يبدو أن تصاعد حدة الأحداث الأخيرة نتيجة للهجوم الذي أودى بثلاثة جنود أمريكيين والنتائج الخطيرة جراء الرد الأمريكي في العراق وسوريا، لم يثن الكثير من العراقيين عن انتظار إعلان نتائج الحوار الثنائي الأمريكي ـ العراقي الخاص بإنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، في ظل حالة من الضبابية المتعمدة بين الجانبين، نتيجة لغياب واضح وصريح للتفاصيل، فيما يتعلق بطبيعة العلاقة القائمة بين واشنطن وبغداد، نتيجة للأسلوب والطريقة التي بنى من خلالها النظام السياسي العراقي الجديد بعد غزوه في 2003، والتي لم تنته بعد من إثارة العديد من التساؤلات والمخاوف من عودة الانقسام بين المكونات الثلاثة التي رسمها الدستور الجديد، نظرا للإشكالية الطائفية والقومية التي تضمنها هذا الدستور، والألغام التي تضمنتها بنوده من جهة، وحجم التفاوت في علاقة الولايات المتحدة والغرب بين المركز وإقليم كردستان الذي لازال يتمتع بعلاقات خاصة، نظرا لأهميته الاقتصادية والجغرافية التي تشارك حدود تركيا وإيران وسوريا.
وقد لا يبدو هذا التفاوت في هذه العلاقة أمرا غريبا للكثير من العراقيين، نتيجة للأهمية التي تبديها الولايات المتحدة لهذا الإقليم العراقي. حيث يعود للغرب الدور المهم في تحويله وتطويره منذ عدة عقود إلى كيان شبه مستقلّ، وساهم في الحفاظ على مستوى رفيع من التواصل مع القيادات الكردية، بالرغم من اختلاف الأنظمة التي حكمت العراق.
وهذا ما يمكن فهمه من خلال تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية المتعلقة بالحوار الثنائي الخاص بإنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق.
يرى الكثيرون من متتبعي الأحداث في العراق، مدى وضوح القيود والشروط الأمريكية للخروج بحل لمغادرة العراق، تتمثل بالمخاوف من عودة تنظيم «الدولة» (داعش) وتهديها للمكون الكردي، الذي تربطه علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة. حيث ساهم هذا التواجد في حماية الأكراد منذ عام 2014 غداة سقوط مدينة الموصل، عندما اقترب مسلحو تنظيم «الدولة» على بعد أميال قليلة من مدينة أربيل.
الأهداف القومية
لا شك أن استمرار مهمة التحالف الدولي والإبقاء على جزء من الوجود الأمريكي، يصب في صالح إقليم كردستان طالما لم يتم تحقيق الأهداف التي تصبو إليها القيادة الكردية، فيما يتعلق بتقاسم واردات النفط والاختلاف في الرؤى والأهداف القومية في علاقتها مع الحكومة الاتحادية التي بدورها ترى في مهمة إنهاء التواجد الأمريكي والغربي على إقليم كردستان، العامل المهم في بسط النفوذ على كركوك والمناطق المتنازع عليها، وهذا ما يصب في الوقت نفسه لصالح الجانب الإيراني، الذي يرى في زيادة دائرة التأثير والاستقلال الاقتصادي لإقليم كردستان بمثابة العدوى التي قد تنتقل الى المناطق الكردية في إيران.
وهذا ما قد يعتبره الكثيرون مظهرا آخر للضغوط الأمنية والعسكرية التي يتعرّض لها الإقليم، والتي قد ترفع من أهمية الاستمرار في إدامة التحالف الغربي ـ الكردي الذي ونتيجة لهذه التطورات، يمكن أن يتحوّل إلى مركز نفوذ رئيسي وتواجد عسكري بديل في حال اضطرّت الإدارة الأمريكية إلى سحب قواتها من باقي القواعد المنتشرة في باقي مناطق العراق، في ظل استمرار الخلاف السياسي والاقتصادي بين الحكومة المحلية وحكومة إقليم كردستان واستمرار تصعيد الميليشيات الذي أصبح مسرحا لتصفية الحسابات بين القوى المحلية والإقليمية.
الأزمة المالية الحادة
وهنا لابد من الإشارة إلى أن تفاقم الأزمة المالية الحادة للموازنة العامّة للدولة بين حكومة المركز والإقليم والأحداث الأخيرة التي مثلها القصف الإيراني لمدينة أربيل، على الرغم من إدانة الحكومة العراقية، التي يراها البعض على أنها إدانة رمزية أتت من باب التأكيد على حرص وتمسك الدولة العراقية على سيادة أراضيها في كردستان كونه إقليما تابعا للعراق الواحد، وهو بالتالي إشارة للكرد وللغرب الذي لازال يحاول إخراج هذا الجزء من البلد من إطار سيادة الدولة العراقية.
وبانتظار النتائج النهائية للحوار الثنائي الأمريكي ـ العراقي الخاص بإنهاء مهمة التحالف الدولي، يبدو واضحا وانطلاقا من المعطيات الجديدة على الساحة العراقية والإقليمية، الخروج باتفاق جديد لرسم جدول زمني واضح، يحدد وجود المستشارين ومناطق تواجدهم، ليظهر بوضوح حجم وشكل التواجد الأمريكي والغربي الباقي في العراق، إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات وزارة الدفاع الرسمية الأمريكية التي أعلنت أن ليس هناك انسحاب وشيك للقوات الأمريكية من العراق على رقعة شطرنج إقليمية ودولية معقدة ومضطربة، ليست لصالح الطرف الأمريكي والغربي على حد سواء نتيجة للتفاوت السياسي والإيديولوجي في علاقته الغامضة مع الحكومة الاتحادية من جهة وعلاقته الوثيقة مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق.