واشنطن – يبعث موظفو الحكومة الفيدرالية، من وزارة الخارجية إلى ناسا، رسائل مفتوحة تطالب الرئيس جو بايدن بالسعي إلى وقف إطلاق النار في حرب غزة. ويرفع موظفو الكونغرس أصواتهم أمام مبنى الكابيتول لإدانة ما يؤكدون أنه صمت من قبل المشرعين على الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
ويواجه بايدن وأعضاء الكونغرس تحديات عامة غير عادية من الداخل بشأن دعمهم للهجوم الإسرائيلي مع ارتفاع عدد القتلى في غزة. ويتوافد المئات من الموظفين في الإدارة وفي كابيتول هيل للتوقيع على رسائل مفتوحة، ويتحدثون إلى الصحافيين وينظمون وقفات احتجاجية، في محاولة لتحويل سياسة الولايات المتحدة نحو اتخاذ إجراءات تكبح الخسائر البشرية الفلسطينية.
وقال أحد موظفي الكونغرس للحشد خلال احتجاج هذا الشهر “لا يستمع أغلب رؤسائنا في كابيتول هيل إلى الأشخاص الذين يمثلونهم”. وتجمّع حوالي 100 من المساعدين في الكونغرس وهم يرتدون أقنعة طبية تحجب وجوههم، ووضعوا الزهور أمام الكونغرس لتكريم المدنيين الذين قتلوا في الصراع.
رسالة مفتوحة شملت توقيع 650 موظفا من خلفيات دينية متنوعة، تحثّ على الضغط للحد من خسائر المدنيين في الحرب
وتنبع اعتراضات الموظفين الفيدراليين على الدعم العسكري لإسرائيل جزئيا من التغيرات التي يشهدها المجتمع الأميركي على نطاق أوسع. وبينما تجمع الولايات المتحدة أعراقا متنوعة، يمتد هذا الخليط إلى القوى العاملة الفيدرالية، التي تشمل أشخاصا من خلفيات إسلامية وعربية.
وتظهر استطلاعات الرأي أن هناك تحوّلا في الرأي العام حيال إسرائيل، التي تعدّ حليفة الولايات المتحدة، مع تعبير الكثيرين عن عدم رضاهم عن الحكومة اليمينية المتشددة التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
واعترض عدد كبير من الأميركيين على دعم الحملة العسكرية الإسرائيلية بعد أسابيع من رؤية صور الأطفال المضرجين بالدماء والعائلات الهاربة في غزة. وبلغ الأمر الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن.
وأبرز استطلاع للرأي أجرته وكالة أسوشيتد برس مع مركز نورك لأبحاث الشؤون العامة في مطلع نوفمبر الجاري أن 40 في المئة من الأميركيين يرون أن رد فعل إسرائيل في غزة تجاوز الحدود. وهزت مشاهد الحرب مشاعر الطلاب في الجامعات وأثارت احتجاجات في مختلف مناطق البلاد.
وقال موظفون إن رسالة مفتوحة شملت توقيع 650 موظفا، من خلفيات دينية متنوعة ومن أكثر من 30 وكالة فيدرالية، حتى أواخر الأسبوع الماضي، تحث على الضغط للحد من خسائر المدنيين. وتتراوح الوكالات من المكتب التنفيذي للرئيس إلى مكتب الإحصاء ووزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الدفاع.
وقال أحد السياسيين الذين عينهم بايدن شخصيا، وساعد في صياغة الرسالة المفتوحة متعددة الوكالات، إن رفض الرئيس للنداءات التي تطالبه بدفع نتنياهو إلى فرض وقف لإطلاق النار طويل الأمد جعل بعض الموظفين الفيدراليين يشعرون بأنهم يُتجاهلون. وأضاف “لهذا السبب يعتمد هؤلاء برقيات الاستياء والرسائل المفتوحة؛ لقد جربنا بالفعل سبل التحرك داخليا”.
وتدعو الرسالة الولايات المتحدة إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس وسراح الفلسطينيين الذين يقول الموقعون إنهم محتجزون ظلما في إسرائيل، بالإضافة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات لصالح المدنيين في غزة.
وقال بعض المسؤولين والموظفين الحاليين والسابقين إن طبيعة التحديات العامة التي يواجهها الموظفون الفيدراليون تعدّ غير معتادة. ويشعر البعض بالقلق، بسبب تشكيلها تهديدا محتملا للوظيفة الحكومية والتلاحم داخل الوكالات.
وتتبع وزارة الخارجية تقليدا جيّدا يسمح بإصدار بيانات رسمية ومنظمة تعبر عن المعارضة لسياسة الولايات المتحدة. ويعود تاريخها إلى 1970، حين قاوم الدبلوماسيون الأميركيون مطالبة الرئيس ريتشارد نيكسون بطرد مسؤولي الخدمة الخارجية وغيرهم من موظفي وزارة الخارجية الذين وقعوا على خطاب داخلي احتجاجا على القصف الأميركي الشامل لكمبوديا.
واعتمد موظفو الخدمة الخارجية وموظفو الخدمة المدنية منذ ذلك الحين ما يعرف بقناة المعارضة في لحظات النقاش السياسي المكثف. ويشمل ذلك انتقادات طالت إدارة جورج دبليو بوش بسبب شنها الحرب على العراق، وسياسات إدارة أوباما في سوريا، والقيود التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على الهجرة من الدول ذات الأغلبية المسلمة، وطريقة تعامل إدارة بايدن مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان في 2021. لكن برقيات المعارضة الموقعة سرية وليست للنشر العلني.
وقال توماس شانون، ضابط الخدمة الخارجية المتقاعد الذي خدم في مناصب عليا بوزارة الخارجية، إذا “لم يؤخذ النقد أو الشكوى بعين الاعتبار لسبب ما، أو لم يُعتبر كافيا لتغيير السياسة، فهذا يعني أن الوقت قد حان للانتقال إلى شيء آخر. وهذا ما يحدث. لقد حان وقت التحية والتنفيذ”.
وشغل شانون منصب وزير خارجية بالنيابة في إدارة ترامب لفترة قصيرة. وقاوم توصية من المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر بأن يستقيل موظفو وزارة الخارجية الذين وقعوا على برقية معارضة لما يسمى حظر المسلمين الذي فرضه الرئيس.
وقال شانون إن التنوع المتزايد في القوى العاملة بوزارة الخارجية يعد أمرا إيجابيا، ولكن “الانضباط يبقى مهما في الخدمة الخارجية كما في الخدمة العسكرية”. وشدد في الأثناء على الحاجة إلى سياسة خارجية متسقة ومتماسكة.
ويقول مسؤولو وزارة الخارجية إن العديد من التعبيرات المعارضة مرّت عبر القنوات الرسمية وبلغت وزير الخارجية أنتوني بلينكن.
واستقال في أواخر الشهر الماضي أحد مسؤولي وزارة الخارجية، وهو جوش بول الذي شغل منصب مدير العلاقات العامة والمفاوضين في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية في وزارة الخارجية مدة 11 عاما. وكان تحركه احتجاجا على اندفاع الإدارة إلى توفير الأسلحة لإسرائيل.
واختلفت الخطوات الأخيرة عن برقيات المعارضة، حيث نُشرت رسالة مفتوحة شملت ممضين من وكالات متعددة وأخرى أيدها أكثر من ألف موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، دون تحديد الهويات. وتدعو الرسالة التي يدعمها ألف موظف إلى وقف فوري لإطلاق النار.
العرب