بعد أسابيع من تسويق جيش الاحتلال الإسرائيلي مزاعم أن مجمع «الشفاء» الطبي هو مقر لقيادة «كتائب القسام» (الذراع العسكري لحركة «حماس») وأن تحته شبكة أنفاق ورهائن تم أسرهم خلال عملية 7 تشرين أول/أكتوبر، وبعد عملية عسكرية كبيرة حاصرت المجمّع وقصفته واقتحمته مرتين ونكلّت بطاقمه الطبي، ومرضاه، والنازحين المحتمين به، انتهى الأمر بجيش الاحتلال بتصريح يقول إن حركة المقاومة الإسلامية «أخفت الأدلة».
حذّر «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» قبل دخول القوات الإسرائيلية للمجمع من أنها ستقوم بإعداد مسرح لمشهد مصطنع كي تثبت ادعاءاتها، كونها المتحكم الوحيد في المشهد داخل مجمع الشفاء في ظل حجب صوت مسؤولي وزارة الصحة عن الإعلام وعدم السماح لأطراف دولية ثالثة، بما في ذلك المنظمات الأممية، بالتواجد في المكان.
بعد اتضاح فشل الرواية الإسرائيلية، وفي محاولة لتقديم «شيء ما» لوسائل الإعلام أو الجمهور قام جيش الاحتلال ببث فيديو تظهر فيه أسلحة ومعدات قتالية في غرفة تصوير الأشعة. أظهر الفيديو متحدثا باسم جيش الاحتلال يتجول في مرافق المشفى ويستعرض ما تم العثور عليه، وبعد نشر هذه الرواية سمح الاحتلال لصحافي من قناة «فوكس نيوز» اليمينية الأمريكية بتصوير المشاهد نفسها بالفيديو الخاص به.
في فيديو جيش الاحتلال ظهرت حقيبة متروكة خلف جهاز تصوير الرنين المغناطيسي، وتحتوي سلاحا وملابس عسكرية، وخلفها صندوق من الكرتون، أما في الفيديو الذي نشرته القناة الأمريكية فظهر كيس مكتوب عليه «مستلزمات طبية» وفوقه بندقيتان وحذاء عسكري فيما اختفت الصناديق، في سيناريو يشابه ما تفعله أجهزة المخابرات العربية بل ويفوقها بؤسا!
نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» خلال مرحلة احتلال مستشفى الرنتيسي وإخلاء طاقمه والمحتمين به تقريرا يتحدث عن تفوق جيش الاحتلال التكنولوجي والعسكري مشيرة إلى أن لديه مركز تحكم قرب حدود القطاع يستقبل آلاف البيانات من الطائرات بدون طيار والمقاتلات النفاثة والسفن والدبابات والجنود، ويراقب القادة شاشات تلفزيون تقوم بتكبير صور عالية الجودة للشوارع والأشخاص والمواقع.
دفع هذا الفشل الاستخباراتي «البيت الأبيض» الذي كان قد صادق، قبل ذلك، على تحليلات الجيش الإسرائيلي، إلى القول إنه لم يوافق على عملية اقتحام المجمّع، كما انعكس هذا الإحساس بالفشل إلى الإعلام الإسرائيلي نفسه، فتحدث يوسي ميلمان، المحلل العسكري الإسرائيلي البارز، عن إحباطه من الروايات التي قام الجيش الإسرائيلي بحياكتها قائلا إن إسرائيل خلقت «انطباعا بأن معلوماتها الاستخبارية متميزة» ولكنها حين لم يتم العثور على «المختطفين أو على أي إرهابي» تراجع منسوب التصريحات الإسرائيلية إلى القول إن اقتحام الشفاء جاء «لرمزيته بالنسبة لحركة حماس» وخلص ميلمان إلى أن ما حصل سيلحق الضرر بصورة إسرائيل في العالم.
ما تفعله جرافات إسرائيل التي «تحرث» مجمّع الشفاء في هذه اللحظة، هو محاولة انتقامية تحت مزاعم العثور على «مقر قيادة القسام» الذي اختفى مع شبكة أنفاقه الكبيرة، وهو يشبه، بشكل ما، المحاولات البائسة لإيجاد «هيكل سليمان» تحت «المسجد الأقصى» ومحاولات إلغاء الوجود الفلسطيني لفرض كيان إسرائيل.