عندما انطلقت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي فجر السبت 7 أكتوبر 2023 في غلاف قطاع غزة، كانت المفاجأة كبيرة نتيجة الشلل الذي أصاب قدرات الاستخبارات والجيش الإسرائيليين، والنتيجة أن فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، حققت خرقا عسكريا لم تمر به إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973.
منذ الساعات الأولى للعملية انطلقت أصابع الاتهام الإسرائيلية، مؤيدة بصحف غربية وجهات إعلامية أمريكية، تتهم إيران بالوقوف وراء التخطيط وإعطاء الأوامر للفصائل الفلسطينية لتنفيذ العملية. البعض قرأ الاتهامات الإسرائيلية على أنها خطوة لا بد منها لحفظ ماء الوجه، لأن انكسارا عسكريا واستخباراتيا كالذي حصل لا يمكن أن تنفذه فصائل فلسطينية محدودة القدرات لوحدها، وبالتالي حاولت إسرائيل ربط الأمر بقوة إقليمية ذات تأثير واضح كإيران.
ولا يخفى على أي متابع لشؤون الشرق الأوسط، علاقة إيران بفصائل المقاومة الفلسطينية، والدعم الذي قدمته لها طوال عشرات السنين، هذه العلاقة معروفة ولا تنكرها إيران، لكن في عملية طوفان الأقصى، كانت التصريحات الرسمية الإيرانية تقول إنها لم تعلم بالتحضير لها، وإن من خطط ونفذ العملية بنجاح منقطع النظير هي المقاومة الفلسطينية بمفردها. وقد جاء النفي الإيراني الرسمي، على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي قال في كلمة له في حفل تخريج طلاب عسكريين في طهران، إن» من يقول إن الملحمة الأخيرة كانت عملَ غير الفلسطينيين، فهو يجري حسابات خاطئة»، لكنه أشاد بمخططي الهجوم ومنفذيه، قائلاً: «نقّبل جباه وسواعد الشباب الفلسطيني الذي يخطط وينفذ»، وأكد على دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة الكيان الإسرائيلي. وقال إن «الصهاينة هم من أحدثوا هذه المصيبة بسلوكهم وسياساتهم، فعندما يتجاوز الإجرام والظلم حدودهما، والعنجهية تصل إلى الذروة، يجب انتظار الطوفان»، كما شدد المرشد الأعلى على أن الهجوم الفلسطيني على الاحتلال الإسرائيلي هو «ردّ على جرائم العدو الغاصب المستمرة منذ سنوات، والتي اشتدت خلال الشهور الأخيرة». كما صرحت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة يوم الأحد 8 أكتوبر الجاري في بيان رسمي جاء فيه؛ أن «الإجراءات الحازمة التي اتخذتها فلسطين تشكل دفاعا مشروعا تماما في مواجهة سبعة عقود من الاحتلال القمعي والجرائم البشعة التي ارتكبها النظام الصهيوني غير الشرعي». وأكدت البعثة «ندعم فلسطين على نحو لا يتزعزع، لكننا لا نشارك في الرد الفلسطيني، لأن فلسطين فقط هي التي تتولى ذلك بنفسها»، وأشارت إلى أن «نجاح العملية كان بسبب المباغتة، وهو ما يمثل أكبر فشل للأجهزة الأمنية الإسرائيلية». وقالت البعثة «إن الإسرائيليين يحاولون تبرير فشلهم ونسبه إلى القوة الاستخباراتية الإيرانية والتخطيط العملياتي»، مشيرة إلى أن الإسرائيليين «يجدون صعوبة بالغة في قبول ما يتردد في أجهزة المخابرات عن هزيمتهم على يد مجموعة فلسطينية».
الرواية الإسرائيلية واتهاماتها الموجهة لإيران جاءت متسقة وبشكل مكثف مع ما ورد في مقال نشرته «وول ستريت جورنال» الأمريكية الذي جاء فيه أن مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا في التخطيط لهجوم حماس المفاجئ على إسرائيل، وأعطوا الضوء الأخضر للهجوم في اجتماع في بيروت عقد يوم الاثنين الماضي 2 أكتوبر 2023. ونسبت الصحيفة معلوماتها لأعضاء كبار في حركة حماس وحزب الله اللبناني، من دون أن تشير إلى أسمائهم، وقالت إن ضباطا من الحرس الثوري الإيراني تعاونوا مع حماس منذ أغسطس الماضي في التخطيط لعملية التوغل داخل الحدود الإسرائيلية، وهو الهجوم الذي يعد أكبر خرق لحدود إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973. وأضافت الصحيفة أنه تم تنقيح تفاصيل العملية خلال عدة اجتماعات في بيروت، حضرها ضباط في الحرس الثوري الإيراني وممثلون عن أربع جماعات مسلحة مدعومة من إيران، بما في ذلك حماس، التي تسيطر على السلطة في غزة، بالإضافة إلى حزب الله اللبناني. وقد أكدت إسرائيل على ما ذكرته «وول ستريت جورنال عبر تصريحات سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان، بعد يوم واحد من عملية طوفان الاقصى، إذ قال؛» نحن نعلم أنه كانت هناك اجتماعات في سوريا ولبنان مع قادة آخرين من الجيوش الإرهابية التي تحيط بإسرائيل، لذا من الواضح أنه من السهل فهم أنهم حاولوا التنسيق. وكلاء إيران في منطقتنا، حاولوا التنسيق قدر الإمكان مع إيران».
