عقد زعيم حزب النصر أوميد أوزداغ مؤتمراً صحافياً في المقر الرئيسي لحزبه، قال فيه إن حزبه ليس معادياً للمهاجرين ولا للسياح والأجانب القادمين إلى تركيا، وأضاف أنه طلب مواعيد مع سفارات جميع الدول العربية لشرح موقف حزبه.
جاءت هذه التصريحات بعد حملة اعتقالات طالت القائمين على مواقع الكترونية تبث أخباراً كاذبة وتحرض ضد اللاجئين، وبالأخص السوريين الذين تزعم أوساط حزب الوطن أن عددهم تجاوز 14 مليوناً، وأن عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية تجاوز المليون!
وقد استبق الرئيس التركي هذه الحملة بتصريحات توعّد فيها «أولئك الذين يبثون الكراهية والنزعة العنصرية بهدف إشعال فتنة داخلية» واصفاً إياهم بـ«الأسطول الخامس» الذي تديره قوى خارجية.
تلا هذا الوعيد مقال «تفسيري» لأبعاده نشره الصحافي «فؤاد أوغور» في أحد المواقع الالكترونية «تنبأ» فيه مصيراً لأوميد أوزداغ وحزبه، حزب الوطن، يشبه مصير جماعة فتح الله غولن بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 2016، متهماً الحزب وزعيمه بصلات بالمخابرات المركزية الأمريكية وإسرائيل معاً! معروف أن الصحافي المشار إليه الذي يعتمد مصادر «مجهولة» لمعلوماته ويكتب في أكثر الصحف قرباً من الحكومة، قد «تنبأ» بانقلاب 2016 منذ شهر آذار 2016، أي قبل محاولة الانقلاب بأربعة أشهر.
تلاه حوار أجرته إحدى وسائل الإعلام مع ضابط بحرية متقاعد كرر فيه الاتهامات نفسها تجاه الأوساط التي تبث خطاب كراهية عنصرياً، وبخاصة حزب الوطن إياه.
كل هذه التطورات تلاحقت بسرعة في غضون أسبوعين، وقد فاجأت الرأي العام الذي اعتاد على تجاهل السلطة عموماً للحوادث المتكررة ذات الدافع العنصري أو المعادي للأجانب، وكذا بالنسبة لتصريحات السياسيين والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي التي امتلأت بحملات التحريض والكراهية والأكاذيب المفبركة بحق اللاجئين. إضافة إلى أن الحكومة قامت بترحيل كثير من السوريين بدعوى مخالفات ارتكبوها أو تحت عنوان «العودة الطوعية» في الأشهر التي تلت الانتخابات في شهر أيار.
عملية التطبيع بين تركيا والنظام قد تم تجميدها في الوقت الحاضر بسبب الاشتراطات المتعارضة للطرفين. وهو ما يعني أن المشروع التركي بإعادة قسم من اللاجئين قد يمضي قدماً بصرف النظر عن الاتفاق مع نظام الأسد من عدمه
غير أن انتهاكات ارتكبت بحق سائحين من دول عربية، في أشهر الصيف، وما تلا ذلك من دعوات عربية على وسائل التواصل الاجتماعي للامتناع عن زيارة تركيا والتحذير من تفشي حوادث الاعتداء ضد سائحين عرب… كل ذلك قرع جرس الإنذار للحكومة التي تصارع لإيجاد مخرج من الصعوبات الاقتصادية، وتشكل السياحة أحد أهم مصادر الدخل القومي والعملات الأجنبية، فجاءت حملة الاعتقالات لمديري المواقع المتخصصة في معاداة اللاجئين والعاملين فيها، وتسريب أخبار عن التحضير لحملة قد تستهدف تصفية البؤرة السياسية الرئيسية لحملات الكراهية، أي حزب الوطن وزعيمه أوزداغ.
فإذا استهدف القضاء التركي أوزداغ فعلاً فمن شأن ذلك أن يردع أيضاً سياسيين من أحزاب المعارضة عن إطلاق تصريحات تستهدف اللاجئين، كما اعتادوا أن يفعلوا طوال الأشهر السابقة على الانتخابات، وأن يحد من المنشورات العدائية على وسائل التواصل الاجتماعي. من غير أن يوازي ذلك تخفيف للقيود المفروضة على اللاجئين بخصوص التنقل بحرية بين الولايات أو أذون العمل، أو وقف الترحيل بشتى الذرائع للسوريين والعراقيين والأفغان وغيرهم. بل ثمة اتفاقات جديدة قادمة بين كل من بلغاريا واليونان من جهة، وتركيا من جهة أخرى تستهدف مواجهة الهجرة غير الشرعية التي باتت تشكل كابوساً للحكومات الأوروبية. وتتواتر تصريحات المسؤولين الأتراك عن نية الحكومة إعادة مليون ونصف من اللاجئين السوريين إلى شمال سوريا، في حين يبدو أن عملية التطبيع بين تركيا والنظام قد تم تجميدها في الوقت الحاضر بسبب الاشتراطات المتعارضة للطرفين. وهو ما يعني أن المشروع التركي بإعادة قسم من اللاجئين قد يمضي قدماً بصرف النظر عن الاتفاق مع نظام الأسد من عدمه.
وتمنح الأزمة الاقتصادية، وبخاصة التضخم والبطالة وتداعيات زلزال 6 شباط، مادةً مثمرة لخطاب الكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين الذي يربطها بهم بوصفهم عبئاً على الاقتصاد كما يزعم.
أما أوزداغ وحزبه بالذات فقد بلغ بهما الشطط حد نشر سلسلة «وثائقية» بعنوان «الاحتلال الصامت» تحذر فيها الأتراك من أنهم سيتحولون، خلال أقل من عقدين من الزمن، إلى أقلية مهمشة في بلدهم الذي سيحتل فيه المهاجرون موقع أصحاب الامتيازات!
تلقى معظم السوريين في تركيا أخبار الحملة ضد الأوساط التي اعتادت على التحريض ضدهم بارتياح ظاهر، وشماتة بمصير أوزداغ المحتمل. من الحصافة عدم الانجرار إلى مثل هذه المواقف، فما يدور اليوم هو صراع سياسي داخلي، وربما من المفيد الإشارة في هذا الصدد إلى أن الإعلام المقرب من الحكومة قد استغل الفرصة لتجديد الهجوم على حزب المعارضة الرئيسي، من خلال التذكير بالاتفاق الذي تم توقيعه، قبيل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو وأوميد أوزداغ، لكسب دعم الأخير مقابل الوعد بمنح حزب الوطن وزارتين ورئاسة جهاز الأمن القومي. ولا نعرف ما إذا كانت شذرات الحملة المحتملة ضد أوزداغ ستصيب حزب الشعب الجمهوري أيضاً أم لا، فالانتخابات المحلية باتت على الأبواب، وحزب العدالة والتنمية يبدو مصمماً على استعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة اللتين خسرهما في انتخابات 2019.