معمر فيصل خولي
بأول زيارة له منذ توليه رئاسة جمهورية إيران في آب/ أغسطس عام 2021م ، وبدعوة رسمية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبعد تأجيلها لمرتين على التوالي، توجه يوم الأربعاء الفائت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى أنقرة للقاء نظيره التركي. تأتي أهمية هذه الزيارة للتأكيد على طابع الشراكة في علاقاتهما الثنائية في بيئة إقليمية غير مستقرة عسكريا وأمنيًا، منها الحرب على غزة، والعمليات العسكرية والأمنية التركية ضد عناصر حزب العمال الكردستناني في شمالي العراق، والاعتداء على كارمان جنوبي إيران، وقصف الحرس الثوري الإيراني مدينة أربيل، والقصف المتبادل بين طهران وإسلام آباد”.
فالشراكة التي تأسست بين تركيا وإيران في السنوات الأخيرة تجمع بين التنافس والتعاون، فهما تتنافسان في بيئة جيوسياسية تبدأ من سوريا مرورًا في العراق وصولًا إلى جنوب القوقاز. وتتعاونان في الجانب الاقتصادي والأمني خاصة إذا كان ذلك يتعلق بالطموحات الكردية ذات النزعة الاستقلالية” الانفصالية”. لذلك تعاونتا للحيلولة دون انفصال كردستان العراق، بعد أن أجرت حكومة الإقليم في 25 أيلول/سبتمر عام 2017م استفتاءا للانفصال.
فتركيا عبرت عن رفضها على مستويات متعددة، حيث أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة رفض الاستفتاء الكردي، وفي حينها استقبلت هيئة الأركان التركية، رئيس الأركان الإيراني، اللواء محمد باقري، في أول تحرك خارجي على هذا المستوى منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، فعلى جانب آخر استقبل رئيس الأركان التركي آنذاك، خلوصي آكار نظيره العراقي آنذاك، الفريق أول عثمان الغانمي، وذلك للتباحث حول سبل التعاطي مع التحدي الكردي، كما تموضعت المدفعية التركية بالقرب من إقليم كردستان عبر مناورات في منطقة سلوبي التي تبعد عن حدود الإقليم بنحو 2 كم، وذلك لإجراء مناورات عسكرية في الفترة من 18 إلى 26 أيلول/ سبتمبر عام 2017م، أي لما بعد الاستفتاء، في رسالة واضحة قُصد منها الإيحاء بأن تركيا تهدد إقليم العراق الشمالي. تلى ذلك رفع أنقرة درجة الاستعداد العسكري على الحدود مع العراق. وفي الاتجاه ذاته، انعقد مجلس الأمن القومي التركي، الذي أكد أن الاستفتاء الكردي غير دستوري.
كما علقت تركيا الرحلات الجوية من أربيل والسليمانية. واستؤنفت رحلات أربيل مجددًا في آذار/مارس عام 2018، ولكن تم تمديد الحظر على رحلات السليمانية لغاية تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 بسبب مزاعم أنقرة بأن “الاتحاد الوطني الكردستاني” كان يدعم نشاط “حزب العمال الكردستاني” في إقليم كردستان العراق. بالإضافة إلى ذلك، لم تُستأنف الرحلات الجوية إلا بعد تدخُّل رئيس العراق السابق برهم صالح.
أما إيران، فقد نشرت قوات ومعدات عسكرية إضافية على الحدود مع شمال العراق، وجعلتها عمداً تتنقل عبر الأراضي الإيرانية الكردية في وضح النهار بمثابة إظهار القوة أمام الجماهير في البلاد وخارجها. وتتماشى عمليات النشر هذه مع موقف إيران المتشدد إزاء المضي قدماً في التصويت على الاستفتاء، حيث أشارت القيادة السياسية والفروع العسكرية صراحةً إلى أن النتيجة غير مقبولة. ويبدو في حينها أن إيران كانت تلتمس مساعدة حكومة العراق الاتحادية وتركيا في التحضير لتصعيدٍ محتمل ضد «حكومة إقليم كردستان».
,في أعقاب الاستفتاء، أجرت إيران اتصالات رفيعة المستوى مع بغداد وأنقرة بوتيرة لم يسبق لها مثيل. وفي 4 تشرين الأول/أكتوبر عام 2017م، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة نادرة إلى طهران اجتمع خلالها بالمرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني. وخلال الزيارة، وصف خامنئي الاستفتاء بأنه “خيانة للمنطقة بأسرها”، وحذّر من عواقب طويلة الأمد يجب معالجتها باستخدام “كافة الوسائل الممكنة”.
أما اقتصاديًا ولأن الاقتصاد يشكل محورا بارزا في السياسة الخارجية لكل من تركيا وإيران، لذلك نرى أن الدولتين حريصتان على تعاونهما الاقتصادي على الرغم من تنافسهما الجيوسياسي، لأنه يشكل مكاسب اقتصادية لهما، فتركيا ترى أن إيران تشكل مصدرًا مهمًا لتزويدها بالنفط الخام والغاز الطبيعي، ومصدراً ضرورياً لأمنها في مجال الطاقة وجهودها الهادفة إلى تنويع نشاطها الاقتصادي. وتشكّل إيران أيضاً سوقًا مهمة للصادرات التركية غير النفطية، نظرًا إلى عدد مواطنيها الكبير . إضافةً إلى ذلك، تضطر تركيا على نحوٍ متزايد إلى استخدام إيران بمثابة طريق عبور إلى أسواق آسيا الوسطى.
أما إيران، فترى في تركيا أنها الدولة المستوردة الأكبر للغاز الطبيعي الإيراني ومستوردة أساسية للنفط الخام الإيراني. وتُشكّل تركيا إلى إيران بوابة اقتصادية للوصول في المستقبل إلى أسواق الطاقة النفطية وغير النفطية في أوروبا. فعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، تعد تركيا من الشركاء التجاريين الثلاثة الأوائل لها، حيث جاءت في المركز الثالث في قائمة مصدري السلع إلى إيران ومستورديها من تاريخ 21 آذار/مارس 2022م إلى 20 آذار/مارس 2023م، حيث بلغت قيمة الصادرات التركية إلى إيران 6 مليارات و99 مليون دولار، فيما بلغت قيمة وارداتها منها 7 مليارات و359 مليون دولار. وتهدف تركيا وإيران في المضي إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية، من خلال رفع حجم التجارة الثنائية بينهما إلى 30 مليار دولار أمريكي في السنوات القادمة. الاقتصاد يكتسب أهمية بوصفه قضية ملحة في صنع وتنفيذ السياسة الخارجية.
تأسيسًا على ما تقدم، يمكن القول أن تركيا وإيران نجحتا لغاية الآن في تغليب المصالح المشتركة على القضايا الخلافية التي بينهما، ولعل مرد ذلك يعود إلى الإدراك المتبادل، بأن كل من تركيا وإيران قوتان لهما توجهاتهما في بيئتهما الإقليمية، ليس بوسع أي دولة منهما تهميش الأخرى في سياق المصالح الإقليمية، لذلك علاقاتهما الثنائية تحكمها مبادىء الشراكة ” التعاون والتنافس” في العلاقات الدولية. كما أن “لا صلاة من دون وضوء”، كذلك من الصعوبة بمكان تحليل العلاقات التركية الإيرانية بعديدًا عن ذلك الادراك المتبادل.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية