اعتبرت صحيفة “أوبزيرفر” البريطانية أن قمة الناتو التي التأمَ شملُها بالعاصمة الليتوانية فيلنيوس كانت فاشلة، والسبب، حسب رأيها، أن تركيا لم تغيّر موقفها المتعاون مع روسيا، ولأن قادة الناتو ربطوا عضوية أوكرانيا بالحلف العسكري بنهاية الحرب.
وفي الوقت الذي جلس فيه القادة على مائدة العشاء مع أردوغان، بدا الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي شخصاً فقيراً على المائدة. كان عليه أن يظهر بمظهر الشجاع عندما اتُّهم بفظاظة بأنه غير ممتنّ لكل الدعم الكبير المقدم لبلاده، وعلى لسان وزير الدفاع البريطاني بن والاس (أعلن أنه سيتنحى عن منصبه)، إلا أن قمة الناتو الأخيرة كانت خيبة أمل للرئيس الأوكراني، والبلد المحاصر الذي يقوده. وسينظر الكرملين إلى الفشل المتكرر، والتصريحات الغامضة بشأن عضوية أوكرانيا من دون منحها جدولاً زمنياً، بأنه تحرك ضعيف من دول الحلف، ومحاولة منها لحماية رهاناتها. وسيتم استغلال الموقف في أي تفاوض بشأن مستقبل الحرب. ولكن أوكرانيا حصلت على تعهّد بدعم طويل الأمد: مزيد من الأسلحة، ومساعدة من مجموعة الدول السبع، ومكان في المنتصف للعضوية.
بدا الرئيس الأوكراني شخصاً فقيراً على المائدة. كان عليه أن يظهر بمظهر الشجاع عندما اتُّهم بفظاظة بأنه غير ممتنّ لكل الدعم الكبير المقدم لبلاده.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن: “لسنا ذاهبين إلى أي مكان، فأنت معنا”، وكان يخاطب زيلينسكي، الذي أجبر نفسه، وبأدب، على الابتسام. ومهما كان بايدن صادقاً فإنه لا يستطيع الحفاظ على وعده. فبعد 18 شهراً، لربما تغيرت السياسة الخارجية الأمريكية، في ظل إدارة جمهورية أقل تعاطفاً.
قالت الصحيفة: “مثل الرجل الفقير على مأدبة الطعام، أُجبر زيلينسكي على مراقبة حفلة الرضا عن النفس والتي مثلها قادة الناتو”. كان المحفز لها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقراره رفع الفيتو عن عضوية السويد في الناتو، وهو قرار عند فحصه لم يكن محلاً للشجب الروسي.
قال الناتو إن “دخول السويد للنادي سيعزز من أمن كل الأعضاء، وهذا التفكير يجب أن يمنح الأوكرانيين الدفء في داخلهم”. وفي ثنائه على اتفاقية السويد، وأنها تمثل صورة عن “وحدة” الناتو، مدح بايدن أردوغان، وبطريقة مفرطة وأثنى على “الشجاعة والقيادة والدبلوماسية”.
وتزامنَ كل هذا مع الإفراج عن سجناء أوكرانيين وضعتْهم روسيا تحت رعاية تركيا، حيث تبادل الأوروبيون عبارات المجاملة، ومنهم اليونان، عدوة أنقرة القديمة، حول تحوّل في ميول أردوغان الذي لم يبدِ التزاماً في الماضي.
لكن قادة أوروبا تعجّلوا في المديح، فقد أعلن أردوغان حالاً عن أن عملية عضوية السويد بحاجة لموافقة البرلمان التركي، في عملية طويلة. والبرلمان تحت سيطرة أنصاره، وأي تأخير سيكون بناء على طلبه.
وبدا واضحاً أن الموافقة كانت عبارة عن تبادل منفعة، وإن لم يقل هذا، وستحصل بموجبه تركيا على طائرات اف-16، والتي تحتاجها أوكرانيا أيضاً، ولم تحصل عليها بعد.
وترى الصحيفة أن فرحة الناتو لم تكتمل لأن ميل أردوغان، لم يكن كاملاً، ولا يعتبر بمثابة إدارة ظهر لروسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، حيث يحتفظ بعلاقة صداقة معه، ولأسباب برغماتية ومصالح وطنية.
ولم تطبق تركيا العقوبات الغربية على روسيا، وزادت من معدلات التجارة منذ بداية الحرب، ففي النصف الأول من العام الحالي، تضاعفت الصادرات التركية إلى حوالي 4.9 مليار دولار. وقال أردوغان، في الأسبوع الماضي، إنه مستعد لمساعدة أوكرانيا في صفقة بيع الحبوب عبر البحر الأسود وبيعها المسيرات التركية.
أعلن أردوغان عن أن عضوية السويد بحاجة لموافقة البرلمان التركي، في عملية طويلة. والبرلمان تحت سيطرة أنصاره، وأي تأخير سيكون بناء على طلبه.
وفي نفس الوقت لا تزال روسيا أهم مزود للغاز الطبيعي إلى تركيا، وقرر بوتين تأخير مليارات الدولارات المستحقة على تركيا، قبل انتخابات الرئاسة في أيار/مايو، والتي انتصر فيها أردوغان. وسيزور حوالي 6 ملايين روسي تركيا هذا العام، ومن بينهم بوتين نفسه. وقد يساعد تحسين العلاقات السطحية مع تركيا على إنعاش الاقتصاد التركي المريض، إلا أن التعامل المزدوج بشأن روسيا والمقايضات لن يحسّن من أمن أوروبا بطريقة ملموسة.
وفي الوقت الذي شَجَبَ فيه المجتمعون بوتين “وحربه العدوانية غير الشرعية” لم يقدموا أي شيء لوقفها. و”هذا مخيب للأمل، فقد كان أكبر تحالف عسكري في العالم قادراً على التعاون بقوة والدفاع عن الشعب الأوكراني وحمايته من التلصص الروسي الإجرامي، وبهذا المعنى، فإن قمة فيلنيوس كانت فاشلة”.
القدس العربي