بدأت الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، بتطبيق إجراءات الاتفاقية المُبرمة أخيراً مع إيران بشأن «مقايضة» النفط العراقي الخام والأسود، بـ«الغاز الإيراني» وسط تأييد سياسي شيعي، في إجراء حكومي سريع لتدارك أزمة تجهيز الطاقة الكهربائية التي تشهد تدهوراً ملحوظاً في أغلب مناطق البلاد منذ عدّة أيام، جراء «الانقطاع المفاجئ» للغاز المستورد من إيران.
وطبقاً لبيان أروده مكتب رئيس الوزراء، فإنه «جرى في بغداد، توقيع اتفاق بين جمهورية العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية، تتم بموجبه مقايضة الغاز الإيراني المستورد والمشغّل لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية، بالنفط الخام العراقي والنفط الأسود».
ووقع الاتفاق عن الجانب العراقي، مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء، إحسان ياسين العوادي، في حين وقعه عن الجانب الإيراني، سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بغداد، محمد كاظم آل صادق، وجرى التوصل إلى الاتفاق «بعد مفاوضات استمرت أياماً عدة، شاركت فيها وفود ولجان فنية وتقنية من الجانبين».
وطبقاً للبيان «هذا الاتفاق يأتي في إطار الجهد الحكومي لمعالجة أزمة توريد الغاز المشغّل لمحطات الكهرباء، وتفادي مشكلات التمويل وتعقيدات العقوبات الأمريكية التي حالت دون استمرارية تسديد متطلبات الاستيرادات، وسيُسهم الاتفاق في توفير مرونة أكثر لعملية توريد الغاز وتشغيل المحطات واستقرار إنتاج الطاقة الكهربائية».
وقرر مجلس الوزراء الاتحادي في جلسته المُنعقدة مساء أول أمس، بيع وزارة النفط كميات من النفط الخام والنفط الأسود إلى إيران، بما يعادل قيمة مبلغ تجهيز الغاز وشراء الطاقة الكهربائية المودعة في حساب الشركات الإيرانية في المصرف العراقي للتجارة.
كما تضمن القرار، مقايضة وزارة النفط، كمية من النفط الخام والنفط الأسود بالغاز المستورد من إيران، بموجب التخصيصات المبينة في قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية (2023، 2024، و2025) للغرض المذكور، على أن تأخذ وزارتا (النفط والمالية) ما يقتضي لإجراء التسويات القيدية بالتنسيق بينها وبين ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
كما خول القرار، شركة تسويق النفط (سومو) صلاحية وضع الآلية التسويقية والعقدية، لتنفيذ ما ذكر آنفاً، وتوقيع العقود مع الشركات التي يرشحها الجانب الإيراني، استثناءً من الضوابط والتعليمات المعتمدة لدى شركة تسويق النفط (سومو).
وذكرت دائرة شؤون مجلس الوزراء واللجان في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، أن القرار جاء بناءً على ما عرضته وزارة النفط، خلال جلسة مجلس الوزراء الاعتيادية.
وذكر السوداني، أن العراق «وقّع اتفاقاً مع إيران يقايض بموجبه نفطه الخام بالغاز الإيراني» وذلك لإنهاء مشكلة متكررة تتعلق بتأخُّر المدفوعات لطهران، بسبب ضرورة الحصول على الموافقة الأمريكية لحدوث ذلك.
وأشار في كلمة متلفزة إلى أن إيران «خفضت صادراتها من الغاز إلى العراق بأكثر من 50٪، اعتباراً من الأول من يوليو/تموز 2023، بعد عدم تمكن بغداد من الحصول على موافقة الولايات المتحدة على صرف الأموال المستحقة عليها، قبل أن توافق طهران على استئناف صادرات الغاز مقابل النفط الخام العراقي».
وأوضح أن «الاتفاق جرى التوصل إليه خلال محادثات مع وفد إيراني موجود في بغداد منذ يوم السبت الماضي».
يأتي هذا فيما يستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران، وهما يشكلان إجمالاً ما بين نحو 33 و40٪ من إمدادات البلاد من الطاقة، ولا سيما في أشهر الصيف الحارقة، عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته، ويواجه العراق مشكلة في دفع ثمن هذه الواردات.
في السياق ذاته، قال السوداني إن العراق «مدين لإيران بنحو 11 مليار يورو، ولكنه يواجه صعوبة في سداد هذه الديون بسبب العقوبات الأمريكية، التي لا تسمح لإيران سوى بالحصول على أموال لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات، مثل الغذاء والدواء».
في هذا الصدد قال فرهاد علاء الدين، مستشار العلاقات الخارجية لرئيس مجلس الوزراء العراقي في تصريح لوكالة «رويترز» إنه «حتى تلك الإجراءات معقدة وتسهم في تأخير سداد المدفوعات على نحو لا نرغب فيه، وبالتالي، لا تُدفع الأموال للإيرانيين».
ولفت السوداني إلى أن، بمقايضة النفط الخام العراقي بالغاز الإيراني «سيتجنب العراق الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي، التي أصبحت هي القاعدة في الصيف» وذلك في الوقت الذي تسعى فيه البلاد لاستكمال مشروعات استخراج الغاز التي من شأنها أن تحقق اكتفاءً ذاتياً لها.
