بحلول الـ10 من مارس (آذار) المقبل يكون مر عام على أهم تطور إقليمي في الشرق الأوسط، وهو إعلان المصالحة بين السعودية وإيران بعد حوالى سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية.
أدت خمس جولات من المفاوضات بين الطرفين إلى تطبيع العلاقات وإعادة فتح سفارتيهما، ففي الـ10 مارس 2023 وافقت الرياض وطهران على استعادة العلاقات الدبلوماسية كجزء من مبادرة ترعاها الصين هدفت إلى الحد من التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وعلى صعيد آخر، أنبأ البيان الثلاثي المشترك الصادر عن الدول الثلاث بتحول جيوسياسي من شأنه أن يجعل الصين تتولى دوراً أكبر في المنطقة التي كانت الولايات المتحدة مهيمنة فيها لفترة طويلة.
بعد مرور عام ربما من المهم الوقوف على أهم تداعيات وتأثيرات اتفاق المصالحة بين الطرفين وتقييمه، لا سيما أنه كان أهم تطور شهدته المنطقة خلال الأعوام الأخيرة وسط تحركات إيران نحو دبلوماسية الجوار وتحسين علاقتها ببعض الدول الخليجية مثل الإمارات.
كانت لكل من الطرفين أهدافه المرتبطة بالسياسة الداخلية والإقليمية للمضي في مسار التطبيع وترجيح الدبلوماسية على أي مسارات أخرى غير سلمية، ومع الوقت جاءت خطوات عدة لتؤكد نيتهما في المضي أكثر نحو تحسين العلاقات.
أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان زيارة تاريخية إلى إيران بعد قطيعة استمرت سبعة أعوام، كما التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس الإيراني على هامش قمة الرياض الإسلامية التي عقدت على خلفية الحرب في غزة.
وبدأ عدد من المبادرات الثنائية، بما في ذلك برنامج الإعفاء من التأشيرة لزيادة عدد الزوار وتشجيع سفر رجال الأعمال بين الطرفين، كما زار نائب محافظ البنك المركزي الإيراني محمد آرام الرياض لتطوير العلاقات المصرفية بين البلدين، وزار وفد عسكري إيراني معرض “إيديكس” الرياض بدعوة من السعودية.
كلها مؤشرات توحي برغبة الطرفين في الحفاظ على مسار التطبيع بينهما، لكن ما تداعيات الاتفاق في الإقليم؟ يمكن القول إن هناك بعض الإيجابيات التي تحققت واستفاد منها الطرفان، وحاولت إيران من جهة استغلال الفرصة أكثر لخدمة سياسة دبلوماسية الجوار على النحو الذي يحقق مصالحها.
فقد منح الاتفاق إيران الثقة الدبلوماسية لتطرق مزيداً من أبواب الدول العربية التي لم تكن لها معها علاقات جيدة مثل مصر والإلحاح الإيراني على تحسين ورفع العلاقات الدبلوماسية معها، وسط مواجهة القاهرة الأمر بنوع من التأني وعدم التعجل، أيضاً دعت طهران المغرب والبحرين إلى تحسين العلاقات معهما.
وكذلك منح الاتفاق منطقة الخليج التهدئة وخفض التوترات وعدم مهاجمة البنى التحتية لدوله من قبل الميليشيات التابعة لطهران، كما توقفت إيران تماماً عن تهديد الملاحة في مضيق هرمز، ويمكنه أن يساعد في فتح الباب أمام حوار أمني بين دول الخليج العربية وإيران والعراق.
وللاتفاق بعض الإيجابيات على بعض الدول العربية مثل العراق الذي حاول التقريب بين جارتيه، وأيضاً سوريا فقد نجحت الرياض في إعادتها للحاضنة العربية واستعادة مقعدها في الجامعة العربية، مما مكن دمشق من توسيع هامش قدرتها على المناورة بين إيران والدول العربية للتخفف من عبء السيطرة الإيرانية وفك العزلة عن سوريا عربياً.
وعلى رغم اندلاع الحرب الإسرائيلية في غزة وبعد أشهر عدة على الحرب، ما زالت السعودية وإيران قادرتين على الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، أي إن الاتفاق يشكل عامل استقرار للشرق الأوسط بأكمله، ومع ذلك ما زالت هناك تحديات أمام الاتفاق، وأهمها استمرار طهران في الاستراتيجية الإقليمية نفسها وأهدافها الخاصة.
لا شك في أن ما يحدث من هجمات المتمردين الحوثيين في البحر الأحمر يقوض مصالح الدول العربية المتشاطئة له ومنها السعودية، ومع ذلك تستمر إيران في دعم الميليشيات اليمنية على مختلف المستويات، ولم يعُد خافياً الدور الإيراني في هجمات البحر الأحمر حتى إن كثيراً من المؤتمرات الدولية والمنظمات المعنية بأمن البحرية الدولية وجهت اللوم لطهران، وحثوا على تحملها مسؤولية سلوك الحوثيين في البحر الأحمر، كما أن الصين ذاتها وجهت تحذيراً لإيران في هذا الصدد.
من جهة أخرى تستمر إيران في دعم هجمات ميليشياتها ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق، مما قد يدفع المنطقة نحو حرب إقليمية تطاول الجميع.
أما سوريا، فأضحت خلال الآونة الأخيرة تستقبل هجمات إسرائيلية مكثفة بسبب ملاحقة تل أبيب للأهداف الإيرانية وقادة الحرس الثوري الذين لا يكاد يمر يوم من دون إنشاء مقر جديد لهم، وبدلاً من العمل على استعادة سوريا علاقاتها الإقليمية ما زالت ساحة للمواجهات الإيرانية- الإسرائيلية.
يبدو أن النظام الإيراني يتبع استراتيجية تتمثل في دمج نفسه مع القوى الإقليمية بمختلف أنحاء الشرق الأوسط، بهدف تحقيق أهدافه الخاصة من دون العمل على تحقيق الاستقرار الإقليمي، ومع ذلك ومع كل التطورات تؤكد الإرادة السعودية استمرار الاتفاق والتعايش مع إيران على أمل تحقيق الاستقرار الإقليمي والتنمية لجميع دول المنطقة.