اجتياح جنين كشف عن ضعف السلطة الوطنية وكان امتحانا لقواها الأمنية

اجتياح جنين كشف عن ضعف السلطة الوطنية وكان امتحانا لقواها الأمنية

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا لمراسلتها شيرا روبن قالت فيه إن السلطة الوطنية الفلسطينية التي كانت تسير نحو الانهيار وجدت نفسها أمام امتحان جنين. وقالت إن محافظ جنين، أكرم الرجوب، كان في وقت دخول مئات الجنود مخيم جنين الأسبوع الماضي، يقضي إجازة، لكنه عاد سريعا في اليوم التالي وجمع فريقه المكون من 60 قائدا للأجهزة الأمنية قائلا “ابقوا في مكاتبكم ولا تشتبكوا مع القوات الإسرائيلية”.

محافظ جنين للأجهزة الأمنية: “ابقوا في مكاتبكم ولا تشتبكوا مع القوات الإسرائيلية”. خوفا من أن تؤدي مواجهة بين رجاله والجنود الإسرائيليين إلى تحول السلطة إلى هدف.

وبحسب الكاتبة، فقد خاف من أن تؤدي مواجهة بين رجاله والجنود الإسرائيليين لتحول السلطة إلى هدف، وبالتالي تراجع تأثيرها في مخيم جنين الذي خرج عن السيطرة منذ عدة سنوات، وسيطر عليه تجار المخدرات وتجار السلاح وفي الفترة الأخيرة مجموعات حملت السلاح ضد إسرائيل.

وقال الرجوب “تريد إسرائيل انهيار السلطة”، وتحدث إلى الصحيفة حيث يقيم في رام الله التي تبعد 60 ميلا عن المدينة التي يديرها، وهو مقياس آخر عن البعد الذي انفتح بين الفلسطينيين وقادتهم.

وفي حديثها عن اجتياح جنين الذي كان هو الأكبر للقوات الإسرائيلية منذ عقدين وأدى إلى استشهاد 12 فلسطينيا ومقتل جندي إسرائيلي، تقول: تفاخر الساسة الإسرائيليون بأن العملية أدت إلى إنهاء الترسانات العسكرية لـ “الجماعات المسلحة الجديدة”، على حد تعبيرها،  وكشفت أيضا عن ضعف السلطة الوطنية.

أما بالنسبة إلى الفلسطينيين، فقرار السلطة تجنب المعركة التي استمرت 44 ساعة وشردت آلاف المواطنين ودمرت معظم المخيم أدى إلى زيادة التساؤل حول الهدف من الحكومة التي أنشئت عام 1993، من أجل تحقيق الدولة الفلسطينية.
وبعد ثلاثين عاما، وفي ظل الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، أصبح الكثيرون يتعاملون مع السلطة بأنها غير مهمة إن لم تكن معادية لقضيتهم.

وقالت ديانا بطو، المحامية التي قدمت الاستشارة لفريق التفاوض الفلسطيني في أثناء الانتفاضة الثانية من 2000- 2005: “لم تكن السلطة في حالة ضعف مثل اليوم”. وقالت إن إسرائيل قوضت فاعلية السلطة من خلال حرمانها من المصادر، بما في ذلك مصادرة عشرات الملايين من الدولارات كل شهر كموارد عن الضريبة. وتعتقد أيضا أن الرئيس محمود عباس الذي شاخ ومد تفويضه من أربعة أعوام ليحكم عقدين لم يتكيف مع الواقع الجديد.

“الناس الذين لا يزالون يتحدثون عن حل الدولتين هم أبو مازن والمجتمع الدولي، أما إسرائيل فقد تجاوزت هذا”. ففي الوقت الذي توسع فيه الاستيطان وزادت هجمات المستوطنين ضد المجتمعات الفلسطينية، لا يزال عباس يتحدث عن دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.

