بعد أيام قليلة من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، توجه وفد من الدول العربية إلى بكين، فيما انطلق مبعوث هذه الأخيرة الخاص إلى الشرق الأوسط في جولة كبيرة بالمنطقة. اتجهت آنذاك كل الأنظار نحو الصين التي كانت قد اعترفت منذ عام 1988 بالدولة الفلسطينية. لكن هل تريد إمبراطورية الوسط، كما كانت تسمى الصين سابقاً، التدخل حقاً؟ وهل لديها الوسائل لذلك؟
منذ رعايتها للمصالحة المدهشة بين إيران والسعودية في مارس/آذار 2023، صار المعلقون يرون الصين في كل مكان، بل ذهب بعضهم إلى التصور أنها مستعدة لتحل مكان الولايات المتحدة، أو أنها، على الأقل، سترتدي عباءة صانع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. تبدو خيبة الأمل اليوم بحجم هذا التوقع المتهور. فبعد مرور خمسة أشهر على 7 أكتوبر 2023، صار الوضع قاتماً للغاية. تل أبيب تقصف، وبكين تلتزم الصمت. والكل يتساءل: وماذا تفعل الصين؟
“يخلط الغرب بين الصخب والفعل”، هكذا أجابني دبلوماسي صيني سابق في منظمة اليونسكو، مذكراً أن زعماء بلاده نادراً ما يطلقون الأبواق قبل أن يحققوا هدفهم. وفي هذه الحالة، يجب أن نحصل “أولاً على وقف دائم لإطلاق النار”، ثم الاتفاق على “خريطة طريق تؤدي إلى السلام”.
وذلك برنامج واسع للغاية! يُفترض أن تجعل علاقات بكين الجيدة مع الدول العربية ومع إسرائيل هذا الأمر أسهل. لكن تل أبيب أعلنت أنها تشعر “بخيبة أمل عميقة” حيال التصريحات الأولى للقادة الصينيين.
دخلت الصين إلى دوامة الشرق الأوسط من الباب الصغير لتجارة الطاقة
بسرعة صدر في 8 أكتوبر 2023، بيان عن وزارة الخارجية الصينية يبرز خطورة الأحداث ويدعو “الأطراف المعنية إلى إنهاء الأعمال العدائية فوراً من أجل حماية المدنيين وتجنب المزيد من تدهور الوضع 1”. وفي اليوم التالي، كانت إحدى الناطقات، ماو نينغ، أكثر دقة: “نحن نعارض وندين الأعمال التي تضر بالمدنيين”.
ولذلك فهي تدين المجازر بشكل لا لبس فيه، لكنها لا تذكر “حماس”، في وقت كان فيه العالم كله مطالبا بإدانة “المنظمة الإرهابية”. وفوق كل شيء، فهي حرصت على وضع هذه الجرائم في إطار¹ المدى الطويل للمواجهة الإسرائيلية الفلسطينية: “يبرهن مرة أخرى أن الجمود الذي طال أمده في عملية السلام لا يمكن أن يستمر 2”.
كلام لا يغتفر. مع أن هذا التحليل يلتقي مع رؤية معظم دول المنطقة، باستثناء الهند والدول الآسيوية “الغربية” مثل كوريا الجنوبية واليابان التي وقفت إلى جانب إسرائيل، مع بعض الفروق بالنسبة لطوكيو التي رفضت الإشارة إلى “حماس” على أنها “منظمة إرهابية” ولم تشأ “الانضمام إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا في إصدار بيان مشترك [في 9 أكتوبر] تتعهد فيه بدعم موحد لإسرائيل 3”.
ولا تتوانى الصين في التأكيد أنها، بعيداً عن العزلة، تتفق مع العديد من دول الجنوب. ويتضح ذلك من خلال التصويت في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تقف واشنطن وتل أبيب وحدهما.
