بغداد – فتح قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق إدخالَ تعديلات على القانون الانتخابي لبرلمان كردستان العراق الباب لإجراء الانتخابات التي أثار تأجيلها لعدّة مرّات القلق من إطالة أمد الوضع الاستثنائي وتأثيراته المحتملة على استقرار الإقليم الذي تحفّ به تهديدات كثيرة من محيطه العراقي والإقليمي وتخترقه من الداخل صراعات بين القوى المشكّلة لمشهده السياسي.
كما أوجدت المحكمة أرضية لحلحلة قضية رواتب موظفي الإقليم عبر قرار يقضي بقيام السلطات الاتّحادية العراقية بدفعها مباشرة إلى مستحقيها دون إرسال الأموال المخصصة لها إلى حكومة الإقليم. وتسبب تأجيل المحكمة للنظر في طعون على مواد في القانون الانتخابي تقدّمت بها أحزاب كردية في مقدمتها حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني لإحدى عشرة مرّة متتالية، بإرجاء موعد الانتخابات التي كان يفترض أن تجري في شهر فبراير الجاري وذلك لتشكيل برلمان جديد بعد أن انتهت الفترة القانونية لسابقه منذ نوفمبر 2022 ورَفض القضاء العراقي قرارا صدر عنه بتمديد دورته النيابية.
ونجم عن ذلك وضع استثنائي أثار قلق العديد من الجهات والشخصيات السياسية بسبب تعطّل سلطة القرار في الإقليم، وهو ما عبّر عنه السياسي الكردي لاهور الشيخ جنكي بالقول إن المؤسسة التشريعية معطلة والحكومة باتت حكومة تصريف أعمال، في حين أن المجتمع الدولي يأمل في أن يسير إقليم كردستان العراق نحو بناء إدارة جيدة وقوية. وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الأربعاء، قرارا بعدم دستورية عبارة في قانون انتخاب برلمان إقليم كردستان.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية العراقية عن رئيس المحكمة جاسم العميري خلال قراءته قرار المحكمة قوله إنه “تقرر عدم دستورية عبارة 11 في المادة الأولى من قانون انتخاب برلمان كردستان لسنة 1992 المعدّل”. ووفق المصدر ذاته أصبح النص كالآتي “تكوّن أعضاء مجلس نواب الإقليم من 100 عضو”. وأضاف “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تَحلّ بدلا من الهيئة العليا لانتخابات إقليم كردستان، لإدارة انتخابات الإقليم”.
وتابع العميري “يقسّم إقليم كردستان إلى عدّة دوائر على ألا يقل ذلك عن 4 مناطق في الانتخابات”. وأعلن أنه بات “على كل كيان سياسي في الإقليم تقديم قائمة خاصة به”، وأن “لا تقلّ نسبة النساء فيه عن 30 في المئة”. وكان برلمان إقليم كردستان العراق يتألف قبل صدور القرار من 111 مقعدا، 11 منها مخصصة للمكونات بموجب نظام الحصص (الكوتا) بواقع خمسة مقاعد للتركمان، وخمسة مقاعد للمسيحيين الكلدان والسريان والآشوريين، ومقعد واحد للأرمن.
وتقول أكثر من جهة محلية بالإقليم كانت تقدمت باعتراض إلى المحكمة الاتحادية إنّ هناك خللا بالقانون الانتخابي المعمول به سابقا يتمثل في عدم توزيع مقاعد الكوتا بعدالة على محافظات السليمانية ودهوك وأربيل. ومن جهتها لا ترغب المكونات المعنية في تغيير القانون الانتخابي كونها تستفيد من الطريقة الحالية في توزيع مقاعد مكوّناتها بالبرلمان. ويفضي قرار المحكمة الاتحادية العراقية إلى تقليص عدد أعضاء برلمان الإقليم من 111 عضوا إلى 100 عضو بإزالة مقاعد الكوتا التي كانت مخصصة للكلدان والآشوريين والسريان والأرمن إضافة إلى التركمان.
وكانت مسألة مقاعد الكوتا موضع تنازع بين قطبي السلطة في الإقليم؛ حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. ويعتبر الاتّحاد أن غريمه الديمقراطي هو من يستفيد بشكل شبه آلي من المقاعد المخصصة للأقليات كون شاغلي تلك المقاعد لا يمثّلون سوى محافظتي أربيل ودهوك الواقعتين ضمن مناطق نفوذه.