اعتبر السوداني أيضاً أنه «لا يمكن للحكومة خلال السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة أن تأتي إلى المواطنين كل صيف وتقول لهم: أوقفت (إيران) الغاز، بدأت الغاز».
مستشار السوداني يتحدث عن معادلة جديدة لتفادي انقطاع الكهرباء
في موازاة ذلك، رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على اتفاق المقايضة بين العراق وإيران، ولم تتطرق إلى ما إذا كان مثل هذا الترتيب قد ينتهك العقوبات الأمريكية أم لا.
وقالت: «لم يطرأ أي تغيير على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران أو العراق، فإدارة جو بايدن تواصل تنفيذ جميع العقوبات الأمريكية على إيران» مضيفاً أن واشنطن «تدعم بقوة مسار العراق نحو تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة».
أما هنري روما، المحلل في معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» فقال إن «اتفاق المقايضة من غير المرجح أن يمنع إيران من مواصلة السعي للحصول على أموالها لدى العراق».
وأضاف: «لست مقتنعاً أن ترتيب المقايضة المحض مثلما وصفه السوداني مُرضٍ لإيران؛ نظراً لحاجتها إلى العملة الصعبة، وحتى لو وجد هذا الترتيب طريقه إلى التنفيذ فمن المحتمل ألا يمنع إيران من السعي للحصول على مليارات الدولارات، التي لا تزال محتجزة في الحسابات العراقية».
معادلة جديدة
وكشف ضياء الناصري، مستشار السوداني، عما وصفها «معادلة عراقية جديدة» في تعليقه على الاتفاق الأخير بين العراق وإيران.
وقال في «تغريدة» على «تويتر»: «المعادلة العراقية الجديدة هي النفط العراقي مقابل الغاز الإيراني». وأضاف: «الاتفاق سيشمل تسديد الديون الإيرانية بذمة العراق أيضا» مشدداً بالقول: «باختصار هذه هي خطة رئيس الوزراء لتفادي انقطاع الكهرباء وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الأزمة».
وطبقاً لوزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين فإن بلاده تعتمد على «استيراد الغاز من إيران لإنتاج 43٪ من الكهرباء. مناطق خانقين وديالى تعتمد على الغاز الإيراني بشكل كامل لإنتاج الكهرباء، كما تعتمد 3 محطات إنتاج كهرباء عراقية هامة أخرى على الغاز الإيراني، وذلك يعني أن 43٪ من الكهرباء العراقي يستورد من إيران، وفي حال أوقفت تصدير الغاز، تنخفض ساعات التجهيز في العراق نحو 8 ـ 9 ساعات» حسب موقع «رووداو».
وزاد: «عندما قررنا أن نعتمد على غازنا وأن نستثمر في هذا القطاع، تقدمت شركة توتال إنيرجي للعمل، وبدأت المفاوضات في عهد حكومة مصطفى الكاظمي، لكن مشاكل شابتها. الآن تم حل تلك المشاكل، وستبدأ شركة العمل في مجال إنتاج الغاز، سواء المصاحب أو من الحقول الغازية».
وعلى الصعيد السياسي، لاقى الإجراء الحكومي ترحيباً لدى سياسيين ينتمون «للإطار التنسيقي» الشيعي، أبرز أقطاب ائتلاف «إدارة الدولة» الحاكم.
قفزة نوعية
وأكد النائب عن «الإطار» محمد سعدون الصيهود، أن اتفاق السوداني على تزويد الجانب الإيراني بالنفط الأسود مقابل الغاز السائل «يشكل قفزة نوعية في حل مشكلة الكهرباء في العراق».
وأوضح في بيان صحافي أمس، إن «الاتفاق يعد أحد أهم خطوات الحكومة في تجاوز الأزمات وايجاد الحلول وتفويت الفرصة على من يريد أن يحرج الحكومة أمام الشعب، ولدى حكومة السوداني خطط وبرامج لحل مشكلة الكهرباء والخدمات بشكل نهائي».
وأضاف أن «الاتفاق سيسهم في عودة الأموال من مصرف التجارة (تي بي أي) إلى خزينة الدولة، وبالمقابل سوف يزود العراق الجانب الإيراني بالنفط الأسود مقابل الغاز وبنفس السعر» مبينا أن «ملف الخدمات من أولويات البرنامج الحكومي الذي تعمل الحكومة على إنجازه للعبور بالبلد إلى بر الأمان».
«الخطوة الحكيمة»
كذلك، ثمن همام حمودي رئيس «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» ما اعتبرها «الخطوة الحكيمة الشجاعة» التي اتخذها رئيس الوزراء.
ورأى في بيان صحافي أمس، أن «هذه الخطوة جاءت لتضع بذلك حدا لمشكلة مستعصية ظلت تؤرق شعبنا لسنوات طويلة وتحمله معاناة كبيرة وتعطل نشاطه الاقتصادي، الأمر الذي من شأنه حفظ المال العراقي، وتحريره من قيود الدولار الأمريكي والإملاءات الخارجية».
وأشار إلى أن «إزاء هذه الإرادة الوطنية، نأمل من الحكومة تعزيز مشاريع الغاز التي أعلن عنها رئيس الوزراء بتوجه يشجع التحول إلى الطاقة البديلة، وتضمين الرخص الاستثمارية للمجمعات العمرانية لتركيب خلايا طاقة شمسية، وحث البنوك على دعم المواطنين بقروض ميسرة ضمن هذا التوجه».
القدس العربي