ماو تسي تونغ سبق…
لا يوجد شيء انتهازي في موقف الصين. دعمها للفلسطينيين راسخ في التاريخ، مدفوع منذ البداية من طرف ماو تسي تونغ، على الرغم من أن إسرائيل كانت واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية، في عام 1950 (على سبيل المقارنة قامت فرنسا بذلك في 1964 والولايات المتحدة في 1972).
ووفقاً لمبادئ عدم الانحياز التي تعتبر السلطة الصينية طرفاً فيها، فإن قائد الدفة العظيم يدعم علنياً كل حركة تحرير ونضال ضد الاستعمار، ويشمل ذلك على سبيل المثال مصر جمال عبد الناصر. كان تضامناً ثابتاً بالتأكيد، ولكنه كان سياسياً أكثر منه مالياً أو عسكرياً.
في عام 1988، اعترفت بكين بالدولة الفلسطينية. وكانت حينها لا تزال قزماً سياسياً. ومنذ ذلك الحين، تطور وزنها في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ، وإن ظلت الصين جد حذرة. بمزجها بمهارة بين التجارة والسياسة، أقامت علاقات مع الدول الاثنتين والعشرين الأعضاء في جامعة الدول العربية في بداية التسعينيات، وطالبت في المقابل هذه الدول بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تايوان.
في البداية، دخلت الصين إلى دوامة الشرق الأوسط من الباب الصغير لتجارة الطاقة. وقد دفعها تعطشها للنفط والغاز إلى تطوير علاقاتها مع دول الخليج، ثم مع إيران بشكل أبطأ. وقد صار هؤلاء الشركاء يؤمّنون في بداية سنوات 2000 ما يقرب من ثلثي إمداداتها.
ومع ذلك، تظل بكين حذرة وتحرص جاهدة على تنويع مصادرها: لا تتجاوز مشترياتها من الطاقة من المنطقة حالياً 46 في المائة من الإجمالي. وفي الوقت نفسه، تزداد الشركات الصينية ثراءً من خلال بيع سلعها، وبدأت الاستثمارات الصينية في الانطلاق. كما تشهد التجارة مع إسرائيل، التي تم الاعتراف بها رسمياً في عام 1992، نمواً سريعاً.
كانت الصين في خضم عملية تطبيع. وفي هذا العالم الذي تعرف أنه خاضع للنفوذ الأميركي، وبالتالي لا يمكن المساس به، حافظت على ما تعتبره واجبها الدولي: الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. وقد تبنى القادة في 1997 خطة سلام من أربع نقاط دافعوا عنها في الأمم المتحدة وفي اجتماعاتهم الثنائية، من دون أن يجعلوا منها أولوية 4.
ومع ذلك، كان يتعين انتظار سنوات ما بعد عام 2000 حتى نشهد تغييراً في الاستراتيجية الدبلوماسية في الشرق الأوسط. عدة أسباب حثت على ذلك. تشترط سياسة التصدير الشامل والوجود العالمي تأمين العلاقات: أكثر ما يُخشى في نظر بكين هو عدم الاستقرار.
في عام 2002، عيّنت الصين مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط مكلفاً بالقيام بجولات في المنطقة، على الرغم من أن رادارات معظم المراقبين لم ترصده. عامان بعد ذلك، أنشأت الصين منتدى التعاون مع الدول العربية الذي يضم دول جامعة الدول العربية الاثنتين والعشرين. وقد ازدادت أهمية المنتدى مع إطلاق “طرق الحرير الجديدة”، التي توزعت على عدة محاور، وتناولت مجموعة من القضايا: اقتصادية (مع وعود باستثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في 2023)، سياسية، جيو استراتيجية وعسكرية.
