تمرد فاغنر لا ينهي دورها كذراع لموسكو في الخارج

تمرد فاغنر لا ينهي دورها كذراع لموسكو في الخارج

جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف متسقة مع تحليلات لخبراء استبعدوا إمكانية تخلي روسيا في المدى القريب عن فاغنر، التي توصف بذراعها في الخارج، نظرا إلى حجم المصالح التي توفرها لها المجموعة العسكرية.

لندن – تعتبر مجموعة فاغنر المسلّحة منذ سنوات الذراع العسكرية لموسكو في الخارج، خصوصا في سوريا وعدّة دول أفريقية. وأثار التمرد الذي قاده رئيسها التساؤلات حول مستقبل وجودها في عدد من الدول، وهو ما رد عليه وزير الخارجية سيرغي لافروف عندما أكد أن فاغنر ستستمر في مالي وأفريقيا الوسطى.

وأكد لافروف الاثنين أن مجموعة فاغنر ستواصل عملياتها في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وشدّد على أن تمرّد قائدها يفغيني بريغوجين لن يؤثر على علاقات موسكو بحلفائها.

وقال لافروف في مقابلة أجرتها معه قناة “آر.تي” الروسية إن أفراد فاغنر “يعملون هناك بصفة مدربين. بالطبع سيتواصل هذا العمل”.

واعتبر لافروف أن أوروبا وفرنسا “بتخلّيهما عن جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي” دفعتا بهذين البلدين إلى الانفتاح على روسيا ومجموعة فاغنر للحصول منها على مدربين عسكريين و”ضمان أمن قادتهما”.

وسعت مالي وأفريقيا الوسطى إلى توثيق العلاقات مع روسيا والحصول على دعم عسكري لقتال المتشددين، وقالتا في السابق إن اتفاقيات التعاون العسكري الخاصة بهما كانت مع روسيا وليس مع فاغنر.

وقال بصيرو دومبيا، وهو محلل سياسي في مالي، “وجود فاغنر في مالي يرعاه الكرملين وإذا كانت فاغنر على خلاف مع الكرملين… فإن مالي ستعاني بطبيعة الحال من تبعات ذلك على الجبهة الأمنية”.

فاغنر تعتمد بشكل كبير على وزارة الدفاع الروسية التي تسلّمها القوات والمعدّات والأسلحة إلى مسارح نشاطاتها

واستولى عسكريون في مالي على السلطة في انقلابين في 2020 و2021، وتخوض الدولة قتالا ضد متشددين إسلاميين منذ سنوات.

لكن التحالف بين مالي وروسيا تسبب في توتر العلاقات مع الأمم المتحدة وأدى إلى استعداء قوى غربية تقول إن المقاتلين هناك ينتمون إلى فاغنر، وإن من المحتمل أنهم ارتكبوا جرائم حرب بمشاركة قوات من مالي.

ونفت حكومة مالي وروسيا هذه المزاعم.

وقد يشكل استمرار وجود فاغنر في مالي مشكلة بالنسبة لعلاقات باماكو مع موسكو، التي تعهدت العام الماضي بإرسال شحنات من الوقود والأسمدة والمواد الغذائية إلى مالي بقيمة تبلغ حوالي 100 مليون دولار.

وقال إيفان جيشاوا، المحاضر في جامعة بروكسل للدراسات الدولية، “العواقب المحددة بالنسبة لمالي تعتمد في الواقع على عوامل غير معروفة إلى حد كبير مثل الاستقلالية التنظيمية لفاغنر وتسلسل قيادتها، وبالطبع ما إذا كانت الأمور تتصاعد أم لا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفاغنر”.

وأضاف أنه لم ترد أنباء عن تحركات مفاجئة للقوات في مالي حتى صباح السبت.

ويقوم المئات من الأفراد من روسيا، ومن بينهم العديد من مقاتلي مجموعة فاغنر، بمساعدة الحكومة في محاربة العديد من الحركات المتمردة منذ عام 2018.

استمرار وجود فاغنر في مالي قد يشكل مشكلة بالنسبة لعلاقات باماكو مع موسكو، التي تعهدت العام الماضي بإرسال شحنات من الوقود والأسمدة والمواد الغذائية إلى مالي

وتزايد ارتباط جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي بروسيا في السنوات الأخيرة، إذ سعى الكرملين لكسب نفوذ أكبر في دول أفريقيا الناطقة بالفرنسية، مما أثار استياء فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي تواجه احتجاجات مناهضة لها في المنطقة وسط تدهور علاقاتها مع العديد من حكومات غرب أفريقيا.

وفي فبراير وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نشر قوات مجموعة فاغنر في أفريقيا بأنه “تأمين على الحياة للأنظمة الفاشلة في أفريقيا”، وسيؤدي فحسب إلى نشر البؤس.