أكد مسؤولون أمريكيون عدم وجود أدلة قوية على تورط طهران وقال وزير الخارجية الأمريكي «لم نر بعد دليلا على أن إيران وجهت أو كانت وراء هذا الهجوم بالذات».
لكن الموقف الرسمي الأمريكي لم يؤيد هذه المعلومات، إذ أكد مسؤولون أمريكيون عدم وجود أدلة قوية على تورط طهران في الهجوم. ففي مقابلة مع شبكة (CNN) بثت الأحد 8 أكتوبر الجاري، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: «لم نر بعد دليلا على أن إيران وجهت أو كانت وراء هذا الهجوم بالذات، ولكن هناك بالتأكيد علاقة طويلة تربطهم بحماس». ولفتت «وول ستريت جورنال» إلى أن من شأن انخراط إيران في دور مباشر في هجوم حماس سيفضي إلى خروج صراع طهران الطويل الأمد مع إسرائيل إلى الواجهة، مما يزيد من خطر نشوب صراع إقليمي واسع في الشرق الأوسط، إذ تعهد مسؤولون أمنيون إسرائيليون كبار بتوجيه ضربة إلى القيادة الإيرانية إذا ثبتت مسؤولية طهران عن قتل إسرائيليين. لذلك جاء الرد الإيراني حاملا الكثير من التهديد والوعيد في حال تورطت إسرائيل في توسيع النزاع وتحويله إلى صراع إقليمي، إذ حذرت وزارة الخارجية الإيرانية يوم الإثنين 9 أكتوبر من «أي عمل غبي» تجاه طهران، ، في تصريح للمتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) جاء فيه: «إن قيام بعض الدول الأوروبية، والولايات المتحدة، في الحرب الدعائية والإعلامية، بتغيير هوية ومكانة الظالم وتجاهل جرائم هذا الكيان الغاصب وتوجيه الاتهامات إلى شعب مظلوم، أمر غير مقبول ونرفضه». وحذر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية من استهداف بلاده قائلا: «ليعلموا أن القيام بأي عمل غبي تجاه إيران سيقابل برد مدمر».
من جانب آخر يبدو أن طهران تسعى لتهدئة الوضع، والوصول إلى حلول للأزمة المعقدة التي تمر بها المنطقة، حيث صرحت وكالة «تسنيم» الإيرانية مساء يوم الأربعاء 11 أكتوبر الجاري بأن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أجريا أول مكالمة هاتفية بينهما، وتمت مناقشة الأزمة في غزة، والحاجة إلى وقف جرائم الحرب. كما أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في جولته في دول المنطقة، من حلفاء إيران في العراق ولبنان، على أهمية إنقاذ أهالي غزة مما تصبه عليهم آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة من موت ودمار، لكنه أشار أيضا إلى جاهزية إيران ومن سماهم بفصائل المقاومة للرد العنيف، إذا ما حاولت إسرائيل توسيع نطاق الحرب.
في بغداد، وعند لقاء عبد اللهيان مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وعدد من وزراء حكومته ذكر: إن» الاحتمالات مفتوحة، وقد تحصل أحداث جديدة في المنطقة، نظرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الأطراف ترسل الأسلحة إلى إسرائيل، وقد سمحت لهذا الكيان الإجرامي بقتل المواطنين المدنيين الفلسطينيين بوحشية في غزة، في ظل الوضع الذي يحاصر فيه الكيان الصهيوني غزة بشكل كامل، ويقطع عنها المياه والكهرباء والوقود ويمنع إيصال الغذاء والدواء». كما أكد وزير الخارجية الايراني في مؤتمر صحافي عقده، يوم الجمعة 13 أكتوبر في بيروت، مع نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب على: إن»إيران مستمرة بقوة في دعمها للمقاومة الفلسطينية»، وشدد على أنه «في ظل استمرار العدوان وجرائم الحرب والحصار على غزة، فإن فتح جبهات أخرى من قبل سائر تيارات المقاومة ضد الكيان الصهيوني هو احتمال وارد». وتابع عبد اللهيان قائلا: «نحن في بيروت نعلن بصوت عال، وقوفنا مع الشعوب والحكومات الإسلامية، وأننا لن نتحمل جريمة الكيان الصهيوني ضد أهل غزة»، كما أكد على: أن «إيران ستستمر في دعم المقاومة بقوة» وأضاف « لقد سألني بعض المسؤولين الغربيين عما إذا كان من الممكن فتح جبهات جديدة ضد الكيان الصهيوني، فقلت إنه في ظل استمرار جرائم الحرب من قبل الصهاينة، فإن أي احتمال من تيارات المقاومة الأخرى وارد». لتبقى ابواب احتمالات تطور الصراع في الشرق الاوسط مفتوحة على مصراعيها.