بكين لا تعتبر تل أبيب شريكاً استراتيجياً موثوقاً جداً به
بكين مهووسة بتهديدين. أولاً، الحركات الاستقلالية للأويغور المسلمين في شينجيانغ، خصوصاً بعد الانتفاضات التي حدثت في 2009. تعوّل الصين على تضامن الدول العربية في هذا المجال. والتهديد الثاني متعلق بخشيتها من أن يؤدي نشوب صراع إلى أن تغلق الولايات المتحدة مواطن الاختناق المتمثلة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. ذلك ما يفسر التقارب مع مصر، التي زارها الرئيس شي جين بينغ مرتين منذ وصوله إلى السلطة، والاستثمار في البنية التحتية للموانئ.
إسرائيل شريك تحت التأثير
العرقلة الأميركية المحتملة ليست مجرد ضرب من الخيال. في يوليو 2000، تحت ضغط من الولايات المتحدة، ألغت الحكومة الإسرائيلية عقداً لشراء أربع طائرات عسكرية من طراز “فالكون”. وتبع ذلك حظر آخر.
إذا كانت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى بكين وصلت إلى 323 مليار دولار (298 مليار يورو) بين عامي 1990 و2000، فهي هوت إلى الصفر في عام 2002، وفقاً لبيانات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI). واختفت بذلك الدولة التي كانت تحتل المرتبة الثالثة بين مشتري المعدات العسكرية الإسرائيلية. وحلت الهند، الجارة المكروهة، محلها. لا عجب إذا في كون أن بكين لا تعتبر تل أبيب شريكاً استراتيجياً موثوقاً به جداً.
ولكن ما دامت الأعمال هي الأعمال، طورت مع ذلك الشركات الصينية العامة والخاصة استثماراتها في مجالات الغذاء والاتصالات والأبحاث (هواوي)، والأمن السيبراني والبنية التحتية (الترام والميناء).
وهنا مرة أخرى، وجدت الشركة الصينية التي كانت تدير جزءاً من ميناء حيفا الجديد نفسها مهمشة، نتيجة تدخل من واشنطن، التي رأت فيها تهديداً للقاعدة المستخدمة كمحطة توقف غواصاتها، والواقعة بمقربة من الميناء. ومرة أخرى، كانت مجموعة “أداني” الهندية هي الفائزة في العملية.
الرئيس الصيني شي جين بينغ (إدغار سو/ رويترز)
أخبار
الرئيس الصيني: وقف إطلاق النار في غزة بات مُلحاً
وذلك من شأنه تعزيز الشكوك الصينية على الرغم من أن البلدين تربطهما علاقات تجارية وثيقة، إذ تحتل الصين المرتبة الثالثة في التجارة الإسرائيلية، بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لذلك فهي تحافظ على الحوار معولة، من دون أي أوهام، على المستقبل. فعلى المدى القصير، ليس لديها أدنى نفوذ للدفع باتجاه المفاوضات.
ينتقدها البعض لعدم الاكتراث بمصير نوا أرغاماني، الرهينة الصينية ـ الإسرائيلية التي تم اختطافها في 7 أكتوبر 2023. ينسى هؤلاء أن السلطات الصينية لا تعترف بالجنسية المزدوجة، وتعتبر هذه المرأة إسرائيلية، كما ذكر بذلك السفير في تل أبيب، معلناً أنه حساس لمصير “جميع” الرهائن.
تجذر متين بحد أدنى من الإشهار
من خلال التعامل بمهارة في العلاقات الثنائية مع كل حكومة والتدخلات في إطار المنظمات متعددة الأطراف والتبادلات التجارية، عززت الصين وجودها في الشرق الأوسط. فقد أصبحت الشريك التجاري الرئيسي للمملكة العربية السعودية والإمارات، وإيران التي تسدد لها الصين ثمن مشترياتها النفطية باليوان بدلاً من الدولار.
وهذا يعطي فكرة عن ثقة القادة العرب في الاقتصاد الصيني، وعن عدم ثقة المملكات النفطية بالولايات المتحدة القادرة على تجميد أصولها في أي وقت، كما أظهرت ذلك واشنطن في حالة روسيا.
