأمنية ذات صلة بأوضاع الشمال السوري عموماً، ومناورات موسكو مع أنقرة وما يتحرك أو يركد في مفاوضات سوشي أو استانا، فضلاً عن ولاءات ما تبقى للنظام السوري من مجموعات عسكرية ترتبط في قليل أو كثير مع إيران أو روسيا أو الميليشيات المذهبية المختلفة.
لكن توقيت الغارات الأخيرة يصعب أن ينفصل عن التأزم الذي واجهه الكرملين في أعقاب تمرد مرتزقة «فاغنر» وزحفها نحو موسكو، وحالة الذعر غير المسبوقة التي عصفت بسائر روسيا وتجلت في تفعيل قانون مكافحة الإرهاب ورفع سنّ التعاقد مع وزارة الدفاع إلى 70 سنة والسماح بتجنيد السجناء في الخدمة العسكرية. الصلات الأولى، بين الإغارة على مناطق في إدلب السورية وبين الاضطراب الذي خيم على مدينة روستوف والعاصمة موسكو ذاتها، لا تخفى من حيث القاعدة الحربية العتيقة التي تلحّ على رفع معنويات الجيوش أينما توفّر ذلك وكيفما كانت الوسائل.
ليست خافية أيضاً منهجية الكرملين في تحويل قصف أسواق الخضار والمستوصفات والمدارس والمساجد والمخيمات إلى وسيلة ضغط متعددة الأبعاد تستهدف إبقاء السكان المدنيين في حال دائمة من الخوف وانعدام الاستقرار ودفعهم إلى النزوح من جهة أولى، والمقايضة مع تركيا في ملفات متعددة بينها تسريع المصالحة مع النظام السوري واختراق التفاهمات التركية مع القوات الأمريكية شرق الفرات من جهة ثانية. هذا عدا عن مسعى روسي دائم لاستعادة السيطرة على الطريق الدولي M4 الذي يربط بين حلب واللاذقية، والطريق الدولي الثاني M5 الواصل بين حلب وحماة ودمشق.
ورغم حرص الكرملين على إشاعة مبدأ الفصل بين التدخل في سوريا واجتياح أوكرانيا، فإن الكثير من المعطيات تعاقبت على نحو يكرس ذلك الارتباط وعلى مستويات عالية الدلالة، بين أوضحها نقل الجنرال سوروفيكين من قيادة القوات الروسية في سوريا إلى رئاسة أركان الجيش الروسي في دونباس جنوب شرقي أوكرانيا، وتجنيد مئات من المرتزقة السوريين للقتال في أوكرانيا، إضافة إلى انتشار «فاغنر» في مناطق مختلفة داخل سوريا حيث لا يقتصر عديدهم على الروس فقط بل ينخرط معهم مرتزقة سوريون أيضاً.
وبين الذعر في موسكو والمجازر الوحشية في إدلب، لن يكون غريباً أن يُكتب أحد فصول تمرّد يفغيني بريغوجين في سوريا.

القدس العربي