ويبرّر سعدي بيره المتحدث باسم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني رفع الحزب لدعوى إلى المحكمة الاتّحادية العراقية بشأن قانون الانتخابات بأنّ الاتحاد “سجل تلك الدعوى كي تتمكن الأقليات في الإقليم من انتخاب ممثليها الحقيقيين وعدم استغلالهم من قبل أي طرف سياسي”. ويُعتبر إقليم كردستان العراق الذي يتمتّع بحكم ذاتي وقفت الولايات المتّحدة الأميركية بشكل رئيسي وراء إنشائه بعد إسقاطها النظام العراقي السابق باستخدام القوّة العسكرية، شريكا مهمّا للعديد من القوى الدولية.
وعلى خلاف باقي المناطق العراقية تمتّع الإقليم طيلة الفترة التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق بحالة من الاستقرار والرخاء الاقتصادي. لكن تلك الحالة بدأت في التراجع خلال السنوات الأخيرة بفعل ظهور مشاكل مالية واقتصادية وتواتر التهديدات للإقليم سواء من قبل قوى سياسية وفصائل مسلّحة ذات نفوذ كبير ومشاركة في حكم العراق، أو من قبل الدولتين المجاورتين إيران وتركيا، فضلا عن شدّة التجاذبات والصراعات بين القوى السياسية داخل الإقليم ذاته.
◙ ضغوط داخلية وإقليمية وصراعات سياسية أفقدت كردستان العراق استقراره ورفاهه الاستثنائيين اللذين تميزا بهما لسنوات
وخلال السنوات الأخيرة شكّلت الخلافات الحادّة بين بغداد وأربيل بشأن حصة إقليم كردستان من الموازنة الاتّحادية وتعطّل حصول الإقليم على تلك الحصّة ضغوطا شديدة على سلطاته بسبب تأثيرات ذلك على الأوضاع الاجتماعية وعدم القدرة على دفع رواتب الموظفين في آجالها المحدّدة.
وتتّهم دوائر سياسية كردية القوى السياسية الشيعية المتحكّمة في زمام السلطة الاتّحادية باتخاذ المسألة المالية وسيلة للضغط على الإقليم وقيادته على خلفيات سياسية تتصّل بالصراع بين إيران التي تدين لها تلك القوى بالولاء والولايات المتّحدة الأميركية الحليفة لأبرز قيادات الإقليم.
وجاء قرار المحكمة الاتحادية بشأن مسألة الرواتب ليساهم في فكّ الانسدادات المهدّدة لإقليم كردستان العراق، حيث أمرت المحكمة بدفع رواتب موظفي الإقليم مباشرة، ومن دون إرسالها إلى سلطاته. وجاء القرار إثر دعوى تقدّم بها محامون وموظفون من السليمانية ثاني أكبر مدن إقليم كردستان حيث يشنّ معلّمون إضرابا ويتظاهرون منذ أسابيع نتيجة عدم تلقيهم مستحقاتهم للأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2023.
وكانت الحكومة الاتحادية وافقت في سبتمبر الماضي على الإفراج عن مبالغ إضافية لإقليم كردستان من أجل تسديد رواتب موظفيه، تدفع على ثلاث دفعات كلّ منها بقيمة 700 مليار دينار (حوالي 530 مليون دولار). وألزم رئيس المحكمة جاسم العميري في الحكم، بغداد “بتوطين رواتب” جميع موظفي الإقليم بكافة الوزارات والمؤسسات العامة، فضلا عن المتقاعدين والمستفيدين من الرعاية الاجتماعية، “لدى المصارف الحكومية الاتحادية العاملة خارج الإقليم”.
وأوضح أن هذه المدفوعات “تخصم من حصة الإقليم المحددة بموجب قانون الموازنة لهذه السنة وللسنوات القادمة”. وأضاف القاضي أنه ينبغي على كل الجهات المعنية بهذه الآلية الجديدة تنفيذ القرار “دون الرجوع” إلى سلطات الإقليم. ويلزم القرار كذلك أربيل “بتسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية”، فارضا كذلك تدقيقا على البيانات الخاصة بتلك الإيرادات.
وكانت لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة لسنوات متأتية من صادراته النفطية. لكن منذ مارس 2023، توقّفت تلك الصادرات نتيجة لقرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات النفط من كردستان. وينبغي إثر هذا القرار أن تمرّ مبيعات نفط الإقليم عبر الحكومة الاتحادية في بغداد، مقابل نسبة في الموازنة الاتحادية تخصص لإقليم كردستان. وبعد نحو عام من تعليقها، لا تزال الصادرات النفطية من إقليم كردستان متوقفة. لكن لا يزال الإقليم الذي يملك حدودا مع سوريا وإيران وتركيا يتلقى إيرادات عدة منافذ حدودية تحت إدارته.
العرب