خيار الدولة الوطنية: ستة شروط للنجاح

خيار الدولة الوطنية: ستة شروط للنجاح

ليس قليلاً ما شاهده الشرق الأوسط من رهانات وتيارات أيديولوجية ومشاريع سياسية وصراعات سلطوية وتجارب وحدوية، لكن أهم ما حدث هو التسليم بالدور الكبير للدولة الوطنية بعد عقود طويلة من الأحلام والصراعات الفكرية، وعلى الأرض حول مشاريع بالغة الطموح، الدولة- الأمة السورية، والدولة – الأمة العربية، والدولة – الأمة الإسلامية تحت عباءة الخلافة المستعادة أو عباءة الولاية، والأممية الإنسانية اليسارية برعاية الاتحاد السوفياتي الذي انهار.

والتحول نحو الدولة الوطنية ليس مجرد خيبة أمل من تجارب وحدوية فشلت، ونتيجة عجز عن تحقيق الأحلام التي اصطدمت بوقائع صلبة وقوى خارجية نافذة، بمقدار ما هو خيار عقلاني واقعي بات يتقدم على كل الخيارات والرهانات وإن بقي من يتمسك بها، وليس نوعاً من تكريس حدود “سايكس – بيكو” بعد الحرب العالمية الأولى بسبب اللاقدرة على إلغائها خلال 100 عام، بل استجابة لحقائق الحياة ومتطلبات الشعوب.

تكريس الأمن والسلام

لكن الدولة الوطنية ليست مشروعاً مكتمل الصفات من دون الحاجة إلى عمل منظم ومتواصل يومياً لضمان النجاح الضروري للخيار، وهو نجاح على مستويات عدة أبرزها ستة، أولها أن تكون الدولة الوطنية دولة مواطنة تضم مواطنين لا رعايا ولا أسرى تمييز طائفي أو مذهبي أو قبلي أو جهوي أو على أساس الهوية، وثانيها أن يكون الهدف الكبير هو الحرص على التنمية البشرية عبر النمو الاقتصادي ونوعية التعليم والانفتاح الثقافي في إطار الثقافة الوطنية، وثالثها أن يكون العدل أساس المُلك فيها، إذ يتمتع جميع المواطنين بالعيش الكريم عبر فرص العمل المتعددة والإنصاف في نيل الحقوق ودفع الظلم، ورابعها أن تتوقف المشاريع والطموحات الإقليمية للحؤول دون الأزمات مع الخارج والالتفات الى قضايا الناس في الداخل، وخامسها أن يكون التعاون الاقتصادي والتضامن الإنساني والاجتماعي ومعالجة أمور البيئة وسواها “أمر اليوم” بين الدول الوطنية، ولا سيما المتجاورة منها.

أما سادسها فهو الابتعاد من المحاور الدولية مع الانفتاح على الجميع لضمان ما تتطلبه المصالح الحيوية، والإسهام في تكريس الأمن والسلام الدوليين، فلا تنازل عن السيادة وحرية القرار، ولا تراجع عما كان أساس الميثاق الوطني الاستقلالي في لبنان وهو “لا وصاية، لا حماية، لا امتياز، وما من مركز ممتاز”.
ذلك أن السبب الأول الذي أدى إلى تعثر الدولة الوطنية في لبنان هو البناء على الخوف من الآخر بدل التآخي معه، فلم يحدث أي تطور للخروج من القاعدة التي وضعها ميشال شيحا، وهي أن التحالف اللبناني يقوم على إدارة العيش المشترك عبر قاعدة “الخوف السياسي المتبادل والمنفعة الاقتصادية المشتركة”، ولا جرى بعد “الطائف” التزام ما نص عليه من تأليف “هيئة وطنية لدرس السبل الضرورية لتجاوز الطائفية وإلغاء الطائفية السياسية”، وبالتالي الانتقال من النظام الطائفي إلى نظام المواطنة ضمن الدولة الوطنية كدولة مدنية، وهذا درس لكل العاملين في المنطقة للنجاح في إدارة الدولة الوطنية التي يجب ألا تكون ساحة للصراعات الخارجية والعصبيات الداخلية.

“معاهدة وستفاليا”

درس للعراق الخارج من احتلال أميركي والواقع تحت الهيمنة الإيرانية والنفوذ الأميركي، ودرس لليبيا التي خرجت من الديكتاتورية إلى حرية الصراعات والميليشيات والتدخل الخارجي، ودرس لليمن الذي وقع ضحية انقلاب على الشرعية والحرب، ودرس لسوريا التي صارت ملعباً للقوى الإقليمية والدولية بعدما كانت لاعباً إقليمياً مهماً، ودرس لتونس التي انتقلت من سيطرة “النهضة” الإسلامية على الديمقراطية إلى دهليز سلطوي تحت عنوان الدستور والقانون، ودرس لمصر المؤهلة أكثر من سواها لنجاح الدولة الوطنية بعدما تخلصت من سيطرة “الإخوان المسلمين” على الدولة بعد الانتفاضة، ودرس حتى للفصائل الفلسطينية المختلفة والمتصارعة قبل إقامة الدولة الوطنية.

والمنطقة في حاجة إلى نظام أمني إقليمي جديد على شكل “وستفاليا للشرق الأوسط”، كما يقول باتريك ميلتون وبرندان سايمز في كتاب جديد يعيد التذكير بالاستقرار الذي خلقته “معاهدة وستفاليا” بعد حرب الـ 30 عاماً في أوروبا، ولا “وستفاليا” إلا بين دول وطنية.

اندبندت عربي