ومما يزيد من قوة هذا النجاح أن القادة الصينيين، وفاءً لمبدأ عدم التدخل، يحرصون على عدم التدخل المطلق في النزاعات الإقليمية (إيران ضد السعودية، وقطر والإمارات، والحوثيين واليمن والسعودية).
يلخص ذلك بشكل مثالي رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفن رود 5: كان هذا الحضور الاستراتيجي المتنامي سريعاً وملحوظاً. ومرة أخرى، كانت قدرتها على تنفيذ استراتيجيتها بأقل قدر من الإشهار تعتمد على نفوذها الاقتصادي الهائل في كل عاصمة، وقدرتها على تقليل خطر الوقوع في شبكة معقدة من التوترات الإقليمية.
ومن خلال عدم الانحياز لأي طرف، أقامت الصين وطورت وحافظت على صداقات مع جميع الأطراف المتحاربة في المنطقة، ووازنت بعناية علاقاتها مع إيران والدول العربية وإسرائيل.
في الواقع، كثفت الصين اتصالاتها ومباحثاتها. فبعد لقاء السفير الإسرائيلي في بكين في 17 أكتوبر 2023، شرع مبعوثها الخاص للشرق الأوسط، تشاي جون، في سلسلة من الرحلات، أولها إلى قطر حيث كان يجري التفاوض بشأن مصير بعض رهائن حماس في 19 و20 أكتوبر، ثم إلى مصر في اليوم التالي للمشاركة في قمة القاهرة للسلام، وإلى الإمارات في 24 أكتوبر، ثم إلى الأردن وتركيا.
ينتقد القادة الغربيون الصين لعدم تدخلها لوقف هجمات الحوثيين
من علامات العصر: في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بدأ وفد مكون من وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجامعة العربية (السعودية، مصر، الأردن، قطر، دولة فلسطين) ومن منظمة التعاون الإسلامي (إندونيسيا، نيجيريا، تركيا) جولته الدولية لصالح السلام، من بكين وليس من واشنطن أو باريس.
وفي اليوم التالي، عُقد اجتماع مجموعة البريكس+ (البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا، والذي انضمت إليها منذ بداية العام إثيوبيا وإيران والإمارات والسعودية) مخصصاً بالكامل لهذه الحرب. وبعد ذلك بيومين، تم التوصل إلى أول وقف مؤقت لإطلاق النار وأول تبادل للرهائن. رأى بعض المراقبين في ذلك دليلاً على فعالية الصين… لكن ذلك استنتاج متسرع بعض الشيء.
لا مجال للوقوع في الفخ الأميركي
ومنذ ذلك الحين، لم يحرز أي تقدم. وينتقد القادة الغربيون، وعلى رأسهم الأميركيون، إمبراطورية الوسط لعدم تدخلها لوقف هجمات الحوثيين التي تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، ويتهمونها بعدم الضغط على إيران. من جانبها، تؤكد بكين أنها طالبت بـ”وضع حد لهذه الهجمات”، التي تضُر بِصادراتها.
وينطبق هذا بشكل خاص على شركة “كوسكو” العملاقة للشحن البحري، التي اضطرت إلى اللجوء إلى طريق أطول وبالتالي تكلفة أكبر. لكن تبقى وسائل التحرك المتاحة للصين محدودة. تُنتقد الصين على وجه الخصوص لعدم مشاركتها في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الذي يقصف مواقع الحوثيين في اليمن، في حين أنها انضمت في 2008 إلى الجبهة الغربية لمحاربة القراصنة الذين يهاجمون سفن الحاويات. لكن السفير السابق يذكر: “نحن لسنا دركي العالم، نحن نحترم القانون الدولي”.
ناقلات نفطية في ميناء شاندونغ الصيني (getty)
اقتصاد دولي
الصين قلقة على مصالحها الاقتصادية في المنطقة جراء الحرب على غزة
بالفعل كان هناك في 2008 تفويض من الأمم المتحدة، والحال ليس كذلك اليوم. ولسبب وجيه: لن تستطيع واشنطن الحصول على ضوء أخضر من دون إجبار إسرائيل على قبول وقف فوري لإطلاق النار.
