في الأسبوع الماضي انفجر ملف غير منتظر في واشنطن قد تمتد نتائجه ليس فقط إلى أسابيع، بل لأشهر، وربما لسنوات، وفي حال تبدل الإدارة في 2025، قد يغير اتجاه السياسة الخارجية، في الأقل تجاه إيران و الشرق الأوسط، إلا أن أي ملف يدخل دوامة السياسة الداخلية والأدغال العدلية قد يسقط في الرمال المتحركة، وقد يصعب الوصول إلى نتيجة واضحة. فقد نشر موقع “Semafor” الذي يتخصص في التحقيقات الصحافية حول المسائل الحساسة، ولا سيما المتعلقة بالأمن القومي، سلسلة رسائل إلكترونية تظهر تبادلاً بين خبراء ومستشارين يعملون في وزارات وأجهزة أميركية يكشف عن تعاون وثيق قائم بين هؤلاء، وهم إيرانيون – أميركيون، ووزارة الخارجية الإيرانية وبعض المسؤولين في الحرس الثوري الإيراني.
في الشكل بادئ ذي بدء، فـ”الباسدران” (الحرس الثوري) وإلى حد ما سائر الأجهزة الاستخباراتية داخل “الجمهورية الإسلامية” هم على لائحة الإرهاب الأميركية، وهذا بحد ذاته مسألة في غاية الخطورة. والأكثر خطورة، وربما كارثية البعد هو تعيين هؤلاء في مواقع حكومية وتوفير تراخيص أمنية عالية لهم، مما يسمح لهم بالحصول على ملفات سرية للغاية، ويتيح لهم المجال لتقديم الاستشارات حول الشرق الأوسط وإيران.
“القضية” لا تزال تتطور، ومسؤولو الإدارة لا يزالون يدرسون الوضع ويراجعون الملفات المتعلقة بهذا التطور الذي يأتي في خضم أزمات تتطور في المنطقة ودولياً، وإبان وقت انتخابي دراماتيكي داخل الولايات المتحدة، لذا فالكشف عن شبكة خبراء من أصل إيراني تعمل عبر البيروقراطية الأميركية لصالح طهران، وقد تكون وراء قرارت أميركية تجاه الملف الإيراني، يصعب هضمه بسهولة. وعلى رغم عدم إكمال المعلومات لدى الرأي العام، واستمرار التحقيقات الصحافية، فالأسئلة بدأت تتراكم في واشنطن والمنطقة. وهذه بعضها.
تحديد الملف
تقرير “Semafor” الذي نشرته أيضاً قناة “إيران إنترناشيونال” من لندن، وأعاد نشره عدد من المواقع، وأشارت إليه شبكات التلفزة، كان قد نشر نصوصاً لرسائل بين “الخبراء الإيرانيين” العاملين ضمن الإدارة أو مراكز أبحاث متصلة بالحكومة، وأركان في النظام الإيراني. في هذا المقال الأولي، لن أذكر أسماء الخبراء حتى يستعرضهم الكونغرس. إلا أنه يمكن التأكيد أنهم يعملون في إطار الدولة الأميركية أكان في الخارجية أو الدفاع أو مراكز أبحاث كبرى في الغرب، ومنها مركز Crisis Group المعروف. فتبين من الرسائل الإلكترونية بين “الخبراء” العاملين تحت مظلة الحكومة الأميركية، والنظام الإيراني أن هؤلاء الخبراء كانوا يسألون طهران عن توجيهاتها إزاء عملهم داخل الأجهزة الأميركية، “نريد توجيهات منكم” يكتب بعضهم إلى مسؤولي النظام في طهران، لذا فالملف المطروح يتلخص بكونه مسألة اتصال مسؤولين أميركيين (من أصل إيراني) لديهم تصريحات أمنية عالية، بسلطة حكومية لدولة معادية لأميركا، والجهاز الذي تم التواصل معه وأخذ الإرشادات منه هو “الباسدران”، وهو قانوناً على لائحة الإرهاب، هذا في التحديد القانوني البحت، لكن الأبواب التي فتحت أكبر من ذلك، والأسئلة تتراكم بسرعة.