واتهمت الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي المجموعة العسكرية الخاصة باستغلال الموارد الطبيعية في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وأماكن أخرى لتمويل القتال في أوكرانيا، وهي تهمة رفضتها روسيا في ذلك الوقت.

ووفقا لما ورد في وثائق أميركية مسربة، فقد رسخت المجموعة علاقات قوية مع العديد من الحكومات الأفريقية على مدى العقد الماضي، من خلال عمليات في ثماني دول أفريقية على الأقل، منها مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا.

ولم يشر لافروف إلى بقية الدول التي تتواجد فيها عناصر فاغنر مثل ليبيا سوريا.

وفي حين تبدو تصريحات لافروف قد بددت الغموض بشأن مستقبل علاقة الدولة بفاغنر، إلا أن البعض يعتبرون أن الموضوع معقد ومن الصعب أن يتضح في الوقت الحالي، معتبرين أن الأمر يحتاج إلى تفاهمات بين بوتين وبريغوجين.

وبناء على الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في نهاية التمرّد الذي أوصله على بعد أقل من 400 كيلومتر من موسكو قبل أن يتراجع، سيكون على يفغيني بريغوجين الذهاب إلى المنفى في بيلاروس حليفة موسكو، وإعادة صياغة علاقاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال الخبير الأميركي مايكل شوركين، مدير البرامج في الشركة الاستشارية نورث ستراتيجيز 14، “إنّه لغز. يعتمد الأمر على الطريقة التي تريد بها السلطات الروسية أن تفصل بين ما يحدث في أفريقيا وما يحدث في أماكن أخرى”.

وأضاف أنّ “موسكو يمكن أن تعتبر أنّ ما تفعله فاغنر في أفريقيا، يستحق المتابعة لأنّه يخدم المصالح الروسية”.

وتابع “هناك أمر واحد واضح: كان على بريغوجين وبوتين إثارة الموضوع قبل الاتفاق، لأنّ فاغنر تعتمد بشكل كبير على وزارة الدفاع الروسية التي تسلّمها القوات والمعدّات والأسلحة إلى مسارح نشاطاتها. كما أنّ موسكو تحتاج إلى فاغنر للحفاظ على السيطرة في هذه المناطق المضطربة، حيث تعمل على تقليص النفوذ الغربي”.

في سوريا، يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إنّ مرتزقة فاغنر – وهم من الروس ومن محاربي الاتحاد السوفياتي السابقين ومن السوريين – تصرّفوا مثل “قوات خاصّة” في الميدان إلى جانب الجيش الروسي ابتداء من العام 2015. كما أنّهم موجودون اليوم بأعداد أقل قرب آبار النفط، وكذلك في محافظتي حماة واللاذقية.

في أفريقيا، تمّ تحديد وجودهم في ليبيا والسودان وموزمبيق خصوصا. ويقول مصدر عسكري أوروبي إنّ المجموعة تحضر “الذهب والمعادن من وسط أفريقيا ومن مالي، وهو ما يحتاج إليه بوتين للحفاظ على اقتصاده”.

وفي فبراير، اتهم الخبير المستقل للأمم المتحدة بشأن وضع حقوق الإنسان في وسط أفريقيا ياو أغبيتسي، الجيش وحلفاءه الروس بارتكاب انتهاكات، ثمّ أعلن الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضدّ فاغنر.

والجمعة، اتهم ماكرون روسيا بأنّها “قوة لزعزعة استقرار أفريقيا عبر ميليشيات خاصّة تنكّل بالمدنيين”.

يعتمد ما سيحدث لاحقا على المفاوضات بين بوتين وبريغوجين برعاية الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

ويقول ماكسيم أودينيه، من معهد الأبحاث الإستراتيجية في المدرسة العسكرية في باريس، “أتخيّل أنّ في المناقشات، تمّ طرح مسألة مستقبل كلّ نشاطاتها الخارجية على الطاولة. أصبحت شبكة بريغوجين اللاعب المهيمن في إطار الحضور الروسي في أفريقيا جنوب الصحراء في السنوات الأخيرة. ستواجه علاقة التوازن الهشّة بين الجهات الفاعلة الروسية الحكومية وغير الحكومية في القارة اضطرابات كبيرة”.

وتقول بولين باكس، نائبة مدير برنامج أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، إنّ “فاغنر كانت تتمتّع بقدر معيّن من الحرية في مشاريعها في أفريقيا”، مضيفة “من دون التعاون مع وزارة الدفاع، لا أرى كيف يمكن للمجموعة مواصلة العمل هناك”.

ولكنّها تشير إلى أنّ بوتين “لا يمكنه إرسال جنود روس مكان فاغنر. لا أتخيّل انسحابه الفوري من القارّة”.

العرب