الباحثة شذى خليل*
عندما تظهر التقارير أن أصول البنك المركزي العراقي ارتفعت إلى 207 تريليون دينار عراقي، فإن الأمر أكثر من مجرد إحصائية مالية؛ إنه يرمز إلى مخزون هائل من الثروة تحت إشراف البنك المركزي. ويتردد صدى هذا الرقم الهائل عبر المشهد الاقتصادي في العراق، ويحدد دورًا محوريًا للبنك المركزي في توجيه الشؤون النقدية للبلاد. دعونا نتعمق أكثر في الآثار المترتبة على هذا الحدث المهم والآليات المعقدة التي تقوم عليها إدارة هذه الأصول.
في عالم البنوك المركزية، تشمل الأصول مجموعة متنوعة من الأدوات المالية والممتلكات، بدءًا من احتياطيات العملات الأجنبية إلى احتياطيات الذهب، والأوراق المالية الحكومية، والقروض المقدمة للبنوك التجارية، ومجموعة متنوعة من الاستثمارات. تعمل هذه الأصول بمثابة حجر الأساس لعمليات البنك المركزي، مما يمنحه القدرة على التنقل عبر مد وجزر الاقتصاد ببراعة.
مع أصول تصل إلى 207 تريليون دينار عراقي، يقف البنك المركزي العراقي كحارس هائل للثروة، مسلحًا بالموارد التي تمتلك القدرة على تحفيز الاستقرار الاقتصادي، وتنظيم المعروض النقدي، وترويض الضغوط التضخمية، وتعزيز سعر صرف العملة العراقية. الدينار العراقي. ومثل هذه البراعة المالية تمكن البنك المركزي من ممارسة نفوذه بحكمة، والتدخل في الاقتصاد عندما تتطلب الضرورات، والتمسك بثبات بتفويضه المتمثل في تعزيز الاستقرار النقدي وتحفيز النمو الاقتصادي داخل حدود العراق.
ومع ذلك، خلف هذا القشرة من القوة المالية تكمن متاهة من التعقيدات التي تحكم إدارة أصول البنك المركزي. أحد الجوانب المحورية ينطوي على إصدار النقد، وهي وظيفة أساسية للبنك المركزي العراقي. ومن خلال بيع الأموال النقدية لمختلف الجهات الحكومية والخاصة، يقوم البنك المركزي بتسيير عجلات التجارة، حيث تبرز الحكومة العراقية باعتبارها المشتري الأول لهذه العملة المتداولة.
وسط شبح التوازن المالي يلوح في الأفق معضلة تحيط بالحكومة العراقية، وهي التنافر بين مصادر الإيرادات والنفقات. يجد العراق، الذي يعتمد في الغالب على النفط، نفسه في شرك مفارقة حيث تتعارض الإيرادات المقومة بالدولار الأمريكي مع النفقات بالدينار العراقي في الغالب. ويؤكد هذا التناقض على الدور المحوري الذي يلعبه البنك المركزي في سد هذه الهوة المالية، وهو إنجاز تحقق من خلال الإدارة الماهرة لاحتياطيات العملات الأجنبية.
ويبرز النشر الاستراتيجي للاحتياطيات الفائضة من العملات الأجنبية كركيزة أساسية في ترسانة البنك المركزي، مع توجيه الاستثمارات إلى مجموعة كاملة من السبل منخفضة المخاطر. يشكل الذهب، والودائع في البنوك الأجنبية التي تتمتع بتصنيفات ائتمانية بالجنيه الاسترليني، والسندات، والأوراق المالية، والودائع في مختلف المؤسسات المالية حصنًا للمحفظة الاستثمارية للبنك المركزي، والتي يتم تنسيقها بدقة لتحسين العائدات مع تخفيف المخاطر.
و تكمن في متاهة الاستثمارات مخاطر محتملة، ليس منها أكثر وضوحا من شبح التزامات الديون. وهناك شريحة كبيرة من أصول البنك المركزي مقيدة بالتزامات وزارة المالية، وهي شريحة غير مستقرة وعرضة لتقلبات الثروات الاقتصادية، لا سيما في ظل تقلب أسعار النفط.
علاوة على ذلك، يظل استقرار أصول البنك المركزي مديناً ليس فقط للتقلبات الاقتصادية، بل وأيضاً للرياح الجيوسياسية المتقلبة. إن المقتضيات السياسية، التي تجسدت في التجميد المحتمل للاحتياطيات من قبل البنوك المركزية الأجنبية وسط مشاحنات دبلوماسية، تلقي بظلالها على ملاذ الاستقرار المالي الذي يرعاه البنك المركزي بدقة.
ومما يزيد من تفاقم هذه التحديات القيود التي تفرضها الضرورات الجيوسياسية، مما يجبر البنك المركزي على التعامل بحذر في مشاريعه الاستثمارية. وتدفع المخاوف من استعداء النظراء الغربيين إلى اتباع نهج مدروس، وتقييد الاستثمارات في المؤسسات المرتبطة بالهيمنة الأميركية، وإن كان ذلك مع التركيز على التحولات العالمية التي قد تبشر برحيل زلزالي عن هذا الوضع الراهن.
في نهاية المطاف، فإن السرد الخاص بأصول البنك المركزي العراقي يتجاوز مجرد المقاييس المالية؛ فهو يجسد ملحمة من الإدارة الاقتصادية المتشابكة مع المقتضيات الجيوسياسية. وبينما يتصارع العراق مع شبح الهيمنة الأمريكية المنتشر في كل مكان ويبحر في التيارات الغادرة للتمويل العالمي، يقف البنك المركزي كحصن ضد التقلبات الاقتصادية، حيث تعمل أصوله كمحور أساسي في سعي الأمة لتحقيق الاستقرار والازدهار.
الوحد الاقتصادية/ مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية