الجيش الإسرائيلي مبهر جداً في أدائه في غزة حتى الآن، لهذا تبرز حاجة للشروع في بلورة استراتيجية خروج من الحرب.
الهدف الواضح الذي وضعه “الكابينت” هو تفكيك “حماستان”. هدف جدير وصائب وضروري، لكن الهدف الأعلى هو إعادة المخطوفين والمخطوفات كلهم، وليس هناك ما هو أجدر منه. إلى جانب ذلك، اقترح رئيس الوزراء مؤخراً أن يكون الجيش الإسرائيلي بعد الحرب حاضراً في غزة بقدر ما يلزم، وقطع بأنه لن يسمح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى هناك. ويفهم من هذا أن العناية بالسكان الفلسطينيين في غزة، الذين يصل عددهم إلى نحو 2.3 مليون نسمة، ستسلم لجهات أخرى ليست معروفة هويتهم بعد. قوة دولية؟ عربية؟ ناتو؟ كل هذه الخيارات لم تعدّ بعد، واحتمال تحققها متدنٍ. وهكذا، قد تجد إسرائيل نفسها في حضور عسكري طويل المدى في غزة، أي بمثابة قوة احتلال مؤقت، حين يصبح المؤقت دائماً وتصبح إسرائيل عنوان المسؤولية من جانب الولايات المتحدة والعالم الحر عن كل أزمة مدنية واسعة النطاق قد تصل إلى مصيبة إنسانية. إسرائيل لا يمكنها – حتى لو كان هناك من يفكرون بشكل مختلف – أن تتنكر للمسؤولية عن وجود حكم مدني وعسكري، وربما تكون النتيجة عبئاً استراتيجياً يعقد علاقاتنا مع الولايات المتحدة والعالم الحر والدول العربية. إلى جانب ذلك، ها يمنح أعداءنا، وعلى رأسهم إيران، سلاحاً دعائياً شديد القوة ضدنا، في شكل صور قاسية تنشر لوسائل الإعلام في العالم.
إن المخطط الذي قد يخرجنا إلى الطريق القويم في نهاية عملية تدمير حماس هو إقامة إطار دولي بقيادة الولايات المتحدة. يسعى بايدن –وهذا ليس سرياً– لتثبيت مكانة بلاده في الشرق الأوسط كجزء من صراع عالمي لأبناء النور ضد قوى الظلام، ولتعزيز محور السلام. لهذا يوجد مساران، عسكري ومدني، ويدور الحديث عن محور استراتيجي مع مداميك قوية يكون متشكلاً من مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات ودول أخرى. بخلاف ما يفهم من أقوال رئيس الوزراء، يجدر بإسرائيل أن تبلور استراتيجية خروج من الحرب في غزة بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، الجديرة بأن نساعدها ونتعاون معها، وليس فقط كانتماء على وقفتها الصلبة إلى جانب إسرائيل في ساعتها الأصعب. والأهم من هذا، أن المحور الاستراتيجي بقيادة الولايات المتحدة حيوي لأمن دولة إسرائيل واقتصادها ووجودها. بغياب استراتيجية خروج، سيبقى الأفق الذي يطل في هذه اللحظة متكدراً للغاية.
عملياً، ما المطلوب عمله؟ أولاً، على إسرائيل أن تتعاون لإعادة السلطة الفلسطينية للحكم في قطاع غزة كمنطقة مجردة من السلاح. فالسلطة ملزمة بتحمل المسؤولية المدنية في كل المجالات: التعليم، والصحة، وشبكات المياه والكهرباء، وتجنيد المقدرات والتحكم البلدي الشامل. إن عودة السلطة إلى غزة يجب أن تسند بتأييد مكثف من العالم العربي، بخاصة لغرض إعمار شامل للقطاع الذي أبقي تحت حماس في فقر مدقع وكدفيئة للإرهاب. محظور أن يضطر الجيش الإسرائيلي على تخصيص مقدرات لذلك؛ فجل مقدراته يجب أن يجندها كي يتصدى لجملة التهديدات المرتقبة. من المهم الإيضاح: لا يستطيع الجيش الإسرائيلي أن يحكم غزة أمنياً دون مسؤولية مدنية.
لا جدال في أن إسرائيل ملزمة بتدمير حماس وملاحقة زعمائها حتى الإبادة، حسب نموذج تصفية زعماء فتح في أعقاب مذبحة ميونخ في 1972، لكن التحدي المركزي الذي نقف أمامه هو التصدي لمحور الشر برئاسة إيران. إسرائيل بحاجة إلى تعاون دولي بقيادة الولايات المتحدة لإضعاف المحور الإيراني المدعوم أكثر من قوى عظمى كروسيا والصين. إن أحداث الجبهة الشمالية تجسد هذا جيداً: ثمة من يدعون بأن من المهم لإسرائيل أن تبادر إلى هجوم وقائي ضد “حزب الله”، لكن يبدو أن التدرجية هي المرغوبة: أولاً إيقاع الهزيمة بحماس، ثم الاستعداد لتغيير الواقع في لبنان، بالتنسيق مع الولايات المتحدة. نحن في حرب مركبة ومعقدة حيال حماس. نجاحها العسكري في أيدي الجيش الإسرائيلي، لكن إنهاءها الصحيح في أيدي الحكومة – على أمل اتخاذ القرارات الاستراتيجية الصحيحة.