انسحاب بايدن يمنح الديمقراطيين فرصة جديدة لكن الغموض يثير مخاوفهم

انسحاب بايدن يمنح الديمقراطيين فرصة جديدة لكن الغموض يثير مخاوفهم

شهد السباق الى البيت الأبيض تحوّلين كبيرين خلال مدة قصيرة لم تتجاوز ثمانية أيام، ما أعاد الزخم إلى المنافسة وتسبب بخلط الأوراق قبل الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر. فقد تعرّض الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب لمحاولة اغتيال في 13 يوليو، وأعلن الرئيس الديمقراطي جو بايدن في 21 منه انسحابه.

واشنطن – يمنح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من خوض الانتخابات في الولايات المتحدة، الحزب الديمقراطي فرصة جديدة وإن متأخرة لإعادة إطلاق حملة شابتها العثرات، بقدر ما يثير مخاوفه بشأن أسابيع من عدم اليقين إلى حين اختيار مرشح لمواجهة الجمهوري دونالد ترامب.

ويأمل الناخبون في أن يقدم الحزب الديمقراطي صورة مغايرة لبدايات حملته لانتخابات 2024، حين لم يتمكن من طرح أي مرشح جدي غير بايدن البالغ 81 عاماً، على رغم القلق الذي كانت تثيره سنّ الرئيس وقدراته الذهنية.

ورأى المستثمر أندرو يونغ الذي خاض الانتخابات التمهيدية للحزب ضد بايدن قبل رئاسيات 2020، إن الرئيس “أظهر حساً قيادياً لافتاً. يعود الأمر الآن (إلى الديمقراطيين) لإظهار حسّ قيادي مماثل من خلال عملية مفتوحة لتحديد المرشح الأمثل لمواجهة ترامب (ونائبه جاي دي فانس) في نوفمبر”. وأضاف عبر منصة إكس “يجب أن يكون الهدف بسيطاً، وهو الفوز”.

وتتصدر نائبة الرئيس كامالا هاريس (59 عاماً) قائمة المرشحين المحتملين للحزب الديمقراطي، مرتكزة بشكل أساسي إلى الآن على دعم الرئيس الحالي، وهو موقع قد تتمكن من تعزيزه في الأيام المقبلة. وفي حال حسم ذلك، سينصرف الديمقراطيون لتركيز جهود حملتهم على محاولة هزم ترامب ومنعه من العودة إلى البيت الأبيض.

لكن عدم حصول ذلك يضع الديمقراطيين في مواجهة احتمال متزايد وأكثر ترجيحاً بالانخراط في منافسة فوضوية، وربما مؤذية، على أصوات زهاء أربعة آلاف مندوب في المؤتمر العام للحزب المقرر في شيكاغو في أغسطس.

ووعد رئيس اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي خايمي هاريسون بـ”عملية شفافة ومنظمة” لاختيار مرشح بديل لبايدن، وهو أول رئيس أميركي يمتنع عن الترشح لولاية ثانية منذ الديمقراطي ليندون جونسون في 1968.

انسحاب بايدن من خوض الانتخابات، يمنح الحزب الديمقراطي فرصة جديدة وإن متأخرة لإعادة إطلاق حملة شابتها العثرات

وتعثرت الحملة الانتخابية لبايدن بعد أدائه الكارثي خلال مناظرة تلفزيونية مع ترامب الشهر الماضي، ما عزّز المخاوف بشأن تراجع قدراته الذهنية ووضعه الصحي مع تقدّمه في السن.

ومن جهته، بدا ترامب الذي سيبلغ الثانية والثمانين في ختام ولايته بحال فوزه في انتخابات 2024، أكثر صلابة. إلا أن خوضه المنافسة في مواجهة مرشّح أصغر سنّاً، قد يعيد توجيه الاهتمام الى خطاباته ومقابلاته الصحافية حيث غالباً ما يخلط الأسماء وتبدو تصريحاته غير متماسكة.

استقطاب وأموال وقضاء
في إطار البحث عن بديل لبايدن، يتم التداول بأسماء شخصيات صاعدة في الحزب الديمقراطي مازالت دون الستين من العمر، مثل حكام الولايات جوش شابيرو وغريتشن ويتمر وغافن نيوسوم.

وألمحت ويتمر سريعاً إلى أنها لا تعتزم الترشح، بينما أيد نيوسوم ترشح هاريس، لكن الحاكمَين لم يعلنا بشكل صريح استبعاد نفسيهما من خوض السباق.

ويتوقع أن توفر حملة تقودها هاريس بمعية مرشح معتدل من وسط غرب البلاد لمنصب نائب الرئيس، أفضل الحظوظ للحزب الديمقراطي في مواجهة ترامب، عبر استقطاب الناخبات اللواتي عادة ما يشاركن في عمليات الاقتراع بأعداد أكبر من الرجال، ويمثّلن نقطة ضعف في سجل المرشح الجمهوري.

ويمكن لهاريس أن تمنح الحزب الديمقراطي فرصة إعادة رسم المواجهة الانتخابية بما يناسبه، وتحويلها إلى منافسة بين ثقافتين مختلفتين، تجسّد إحداهما المدعية العامة السابقة، بينما يمثّل الثانية مجرم مدان.

