“المناطق الآمنة” للقتل و«الممر الإنساني» للإبادة!

“المناطق الآمنة” للقتل و«الممر الإنساني» للإبادة!

أطلق أفيخاي أدرعي، الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، تحذيرا لسكان مناطق المقوسي وبيت حانون والبريح والمغازي وعبسان ورفح والشجاعية بترك أماكن سكنهم والتوجه نحو مراكز مدن غزة وخان يونس ورفح «للحفاظ على سلامتهم» ثم قام، كما أكد فريق التدقيق في هيئة البث البريطانية (بي بي سي) عبر التحقق من الشرائط والصور والمواقع والشهادات، بقصف الأماكن التي وجّه إليها سكان غزة للاحتماء فيها، كما حصل في مركز مدينة رفح، ومركز مدينة خان يونس.
إضافة إلى قصف «المناطق الآمنة» التي حددها، فقد تحدثت تقارير عن شن جيش الاحتلال غارة على قافلة مركبات كانت متجهة نحو جنوبي غزة لنقل مدنيين فروا من شمالي غزة بعد أن أصدر جيش الاحتلال أمرا بإخلاء المنطقة، وأظهرت مقاطع الفيديو بعد فترة وجيزة من القصف أشلاء القتلى في مكان الحادث الذي وقع في شارع صلاح الدين، الذي يعد أحد الطريقين لنزوح الأهالي من شمال القطاع إلى جنوبه.
تحفظت وسائل الإعلام الغربية على نشر شريط الفيديو الذي سجله شهود عيان «لما يحتويه من مشاهد كاملة للمذبحة». يظهر الشريط أشخاصا يحيطهم الدخان يركضون نحو الشاحنة التي قصفتها إسرائيل وهم يصرخون وسط دوي صافرات الإنذار ومع اقتراب المصوّر من الشاحنة تظهر جثث ملقاة ومشوهة في كل مكان بينها جثة طفل صغير يرتدي سروالا قصيرا وقميصا ملقى على الشاحنة ورأسه ملتو. تظهر جثث أغلبها لنساء وأطفال تتراوح أعمارهم بين الثانية والخمسة أعوام، كما تظهر اللقطات جثث ضحايا في الشارع وسيارات محترقة كان ركابها داخلها. بعد الحادث ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أن 70 شخصا استشهدوا في تلك الغارة. تعليق الجيش الإسرائيلي كان أن «أعداءه يحاولون منع المدنيين من مغادرة الشمال».
إضافة إلى مطالبات إسرائيل للمدنيين بإخلاء «المناطق الحربية» ثم قصفهم وهم في طريقهم إليها، ثم قصف تلك «المناطق الآمنة» التي لجأوا إليها، أضافت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فكرة «الممر الإنساني» وبذلك يستكمل أهالي غزة، الذين يشكل لاجئو نكبة 1948 قرابة 80٪ منهم، «التغريبة الفلسطينية» المستمرة لهجر أرضهم، وموطن لجوئهم الأخير، نحو جغرافيا أخرى ولجوء جديد.
تستهدف الفكرة تفريغ القطاع من مواطنيه لتستكمل إسرائيل حرب التدمير الشامل.
يريح الغرب ضميره بتجاهل الجريمة الكبرى المكتملة فصولا ضد الفلسطينيين وبالتركيز على «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» و«القضاء على منظمة إرهابية».
سيختفي ضمن هذا السيناريو التجريدي آلاف الضحايا الذين يسقطون بمعدل شهيد كل 5 دقائق، وأغلبهم، حتى الآن، من الأطفال والنساء، والمدنيين الهاربين إلى «مناطق آمنة» وسيختفي قرابة مليونين وثلاثمئة ألف فلسطيني من سكان القطاع.
لم يكن بعض الإسرائيليين في حاجة حتى للحجج التي ظهرت بعد عملية 7 تشرين أول/أكتوبر، فأحزاب الصهيونية الدينية المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو كانت تعلن جهارا نهارا خططها لتهجير الفلسطينيين من كل فلسطين، وليس من غزة فحسب، غير أن هذا المنطق بدأ يجد مرتكزات له فيما يحصل حاليا في غزة، حيث دعا كاتب إسرائيلي مؤخرا إلى تهويد القطاع وإعادة بناء المستوطنات التي فككتها إسرائيل عندما نفذت خطة «فك الارتباط» عام 2005.
تستشعر دول عربية، على رأسها الأردن ومصر، مخاطر هذه الطروحات، وقد أشارت دول أخرى، بينها قطر والسعودية، إلى أخطار «التطهير العرقي» لكن الإدانات العربية الحالية، معطوفة على المواقف الشعبية في الدول العربية والإسلامية، وبعض الدول الغربية، لن تكون ذات جدوى إن لم يتم دعمها بخطوات واضحة لدعم المحاصرين داخل غزة، واتخاذ خطوات سياسية واضحة وصريحة وجريئة، وإلا فإن الجميع سيدفعون الثمن بشكل أو آخر.