وقالت “يبدو أن أبو مازن لا يزال يعيش في التسعينيات، إنها نكتة” و”الناس الذين لا يزالون يتحدثون عن حل الدولتين هم أبو مازن والمجتمع الدولي، أما إسرائيل فقد تجاوزت هذا”. ففي الوقت الذي توسع فيه الاستيطان في معظم أنحاء الضفة وزادت هجمات المستوطنين ضد المجتمعات الفلسطينية، لا يزال عباس يتحدث عن دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. إلا أن رموزا مهمة في حكومة الائتلاف، بمن فيهم ناشطون في الاستيطان والمحافظين اليهود ودعاة التفوق اليهودي يرفضون فكرة الدولة الفلسطينية.
فقد دعا وزير المالية الذي يحظى بمنصب مهم في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش إلى محو قرية فلسطينية عن الوجود. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء مغلق مع حكومته الشهر الماضي إنه يجب “سحق” طموحات الفلسطينيين بالدولة. ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلة يوم الأحد مع سي أن أن حكومة إسرائيل بأنها “واحدة من أكثر الحكومات المتطرفة” في عقود. وقال إن السلطة الوطنية “فقدت مصداقيتها” وخلقت “فراغا للمتطرفين بين الفلسطينيين”.
ويذكر التقرير قول توفيق حداد، المحلل الفلسطيني، إن تراجع السلطة عن ممارسة صلاحياتها شمال الضفة جعل الجماعات المسلحة تملأ الفراغ “تشعر السلطة أنها ليست مستعدة لمواصلة لعب دور الشرطي المحلي في ظل هذه الحكومة التي تتحول إلى حكومة تفوق والأبارتهايد بدون اعتذار”.
وقال الرجوب، محافظ جنين، إن المداهمات الإسرائيلية تعقد من عمله، لكنه يرفض فكرة أن الحد من نشاطات المسلحين هي مهمته “أقول بعمل أمني لمنفعتنا، الشعب الفلسطيني” و”لست مهتما بالمنفعة الإسرائيلية”.
وتكمل الصحافية قولها: في غياب استعداد السلطة لمواجهة المسلحين، فإن المداهمات الإسرائيلية أصبحت عادية، وكل دورة عنف تقود إلى عنف قاتل، كما يقول المحللون. ويقول مايكل ميلستين، المستشار السابق للإدارة المدنية في الضفة الغربية، إن “دخول إسرائيل إلى جنين لن يكون إلا مجرد ضمادات لاصقة”. وزعم الجيش الإسرائيلي تحقيق انتصارات تكتيكية في غارة جنين، إلا أن ميلستين يتحدث عن المخاطر النابعة من عدم فهم الصورة الأكبر، وهي أن الضفة الغربية باتت تشبه غزة، ما يعني تورطا إسرائيليا فيها. وقال إن الإسرائيليين لا يعرفون أن هناك “موضوعات إستراتيجية حقيقية لم يجب عليها هذا الائتلاف المنقسم”.
وفي يوم الأحد، صوتت الحكومة الإسرائيلية على قرار لمنع انهيار السلطة الوطنية، بدون تفاصيل حول كيفية منع هذا، وتم الحديث عن الأمر نفسه في قمة العقبة بالأردن في شباط/فبراير بدون متابعة. وقال وزير الأمن إيتمار بن غفير الذي صوت ضد القرار: “لا شيء أكثر غرابة من حقيقة أن الجهة التي تشجع الإرهاب وتدفع رواتب للإرهاب وتشجع التحريض على قتل اليهود والسيطرة على المناطق [في الضفة الغربية] ستحصل على سلة هدايا وسط موجة إرهاب”.
وضحك الجنرال طلال دويكات، المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطينية ومحافظ جنين السابق عندما سمع أن الحكومة الإسرائيلية تريد منع انهيار السلطة الوطنية وقال “هذا تلاعب وكذب” و”هدف إسرائيل هو التهرب من مسؤولياتها التي تعهدت بها في أثناء محادثات السلام بقيام دولة فلسطينية وتقوم بابتزاز السلطة الوطنية لتقديم تنازلات”.

وأعلن عباس عن زيارة مدينة جنين، وهي الأولى له منذ انتخابه عام 2005، وقال الرجوب إنه تم تأمين المدينة والمخيم بألف من قوات الأمن. وتعرض مسؤولين في السلطة للهجوم من المشيعين لجنازات 12 من الشهداء في معركة جنين.

وفي المدينة وبقية الضفة الغربية يخشى الفلسطينيون على أمنهم، ففي الشهر الماضي هاجم مئات المستوطنين قرية ترمسعيا وحرقوا بيوت سكانها وسياراتهم ومزارعهم. وقال مسؤول أمن فلسطيني “ينظر الناس إلينا ويتساءلون لماذا لم نذهب، مع أنهم يعرفون السبب، لأنه لم يسمح لنا بتبادل النيران مع القوات الإسرائيلية والذي قد يؤدي إلى خسائر من جانبهم وجانبنا”. وقال إن لديه ابن عم في ترمسعيا ناشده المجيء والدفاع عنهم. ووصف قواته بأنها “أول من يرد” ولكنها تتعامل في الأعم الأغلب مع فض الشجارات العائلية وقمع التظاهرات ضد السلطة الوطنية دعما لحماس.

القدس العربي