يرى المحللان السياسيان فيكتور لاخ والدكتورة إلينا خاميليفكا أن الشعور بدوار بعد حفل فخم يمكن أن يكون قاسيا، حيث الشعور بالصداع والاعتراف الصارخ بالواقع. فبالنسبة للكثير من دول أوروبا كانت الحرب المستمرة منذ عامين في أوكرانيا مثل صراع بعيد، وتهديد ما زال مجردا. وهذا الانفصال المريح، الذي يشبه مادة مخدرة، أخفى الخطورة الحقيقية للوضع.
وقال فيكتور لياخ الرئيس التنفيذي لمؤسسة شرق أوروبا، والدكتورة إلينا خاميليفا، الخبيرة في القانون الدولي والعلاقات الدولية، وهي زميلة غير مقيمة بجامعة تورونتو في تقرير نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يقدمان الحد الأدنى من الدعم لأوكرانيا، بهدف منع انهيارها وليس ضمان تحقيق انتصار حاسم. وقد أصبحت شجاعة أوكرانيا في أرض المعركة، رغم الاعجاب المؤكد بها، سردا مريحا، يؤجج الاعتقاد بأن روسيا سوف تتعب وأوكرانيا سوف تصمد.
ويقول المحللان إن اليوم الأول من مؤتمر الأمن في ميونخ الشهر الماضي بدد هذا الوهم. فقد أدت أنباء وفاة الزعيم المعارض الروسي أليكسي نافالني، وانسحاب أوكرانيا من أفيدييفكا، واحتمال شن روسيا عدوان ضد دول البلطيق، وتصريحات دونالد ترامب الغامضة بشأن تايوان إلى خلق جو واضح من اليأس. ولكن رغم الجو الكئيب الذي ساد في المؤتمر، لم يستيقظ العالم الغربي حتى الآن ليدرك الصورة الكئيبة الكاملة.
ويضيف المحللان” في ميونخ غالبا ما سمعنا مسؤولو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقولون إنه في حقيقة الأمر (أوكرانيا سوف تنتصر على المدى الطويل). ولكن بالنسبة للأوكرانيين يبدو ذلك تحولا بعيدا عن واقع الخطر الشديد، ومن ثم يوجد الأمريكيون والأوروبيون مبررا لعدم دعم أوكرانيا”.
أوكرانيا لا تستطيع مواصلة الحرب بدون الحصول على مساعدات إضافية. والحزمة التي تبلغ قيمتها 95 مليار دولار والمعلقة أمام الكونغرس الأمريكي أساسية ليظل الجنود الأوكرانيون قادرين على الدفاع
ودعا المحللان الغرب إلى الاعتراف بالحقائق المحزنة التالية: إن أوكرانيا لا تستطيع مواصلة الحرب بدون الحصول على مساعدات إضافية. وحزمة المساعدات التي تبلغ قيمتها 95 مليار دولار والمعلقة أمام الكونغرس الأمريكي أساسية ليظل الجنود الأوكرانيون قادرين على الدفاع عن الجبهة وللحفاظ على صمود الاقتصاد. وقال الرئيس زيلينسكي إنه سوف يخسر الحرب بدون الحصول على المزيد من الدعم. ولا تستطيع أوروبا توفير الذخيرة والمعدات التي تحتاجها أوكرانيا بالسرعة الكافية؛ وواشنطن فقط هي التي يمكنها تعويض نقص الذخيرة في الوقت المناسب لمواصلة المجهود الحربي.
وينبغي زيادة الإنفاق العسكري بدرجة كبيرة. وهناك حاجة لإنفاق أكثر من 2% من إجمالي الناتج المحلي مع خوض روسيا لحربها في ظل نموذج اقتصاد مناسب لذلك. وأدركت إستونيا ذلك، لكن فرنسا وألمانيا لم تنجحا حتى الآن في تحقيق ذلك. ويتعين على الدول الغربية زيادة إنفاقها العسكري بدرجة كبيرة، والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، وتقديم دعم ملموس وفوري لأوكرانيا، إذ أن أمن اوروبا في خطر.
لقد فشل أسلوب الغرب في تقديم الدعم تدريجيا. فالمساعدات العسكرية التدريجية تتيح لروسيا تكييف أساليبها والحصول على المساعدة من دول مثل إيران وكوريا الشمالية. فالتأخير في تزويد أوكرانيا بطائرات إف16- حتى صيف هذ العام يوفر لروسيا فرصة ثمينة لمواجهة طائرات الميغ والسوخوي الأوكرانية. كما أن المدفعية أمر مهم للغاية. وصرح زيلينسكي أنه وفقا للمخابرات الأوكرانية، سوف تحصل روسيا على مليون قذيفة مدفعية من كوريا الشمالية. وفي المقابل، تراجع الاتحاد الأوروبي عن التزامه بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية عيار 155مليمتر بحلول آذار/ مارس الحالي. وحتى نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي لم يصل سوى 330 ألف قذيفة إلى كييف.
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يقدمان الحد الأدنى من الدعم لأوكرانيا، بهدف منع انهيارها وليس ضمان تحقيق انتصار حاسم.
وبحسب المحللين يتعين تشجيع الابتكار الأوكراني. فأوكرانيا تتباهى بتكنولوجيتها العسكرية المتقدمة التي تم اختبارها وتأكيد نجاحها في القتال. وليس لدى أوكرانيا أسطول بحري، ولكنها حققت نجاحا رائعا في البحر الأسود العام الماضي. وقد ألحقت مسيرات كييف البحرية أضرارا بالغة بأسطول البحر الأسود الروسي، كما أن القوات الأوكرانية الخاصة قامت بعمليات جريئة في الأراضي الروسية. ويمكن أن يؤدي دمج هذه التكنولوجيات إلى تعزيز إمكانيات حلف شمال الأطلسي(ناتو) بدرجة كبيرة.
ويرى المحللان أنه يتعين مصادرة أرصدة الدولة الروسية المجمدة والسماح لكييف باستخدام هذه الأموال لتمويل الأسلحة. فهذه الأموال التي تبلغ 300 مليار دولار ستلحق ضررا بآلة بوتين الخاصة بالحرب، وتحرمه من أموال حيوية وتقوض الدعم الشعبي له. ودعا المحللان في ختام تقريرهما إلى أنه يتعين على العالم مواجهة الواقع المرير الخاص بـأكبر حرب برية تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. والوقوف يحزم إلى جانب أوكرانيا.
(د ب ا)