ميل الأحزاب الشيعية العراقية الممسكة بأهم مفاصل السلطة في العراق إلى التفرّد بقراراتها واستخدام مؤسسات الدولة في تصفية حساباتها ضدّ خصومها ومنافسيها، وإطلاقها يد الميليشيات المسلّحة لتهديد الأمن وإحداث البلبلة في بعض المناطق لاسيما في إقليم كردستان، يثير قلق قيادات الإقليم في مرحلة حرجة وكثيرة التعقيدات.
أربيل (العراق) – تراقب قيادات إقليم كردستان العراق بقلق التطورات الأمنية والسياسية في عموم البلاد بما يمكن أن تحمله من انعكاسات سلبية على وضع الإقليم الذي يواجه أصلا عدة تعقيدات اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية.
ونظرت شخصيات كردية إلى إزاحة السياسي السنّي محمّد الحلبوسي من عضوية البرلمان العراقي، باعتبارها جزءا من معركة سياسية أظهرت عودة الأحزاب الشيعية وما يرتبط بها من فصائل مسلّحة إلى التغوّل والانفراد بالسلطة والقبض على زمام مؤسسات الدولة بما فيها القضاء واستخدامها لمصلحتها، بعيدا عن التوافقات مع الأطراف الأخرى والتي تشكّلت على أساسها الحكومة الحالية برئاسة محمّد شياع السوداني.
وحذر رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، الاثنين، من زعزعة الاستقرار وعودة ظهور الطائفية والانقسامات بين المكونات الرئيسية في العراق.
وقال خلال كلمة له في الاجتماع الرابع لمنتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط الذي تستضيفه الجامعة الأميركية بمدينة دهوك، شمالي العراق، إنه إذا ما تواصل فرض القرارات الأحادية واستمرت مجموعة واحدة في إحكام سيطرتها على المؤسسات الحكومية، فإن الشعور بالظلم سيتعاظم وسيشكّل تربة خصبة للعودة إلى عدم الاستقرار “لأن التمرد يتغذى على مثل هذه الظروف”.
ويخضع الإقليم منذ أشهر لضغوط مالية شديدة جرّت وراءها أوضاعا اجتماعية معقّدة بسبب اعتراض قوى شيعية مشاركة في الحكومة العراقية على تمكينه من حصّته من الموازنة الاتّحادية على أساس أنّ حكومته لم تف بتسليم بغداد أموال النفط والمنافذ الحدودية التي بعهدتها.
ومن جهته طالب رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني بـ”العودة إلى أسس الشراكة والتوافق والتوازن التي بني عليها العراق الجديد”، معتبرا أنّ مفتاح استقرار البلاد هو حل مشاكل إقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية، ومطالبا بـ”التفكير في حل مشاكل شعب العراق وليس تحويل العراق إلى
ميدان للحروب”.
وأكد على ضرورة أن “يكون العراق بلد كل المكونات بدون تمييز ليحقق التقدم والاستقرار”، محذرا من أن “التمييز والاختلاف بين المكونات سيضعفان العراق ويؤديان إلى تخلفه”. كما طالب بأن تكون “المكونات كلها مشاركة في القرار السياسي وفي إدارة البلد، وأن لا يشعر أي مكون ومواطن عراقي بالظلم والتمييز”.
وطرأ مؤخرا عامل أمني مكرس للضغوط على إقليم كردستان العراق ويتمثّل في قيام ميليشيات شيعية عراقية موالية لإيران باستهداف مواقع تمركز القوات العراقية بما في ذلك تلك الموجودة على أراضي الإقليم.
ومع تصاعد الحرب في قطاع غزّة قامت الميليشيات الشيعية التي تطلق على نفسها اسم “المقاومة الإسلامية” باستهداف موقعي تمركز القوات الأميركية في كل من قاعدة حرير وقاعدة مطار أربيل.
وكثيرا ما تنظر جهات سياسية كردية إلى أنّ التركيز على القاعدتين يتجاوز بعده الأمني، ويتضمّن رسالة سياسية من جهات شيعية مفادها أنّ أكراد العراق موالون للولايات المتّحدة ويحرسون مصالحها أكثر من ولائهم للبلد والانحياز لمصلحته.
وطالب نيجيرفان بارزاني في وقت سابق حكومة السوداني بعدم السماح للقوى الخارجة عن القانون بخلق مشاكل للعراق، معتبرا أنّ “هذا النوع من الأعمال لن يساعد العراق وليس صحيحا ولا تكمن المصلحة في دخول البلاد في هذه المشاكل”.
وبالنسبة للقيادات الكردية العراقية، فإنّ تلك الميليشيات التي تقول الحكومة العراقية إنها متمرّدة على سلطتها، ليست سوى أذرع لقوى شيعية مشاركة في السلطة تستخدمها ضدّ خصومها عندما يقتضي الأمر.
وسياسيا جاء القرار الأخير الصادر عن المحكمة الاتحادية باستبعاد الحلبوسي من البرلمان ليزيد من تعكير الأجواء ويضاعف ارتياب القيادات الكردية من تحرّكات الأحزاب الشيعية.
وعمليا فإنّ إلغاء المحكمة لعضوية الحلبوسي وبالتالي إزاحته من منصب رئيس البرلمان العراقي، يعتبر استبعادا لطرف سياسي احتاج الإطار السني الشيعي إلى التحالف معه لتشكيل الحكومة عندما كان الإطار تحت ضغط التنافس مع الكتلة البرلمانية التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وعلى هذا الأساس يعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه معنيا بشكل مباشر باستبعاد الحلبوسي كون الحزب نفسه كان إلى جانب الحزب الديمقراطي الكردستاني ضمن التحالف الذي قام بتشكيل حكومة السوداني.
وانتقد القيادي بالحزب هوشيار زيباري الذي سبق له أن شغل منصبي وزير الخارجية ووزير المالية في الحكومة الاتحادية العراقية القرار القضائي بشأن الحلبوسي.
وقال في كلمته للمنتدى إنّ قرار المحكمة الاتحادية العراقية بعزل الحلبوسي عكس ضعف المؤسسات وعدم كفاءتها.
كما اعتبر أن ما يجري في العراق والمنطقة مشجّع على التطرف ومثير لعدم الاستقرار، قائلا “عندما يخرج الوضع عن السيطرة يسير الناس في اتجاه مختلف.. وللأسف في العراق نحن أمام عدم استقرار. والقرار الأخير للمحكمة الاتحادية بإقالة الحلبوسي يخلق استقطابا ومشاكل، وكان غير عادل حقا وغير قانوني. وهذا يدل على ضعف المؤسسات وعجزها في هذا الوقت، خصوصا ونحن ننتظر الانتخابات”.
وسبق لزيباري نفسه أن استُبعد بقرار من المحكمة الاتّحادية العراقية من المنافسة على منصب رئيس الجمهورية العراقية وهو القرارالذي قارنه القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبدالكريم بقرار استبعاد الحلبوسي، معتبرا كلا القرارين مسيّسين وأنهما محض تصفية حسابات سياسية ضدّ سنّة العراق وأكراده، ومحذّرا من أنّ “ما يصدر عن المحكمة الاتحادية يمكنه إحداث فوضى في العراق”.
العرب