أثار حكم المحكمة الاتحادية العليا العراقية، في 4 سبتمبر/ أيلول المنصرم، ببطلان تصديق البرلمان على اتفاقية تنظيم الملاحة بين العراق والكويت في خور عبد الله، والموقعة في 2013، مخاوف من توتر العلاقات مجددا بين البلدين.
إذ لم يتم إعادة العلاقات بين البلدين إلا في 2008، والتي انقطعت بعد الاحتلال العراقي للكويت عام 1990.
وأصدر مجلس الأمن الدولي في 1993 القرار رقم 833، وينص على تقسيم مياه خور عبد الله مناصفة بين البلدين، وصدّق العراق على الاتفاقية في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، في عهد الحكومة الثانية لنوري المالكي (2010 ـ 2014).
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية
“خور عبد الله”، ممر مائي ضيق يفصل بين العراق والكويت، ويمثل أحد أبرز ملفات ترسيم الحدود بين البلدين.
ويقع خور عبد الله، شمال الخليج العربي، بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية.
وهذه المنطقة لطالما كانت محل نزاع بين البلدين حتى قبل استقلال الكويت عن بريطانيا في 1961، بالنظر إلى عدم امتلاك العراق سواحل طويلة على الخليج، والتي لا تتجاوز 58 كلم.
ووجود جزيرتي وربة وبوبيان قبالة سواحل العراق، وعلى مسافة قريبة منها، يحرمه من امتلاك موانئ عميقة واستقبال السفن العملاقة، أو أن تكون له منطقة اقتصادية واسعة، أو بناء قوة بحرية كبيرة تنافس نظيرتها في إيران مثلا، باستثناء منطقة شبه جزيرة الفاو.
ولذلك سعت بغداد طوال عقود وبمختلف السبل للسيطرة على الجزيرتين واستبدالهما في 1965 بميناء أم قصر على ضفاف خور الزبير، الذي يعتبر امتدادا طبيعيا لخور عبد الله لكن داخل الأراضي العراقية، كما اقترحت بغداد تأجيرهما خلال الحرب ضد إيران (1980 ـ 1988).
كما أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، طالب الكويت بالتنازل عن الجزيرتين لبلاده، إلى جانب مطالب أخرى، وبسبب الرفض الكويتي، قام باحتلال كامل البلاد في 1990.
وهذا الوضع يعكس حساسية ترسيم الحدود البحرية في خور عبد الله، والمخاوف الكويتية من أن يشكل حكم المحكمة الاتحادية العراقية ببطلان اتفاقية 2013، مقدمة لتهديد المليشيات الشيعية الموالية لإيران الأمن القومي الكويتي، خصوصا بعد تراجع دورها في محاربة الإرهاب.
لماذا ألغت المحكمة الاتحادية الاتفاق؟
استندت المحكمة الاتحادية العراقية في حكمها بإبطال اتفاقية خور عبد الله، إلى عدم دستورية تصويت البرلمان على الاتفاقية في 2013، لأنه لم يحصل على أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب كما تنص المادة 61 من الدستور.
وبغض النظر عن القراءات المختلفة التي رافقت هذا الحكم، فإنه ضمنيا يعتبر انسحابا عراقيا من الاتفاقية من طرف واحد، لأن حكم المحكمة الاتحادية نهائي وغير قابل للطعن، والحكومة مجبرة على تنفيذه دستوريا، بناء على مبدأ الفصل بين السلطات.
هذا الحكم لم يمر مرور الكرام في الكويت، حيث رفضه مجلس الوزراء، وقال في بيان إن “حيثيات الحكم تضمنت ادعاءات تاريخية باطلة”.
ولم تكتف الكويت بهذا الرفض، بل استدعت سفير العراق لديها المنهل الصافي، في 16 سبتمبر الماضي، وسلمته مذكرة احتجاج على حكم المحكمة الاتحادية.
كما بحث وزير خارجية الكويت سالم عبد الله الجابر الصباح، في 27 سبتمبر، مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي، حكم المحكمة الاتحادية العراقية، و”مسألة إلغاء بغداد لبروتوكول المبادلة الأمني في خور عبد الله مع الكويت والموقع عام 2008″.
وفي رد قانوني وأكاديمي على حكم المحكمة الاتحادية العراقية، أشار مركز البحوث والدراسات الكويتية، أن الحكم وقع في تناقض مع حكم سابق للمحكمة نفسها أصدرته في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2014.
موقف الحكومة والبرلمان في العراق
تباينت مواقف الكتل البرلمانية الرئيسية العراقية بين من دعا الكويت إلى قبول حكم المحكمة الاتحادية والتواصل مع الحكومة العراقية لعقد اتفاق جديد لترسيم الحدود البحرية، ومن شدد على ضرورة التزام بغداد باتفاقية خور عبد الله للملاحة البحرية.
وانحازت الحكومة العراقية للرأي الثاني، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خلال لقائه رئيس وزراء الكويت أحمد نواف الأحمد الصباح، على هامش مشاركته في الدورة 78 لأعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انعقدت بين 19 و26 سبتمبر.
وأكد السوداني لنظيره الكويتي “التزام العراق بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبادئ القانون الدولي، والتفاهمات المشتركة وحسن الجوار، وسيادة أراضي دولة الكويت الشقيقة وسلامتها”.
وهو ما يعني ضمنيا التزام الحكومة العراقية باتفاقية 2013 مع الكويت، وقرار مجلس الأمن رقم 833، ولكن دون موقف حاسم بشأن حكم المحكمة الاتحادية العليا غير القابل للطعن.
أما برلمانيا، فإن 174 نائبا، غالبيتهم ينتمون إلى قوى “الإطار التنسيقي” الشيعي، طالبوا، في 23 سبتمبر، الحكومة بإيداع نسخة من الحكم الصادر عن المحكمة في الأمانة العامة للأمم المتحدة والمنظمة البحرية الدولية، حفاظاً على ما اعتبروه “حق العراق التاريخي في خور عبد الله”.
لكن “الإطار التنسيقي” الذي يضم تحالفا لأحزاب شيعية، خفف لهجته، وأعلن في 27 سبتمبر التزامه بالقرارات الدولية ومنها القرارات التي تتعلق بالعلاقة مع الكويت، وأعلن “ائتلاف إدارة الدولة” الذي يضم إلى جانب الإطار التنسيقي قوى سنية وكردية التزامه بالقرارات ذاتها؛ ومنها القرارات الأممية.
ويتكون “ائتلاف إدارة الدولة” من 280 نائباً (85 بالمئة) من أصل 329 نائبا، وهو ما يمكنه من إعادة التصويت على اتفاقية خور عبد الله للملاحة البحرية بأغلبية الثلثين، بما لا يتناقض مع حكم المحكمة الاتحادية، التي لم تطعن في مضمون الاتفاقية، وفق خبراء قانونيين.