المرشح الديمقراطي الجديد سيستفيد من نافذة تدقيق ضيّقة وتأثير إعلامي مهم قبيل الانتخابات في نوفمبر

ورأت أستاذة السياسة في جامعة بانوما بولاية كاليفورنيا سارة سادواني “بعدما بقيت في الظل بدرجة كبيرة على مدى الأعوام الأربعة الماضية، حان الوقت للمدعية العامة كامالا… للعودة” إلى دائرة الضوء.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة “بابليك بوليسي بولينغ” الديمقراطية نشرت نتائجه الخميس، أن هاريس، في حال سمّت نائباً مناسباً لها، قادرة على إلحاق الهزيمة بترامب وفانس في بنسيلفانيا وميشغن، وهما من الولايات الثلاث التي تشكّل “الجدار الأزرق” حيث يعدّ الفوز بها محورياً لانتخاب رئيس من الحزب الديمقراطي.

ومن أجل الفوز بترشيح الحزب، يحتاج المرشح إلى الحصول على الأغلبية أي أصوات أكثر من جميع المرشحين الآخرين مجتمعين.

وهذا هو ما يحاول حلفاء هاريس تحقيقه الآن، أي الحصول على الدعم المعهود من 1969 مندوبا وسد الطريق أمام أي منافسة.

وإذا لم يتمكن أحد من تحقيق ذلك، فسيلجأ الحزب إلى ما يُعرف باسم “مؤتمر الوسطاء” وفيه يعمل المندوبون كوكلاء أحرار ويتفاوضون مع قيادات الحزب.

وسوف توضع القواعد بعد ذلك وسيكون هناك تصويت بنداء الأسماء للأشخاص المرشحين.

وقد يستغرق الأمر عدة جولات من التصويت حتى يحصل الشخص على الأغلبية ويصبح المرشح. وعُقد أحدث مؤتمر للوسطاء في عام 1952 عندما فشل الديمقراطيون في تسمية مرشح.

يقول راين وايت، الخبير في الترويج السياسي في جامعة بريغام يونغ في أيداهو، إن المنافسة لدى الديمقراطيين لنيل الترشيح قد تصّب في صالح الحزب عبر حرمان ترامب تصدّر العناوين في وسائل الإعلام على مدى أشهر.

وأوضح وايت “سيستفيد المرشح الديمقراطي الجديد من نافذة تدقيق ضيّقة وتأثير إعلامي مهم قبيل الانتخابات… السؤال الآن هو من سيكون (هذا المرشح)، وهذا ما سيستحوذ على الاهتمام خلال مؤتمر” الحزب.

وسيشكّل أي مرشح غير هاريس انفصالاً تاماً عن الإدارة الحالية، وسيكون محصّناً حيال جزء كبير من الانتقادات الموجهة إلى إدارة بايدن على خلفية ارتفاع التضخم وأزمة الحدود مع المكسيك وفوضى الانسحاب من أفغانستان.

وسيكون في مقدور هاريس على الأرجح أن ترث كل احتياط الدعم المالي لحملة بايدن، والمقدّر بنحو 94 مليون دولار حتى يوليو، وهو ما لن يكون ممكنا بهذا الشكل لمرشح غيرها.

وسيكون على أي مرشح جديد أن يبذل جهوداً لاستقطاب الدعم من تكتلات كبرى مؤثرة مؤيدة للثنائي بايدن-هاريس، مثل اتحاد عمال قطاع السيارات. وفي حين لوّح الجمهوريون بإمكانية الطعن قضائياً في أي تغيير متأخر لمرشح الحزب الديمقراطي، شدد كبير محاميه الانتخابيين مارك إلياس على أن أي اسم يختاره الحزب لخوض السباق الرئاسي، سيكون مدرجاً على قوائم الاقتراع في الولايات الخمسين.

حملة ترامب مستعدة
على المقلب الجمهوري، ستكون لانسحاب بايدن انعكاسات لا مفرّ منها على حملة ترامب، اذ سيضطر لإعادة رسم إستراتيجيته الانتخابية التي تمحورت بشكل كبير على الاستخفاف بصحة بايدن وقدراته الذهنية.

لكن يُخشى أن ينقلب السحر على الساحر، ويصبح تركيز الدعاية على السنّ والقدرة الذهنية سلاحاً للديمقراطيين بمواجهة ترامب البالغ 78 عاماً، خصوصاً في حال نالت هاريس التي تصغره بزهاء 20 عاماً، ترشيح الحزب.

وقد تعمد هاريس التي أصبحت في مارس أول نائبة للرئيس تزور عيادة للإجهاض، إلى جعل هذه القضية محوراً أساسياً في مواجهة ترامب. ومنذ قرار المحكمة العليا الأميركية في 2022 الذي ألغى عملياً الحق الدستوري بالإجهاض، خسر الجمهوريون الغالبية العظمى من استطلاعات الرأي وعمليات الاقتراع التي تتطرق لهذا الشأن.

لكن حملة ترامب تؤكد أن انسحاب بايدن لم يأخذها على حين غرة، وأن المسؤولين عنها أعدوا حملات دعائية موجهة ضد هاريس ستبثّ في عدد من الولايات المهمة في السباق الانتخابي خلال الأيام القليلة المقبلة.

وسيستغل ترامب الوقت المستقطع إلى حين حسم الحزب الديمقراطي خيار الترشيح، ويمضي في حملته الانتخابية والتجمعات في ولايات عدة، بعد المؤتمر العام للحزب الجمهوري في ميلووكي الذي اختتم الخميس الماضي باختياره مرشحاً رسميا لولاية ثانية في البيت الأبيض، بعد أولى بين 2017 و2021.

العرب