على الرغم من أن الطبيعة الوجودية للتهديد النووي استوجبت الاهتمام بشكل مفهوم، إلّا أن “حماس” وغيرها من وكلاء إيران عمدوا في الوقت نفسه ذعلى زيادة قدراتهم بشكل كبير.
يشكل هجوم “حماس” غير المسبوق على إسرائيل حدثاً فاصلاً. ولم يقتصر الأمر على أن الفشل الاستخباراتي لا يختلف عما حدث في عام 1973، بل أن التداعيات الطويلة الأمد لهذا الهجوم الدموي لا تقل أهمية عن تداعيات حرب عام 1967.
وإحدى الاستنتاجات الأولية التي يمكن استخلاصها من هذا الهجوم هي أن استراتيجية “الحروب بين الحروب” التي لطالما اعتمدتها إسرائيل – وهي خطة تهدف إلى تقييد خصومها من وكلاء إيران من خلال العمل الحركي المحدود – لم تكن كافية. أما الاستنتاج الآخر فهو أن ترتيب “المال مقابل التهدئة” في غزة، القائم على فكرة أن “حماس” تهتم فعلياً بحكم المنطقة، كان تشوبه عيوب. وفي أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، من الضروري تغيير النموذج الأمني الإسرائيلي.
منذ أكثر من عقد، تركز المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية بشكل دقيق على التهديد الذي يشكله البرنامج الإيراني للأسلحة النووية. وفي حين استهدف الجيش الإسرائيلي بشكل دوري أصول “حماس” وعناصرها، وكذلك مواقع العمليات الأمامية الإيرانية في سوريا، تجنبت إسرائيل إلى حد كبير القيام بعمليات واسعة النطاق ضد “حماس” و”حزب الله” اللبناني. ويمكن تفهم التردد في إضعاف القدرات العسكرية لهذه المنظمات الإرهابية بدرجة كبيرة، إذ أن السلاح النووي الإيراني يشكل تهديداً وجودياً، بينما اعتُبر “حزب الله” و”حماس” تحدياً قاتلاً بل تكتيكياً.
منذ الحرب مع “حزب الله” في عام 2006، شهدت إسرائيل فترة طويلة من الهدوء النسبي والازدهار الاقتصادي. وبينما كانت القدس تركز على البرنامج النووي الإيراني كأولوية، عمدت كل من “حماس” و”حزب الله” على زيادة قدراتهما بشكل كبير. وفي فترة زمنية معينة خلال إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، أثار كل مسؤول إسرائيلي زار واشنطن مخاوف ملحة بشأن برنامج الذخائر الموجهة بدقة التابع لـ”حزب الله”، والذي يرمي إلى تطوير ترسانة الحزب الصاروخية التي تضم 150 ألف صاروخ، من أسلحة تقليدية إلى أسلحة دقيقة. وفي الآونة الأخيرة، سقط هذا الموضوع من جدول الأعمال الثنائي، ولم يتخذ الجيش الإسرائيلي أي إجراء واضح لعرقلة تقدم “حزب الله”.
وفي غضون ذلك، كثفت هاتان المنظمتان تعاونهما تحت الإشراف الإيراني. ويمكن الآن اعتبار “حماس” من بين وكلاء إيران من دون شك، حيث تنسق بشكل نشط مع طهران و”حزب الله”. وقد أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” أنه منذ آب/أغسطس، يجتمع قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، إسماعيل قاآني، كل أسبوعين في بيروت مع قيادات “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” للتخطيط لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. ووفقاً لبعض التقارير، فإن قاآني موجود حالياً في لبنان، حيث يساعد على تنسيق حملة “حماس” من الجبهة. ونظراً للعلاقات الوثيقة بين المنظمتين، فمن الصعب التصور أن “حماس” لم تحصل على التزام من “حزب الله” بالتعبئة – كما فعلت في عام 2006 بعد أن اختطفت “حماس” الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
ومن المؤسف أن القدرات المتزايدة لهذه الجماعات الإرهابية تتزامن مع تراجع الردع الإسرائيلي. فعلى مدى الأشهر السبعة الماضية تقريباً، أطلقت الجماعات الفلسطينية صواريخ على إسرائيل من المناطق الخاضعة لسيطرة “حزب الله” في جنوب لبنان. وأطلق الحزب طائرات بدون طيار فوق إسرائيل بالإضافة إلى صاروخ مضاد للدبابات عبر الحدود. وحاولت عناصر “حزب الله” اختراق السياج الحدودي، وفجرت قنبلة مزروعة على جانب الطريق في بلدة مغيدو (مجدو) الإسرائيلية على بعد 64 كيلومتراً جنوب لبنان. وكانت ردود الجيش الإسرائيلي على هذه الاستفزازات متناسبة في جميع الحالات. وفي الوقت نفسه، ترى هذه الجماعات أن الانقسامات السياسية في إسرائيل فيما يتعلق بالإصلاح القضائي هي علامة ضعف.
