يحاول رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني التخفيف من الضغوط التي تمارس ضد حكومته في شأن ملف وجود القوات الأميركية وعموم التحالف الدولي الذي شكل لمكافحة تنظيم “داعش” عبر الإعلان عن خطوات لإنهاء هذا الوجود خلال الفترة المقبلة.
وجاء إعلان السوداني عن هذا التوجه في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإسباني بيدرو سانشيز خلال زيارة الأخير بغداد لمدة يومين، والذي تشارك بلاده في التحالف الدولي، معبراً عن رفضه “الاعتداءات العدائية” تجاه القواعد العراقية، محذراً من أنها تؤثر في استقرار البلد.
واعتبر السوداني أن وجود قوات التحالف الدولي ضد “داعش” يجب أن يكون ضمن إطار الدعم والمشورة، مؤكداً قدرة حكومة بلاده على حفظ البعثات الدبلوماسية وحمايتها.
استجابة للضغوط
وتبدو تصريحات السوداني من قبيل الاستجابة لبعض الضغوط التي مارستها القوى الشيعية المكونة للإطار التنسيقي والتي تملك جماعات مسلحة، بعد الهجمات الأخيرة التي شنتها القوات الأميركية على مقار لـ”كتائب حزب الله” العراقية في ناحية جرف الصخر شمال بابل، ومقار أخرى للكتائب في مدينة الحلة عاصمة محافظة بابل.
وصعدت الفصائل الشيعية الحليفة لإيران من هجماتها الإعلامية ضد الحكومة وانتقدت بياناتها الأخيرة التي وصفت هجمات هذه الفصائل على مطار أربيل والقواعد العسكرية التي توجد فيها قوات أميركية بـ”الخارجة عن القانون”، معتبرة خطاب الحكومة محاولة لتبرير الغارات الأميركية الأخيرة على مقارها.
مصلحة العراق
في السياق، اعتبر مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن “خروج قوات التحالف الدولي ليس من مصلحة العراق”، مستبعداً في الوقت نفسه خروج هذه القوات في الوقت الحالي. وقال إن “قوات التحالف الدولي التي تشكلت في عام 2014 بعد احتلال (داعش الإرهابي) ثلث الأراضي العراقية وإعلان (دولة الخلافة في العراق والشام) جاء من أجل تقويض وتفكيك المنظمة الدولية الخطرة التي تشكلت في العراق والشام وعدد من الدول الأخرى مثل أفغانستان ومالي وموزمبيق والجزائر وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية والإسلامية”.
الانتصار العالمي
ورأى فيصل أن “قوات التحالف الموجودة اليوم المكونة من أكثر 83 دولة في العالم بقيادة الولايات المتحدة لن تخرج من العراق وسوريا والشرق الأوسط عموماً قبل تحقيق الانتصار الكامل على المنظمات الإرهابية”، مبيناً أن “هذه المنظمات تعصف بالأمن والاستقرار وتهدد المصالح الدولية، خصوصاً بالنسبة إلى الدول الصناعية والعالم الرأسمالي من خلال التفجيرات وأعمال العنف في مختلف دول العالم، خصوصاً التمدد في أفريقيا وآسيا عموماً”.
واعتبر فيصل أن “وجود قوات التحالف الدولي بالعراق مرهون بتحقيق الانتصار العالمي على (داعش) كون الإرهاب مترابطاً في جغرافيته”، مستبعداً “خروج القوات الأميركية من العراق وسوريا في وقت تعصف بالمنطقة حروب خطرة وتهديدات للأمن واستقرار الطاقة”.
منطقة حيوية
ولفت مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية إلى أن “منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تشكل مجالاً حيوياً استراتيجياً للاقتصاد العالمي باعتباره سوقاً مهمة تمتد من تركيا إلى العراق وسوريا والأردن ولبنان ومصر وبلدان الخليج العربي”، مبيناً أن “مسألة خروج القوات الأميركية لا ترتبط فقط بالعلاقات العراقية – الأميركية، وإنما بالموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة وضمان الأمن والاستقرار”.
و”في حال خروج القوات الأميركية من العراق فهي موجودة في الخليج العربي ولديها قواعد في الكويت، وقطر، والأسطول الخامس في البحرين ولديها قاعدة في الإمارات، فضلاً عن ثماني قواعد في تركيا، ولذلك ستستمر في مواجهة حلفاء إيران بالعراق”، بحسب فيصل الذي أشار أيضاً إلى أن “اغتيال الجنرال (قاسم) سليماني لم يتم من داخل العراق، وإنما من خلال الطائرات المسيرة خارج الحدود، إضافة إلى اغتيال كثير من الشخصيات كقيادات (داعش)، والشخصيات التي تعدها الولايات المتحدة معادية لها”.
كذلك استبعد الباحث السياسي علي بيدر أن “تفرط الولايات المتحدة بالعراق كشريك استراتيجي”. وقال إن “عام 2014 شهد إنشاء التحالف الدولي، إلا أن كثيراً من تفاصيل تشكيل هذا التحالف غير مكشوفة، وهذه الأمور تجعل وجود هذه القوات مريباً لبعض الأطراف السياسية”. وأضاف بيدر أنه “من المفترض أن يكون العمل الآن لوجيستياً واستخبارياً، لا سيما بعد إنهاء الأعمال القتالية كون أن القوات الأمنية العراقية باتت قادرة على خوض معارك مع ما تبقى من فلول الإرهاب وفق واقع أمني جديد ورؤية مؤسساتية”، مبيناً أن “رئيس الوزراء يقصد هنا الوجود القتالي للتحالف الدولي”.
طلب صعب
ولفت البيدر إلى أنه “من الصعب الطلب من الولايات المتحدة الانسحاب كون وجودها بالعراق ينطوي على أهمية كبيرة بحكم موقع العراق الجيوسياسي، فضلاً عن أنه يقلل من ثقل الوجود الإيراني بالعراق ويضغط على طهران بصورة متواصلة”.
الجانب الاستخباري
بدوره يرى المستشار العسكري صفاء الأعسم أن “العراق غير محتاج إلى قوات التحالف الدولي، إذ إن المعركة مع (داعش) انتهت منذ عام 2017″، مبيناً أن “ما يحتاج إليه العراق هو الجانب الاستخباراتي”.
وقال الأعسم أن “العراق منذ أكثر من عامين لم يعد في حاجة إلى وجود قوات التحالف الدولي. والمعركة الآن باتت ما بين القوات العراقية والعناصر الإرهابية هي معركة استخباراتية أمنية بعدما تمت عمليات التحرير في منتصف عام 2017″، مبيناً أن “المؤسسة العسكرية العراقية بكل صنوفها قادرة على أن تحمي البلد لعدم وجود تدخل من قبل الولايات المتحدة التي يقتصر دورها على حماية سماء العراق وضمان عدم دخول التنظيمات الإرهابية إلى الأراضي العراقية”. ولفت إلى أن “المؤسسة العسكرية العراقية قادرة على إنهاء الإرهاب، بخاصة أن (داعش) يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل العراق”، مشيراً إلى أن “العراق يستفيد حالياً من الجانب الاستخباري لقوات التحالف والتسليح الغربي، بسبب ضعف الجانب التسليحي والاستخباري لديه”.
واكد الأعسم أن “العراق في حاجة إلى الخبراء والتسليح والاستشارة لأن السلاح يتطور، ونحتاج إلى هؤلاء الخبراء والمستشارين”.