إن ما نشر من رسائل إلكترونية، ولا بد من التأكد من صحتها عبر تحقيق مادي “Forensics”، إن صح، فهو يطرح أول باقة من الأسئلة: هل لهؤلاء المستشارين علاقة تراتبية مع المسؤولين الإيرانيين الذين هم على تواصل معهم؟ أي إن النظام يستطيع أن يؤثر فيهم؟ وإذا كان كذلك، هل طلب منهم إقناع الإدارة باتخاذ قرارات معينة؟ هل من بين طلبات كهذه ما له علاقة بالاتفاق النووي والتحويلات المالية؟ أذا ثبت أي ملف من هذه التساؤلات، فهذا قد ينقل النقاش إلى بعد آخر يتعلق بالأمن القومي، أي عملياً قدرة ما للجمهورية الإسلامية بأن تؤثر في قرارات واشنطن تجاه إيران والشرق الأوسط. وهذا لا يعني أن بإمكان طهران أن تملي ما تريده على واشنطن في موضوع إيران، ولكنها ستتأثر بتقارير مستشارين عينتهم هي في مواقعهم. فما ردات الفعل المتوقعة؟
الإدارة
كما أسلفنا، المسؤولون المباشرون في وزارتي الدفاع والخارجية تجنبوا الدخول في التفاصيل، وأعلنوا أنهم سيحققوا بالموضوع، وحاولوا استبعاد أن يكون هنالك أي تهديد معلوماتي أو أمني، وكرروا أن كل المستشارين الخبراء يخضعون لتدقيق وتحقيق مفصلين قبل الحصول على أي تصريح أمني يسمح لهم بالتواصل مع جهات أجنبية، إلا أنه إذا ثبتت حقيقة المراسلات الإلكترونية، عندها لا بد للإدارة أن تتخذ الخطوات الضرورية.
الكونغرس
لجان مجلس النواب، لا سيما الأمن الوطني برئاسة مارك غرين، والخارجية برئاسة مايكل ماكول، والاستخبارات برئاسة مايك تورنر، أعلنت أنها وجهت أسئلة إلى الإدارة، وأنها ستنظم جلسات استماع في هذا الخصوص. وفي مجلس الشيوخ طالب عدد من الأعضاء، وبخاصة تيد كروز وماركو روبيو، باستقصاء سريع حول الاختراق الإيراني لمعرفة عمقه وتأثيراته والإخفاقات التي أدت إليه. ومعروف أن مجلسي الكونغرس بأكثريتهما يعارضان الاتفاق النووي ويطالبان بدعم المعارضة الإيرانية.
الجالية الإيرانية
الإيرانيون الأميركيون كانوا أول من هب لاستنكار عملية التأثير هذه، وتداولوا التقارير، وحملوا “المستشارين” (حتى يتم إثبات الموضوع قانونياً) مسؤولية التأثير في الإدارة للتخلي عن الاحتجاجات الإيرانية المستمرة منذ عام، وأطلقوا حملة لإقصاء هؤلاء الخبراء عن مواقعهم، وطالبوا الكونغرس بالتحقيقات الوفية حول الاختراق، وكذلك دخلت بعض أوساط الجاليات العربية والمشرقية من عراقية وسورية ولبنانية إلى الساحة محملة هذا “اللوبي” مسؤولية التأثير في واشنطن للامتناع عن التدخل في المنطقة ضد توسع الميليشيات الإيرانية. وهناك جو داخلي، ولا سيما عند الجمهوريين، بأن إيران قد اخترقت مراكز القرار الأميركي حيال الشرق الأوسط، والمطلوب سد الثغرة.
ولكن السؤال الشبح، الذي بات يغطي على كل الملف، هو ربما الأكثر ثقلاً. هل هناك جهة أعلى أو أعمق من “المستشارين الإيرانيين” قد سمحت لهم بإقامة هذه العلاقة مع طهران؟ هذا أمر سينتظر مساءلات الكونغرس، إذا حدثت.