وقد أدى الإحباط الفلسطيني المتزايد في الضفة الغربية هذا العام، إلى جانب الدعم من طهران، إلى تصاعد الإرهاب في إسرائيل. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن سكان غزة يكرهون كل من نظام “حماس” الاستبدادي وإسرائيل. ولكن من الواضح أن هجوم “حماس” يندرج ضمن استراتيجية إيرانية لإحباط التطبيع المحتمل بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
وقد أدانت طهران هذه المبادرة. وقبل أقل من أسبوعين، أطلقت ميليشيا الحوثي التي تدور في فلك إيران في اليمن صواريخ على السعودية، مما أسفر عن مقتل عدد من الجنود البحرينيين. وشكلت هذه الضربة، وهي الأولى منذ أشهر، رسالة واضحة للرياض بعدم تحقيق السلام مع إسرائيل.
وفي الأسابيع والأشهر المقبلة، بينما تحزن إسرائيل على الخسارة التي لا يمكن تصورها وتواجه التحدي المتمثل بتأمين (إطلاق سراح) الرهائن، سيتعين عليها صياغة نهج جديد تجاه إيران يتعامل مع “حماس” و”حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”، بالإضافة إلى “حزب الله”، كأدوات في أيدي الجمهورية الإسلامية. كما أن هؤلاء الوكلاء، الذين يتمتعون بشعبية محدودة في الداخل، لا يبدون اهتماماً كافياً برفاه مواطنيهم. وبالتالي، من الضروري إعادة النظر في استراتيجية الردع التي تتبناها إسرائيل ـ أو “عقيدة الضاحية” ـ التي تعتمد على التهديد بقصف لبنان وغزة وإعادتهما إلى العصر الحجري. وكذلك الحال بالنسبة إلى الهدنات التكتيكية، على غرار تلك التي سعت إليها إسرائيل مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة مع “حماس”.
وعلى الرغم من خطر احتدام الصراع مع “حزب الله” والمصادقة الدولية على العمليات الجارية ضد “حماس”، سيتعين على إسرائيل أن تتبنى نهجاً أكثر استباقية في تعاملاتها مع وكلاء إيران على حدودها. يجب أن تستمر الحملة في غزة، بعد مراحلها الأولية، باستخدام ذخائر موجهة بدقة للحد من الإصابات في صفوف المدنيين. وسيتعين على القدس أيضاً أن تفكر في تغيير مبادئها التوجيهية الحالية بشأن الاشتباكات العسكرية الحركية في الأراضي اللبنانية.
وفي يوم واحد فقط، عادل عدد القتلى في إسرائيل الذي فاق 900 شخص، من حيث التناسب مع عدد السكان، محصلة قتلى تفوق 32 ألف أمريكي – وهو ما يزيد عن 10 مرات من عدد القتلى فعلياً في هجمات 11 أيلول/سبتمبر، علماً أن هذا العدد قد يستمر بالارتفاع. ومن المؤسف أنه في البيئة الحالية، يبدو أن إجراءات العمل القياسية للجيش الإسرائيلي التي تقوم على استراتيجية “جز العشب”، تؤخر بشكل متزايد معالجة المشكلة. وفي 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصبحت مشكلة الوكلاء مشكلة استراتيجية بالنسبة لإسرائيل.
ديفيد شينكر