بشكل أكثر دقة، لا تريد الصين وضع مجرد إصبع في هذا “المستنقع”، الذي ترى أن الولايات المتحدة هي التي صنعته وغذته. هذا ما عبر عنه وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، بعد اجتماعه مع نظرائه من السعودية والبحرين والكويت وعمان وإيران وتركيا في يناير/كانون الثاني 2022: “للشرق الأوسط تاريخ طويل وثقافات فريدة وموارد طبيعية وفيرة، لكن المنطقة تعاني منذ فترة طويلة من الاضطرابات والصراعات بسبب التدخلات الأجنبية”.
وأضاف دعماً لوجهة نظره: “مشاريع الشرق الأوسط الكبير التي تقترحها الولايات المتحدة لها عواقب وخيمة”. وقد ذكر على غرار الرئيس شي جين بينغ أنه “لا يمكن أن يكون هناك أمن في المنطقة دون حل عادل لقضية فلسطين”، مضيفا: “نحن نعتقد أن شعوب الشرق الأوسط هم أسياد الشرق الأوسط. وهم ليسوا بحاجة إلى نظام أبوي”.
وبحسب وانغ يي: بعض الساسة وأعضاء النخبة الأميركية يأملون في أن [نكرر] أخطاءهم ونملأ “فراغ القوة” الذي يخلفونه وراءهم. لكن الصين لن تقع في هذا الفخ (…) إنها لا تسعى إلى أن تحل محل الولايات المتحدة.
على الولايات المتحدة أن تتعامل مع الفوضى التي خلقتها! في الوقت الراهن، تسجل الصين نقاط العجز الأميركي وتترك للعالم أن يدرك المعايير الغربية المزدوجة في الدفاع عن حقوق الإنسان. وقد رد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عاكساً رأي العديد من القادة، بحدة على ممثل الرئيس جو بايدن قائلاً: “لو أن أي دولة أخرى في العالم فعلت جزءاً مما فعلته إسرائيل لواجهت عقوبات من كل أركان العالم 6”.
وانغ يي: الصين لا تسعى إلى أن تحل محل الولايات المتحدة
نشر السفير الصيني في فرنسا، لو شاي، قليل الحيلة مرة أخرى، على موقع “إكس” (تويتر سابقاً) صورة للقصف في غزة وصورة حقول شينجيانغ المزروعة، كما لو أن المجازر التي يتعرض لها البعض يمكن أن تبرر قمع الآخرين. من المؤكد أن بكين لا يمكنها أن تبني سلطتها الدولية على إفلاس المعسكر الغربي وحده.
لكن لا يمكنها اليوم سوى مضاعفة المبادرات الدبلوماسية للحوار واللقاءات، في حين أن آخرين مثل واشنطن لديهم ورقة رابحة مأمونة تحت تصرفهم لجعل تل أبيب ترضخ: وقف تسليم الأسلحة.
الإرهاب والكفاح المسلح كما يُرى من بكين
تم الاستماع في 22 فبراير/شباط 2024، إلى ممثل الصين لدى محكمة العدل الدولية، ما شين مين، في محكمة العدل الدولية. وقد دافع عن حق الفلسطينيين في إقامة دولة، وميّز بين “الإرهاب” و”الكفاح المسلح” من أجل الاستقلال.
وفيما يلي مقتطف من خطابه: “في سعيه لتحقيق حق تقرير المصير، فإن استخدام الشعب الفلسطيني للقوة لمقاومة الاضطهاد الأجنبي واستكمال إنشاء دولة مستقلة هو حق غير قابل للتصرف، ومبني على القانون الدولي. وقد لجأت إليه، بعد الحرب العالمية الثانية، شعوب مختلفة للحصول على استقلالها. وتعترف العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل القرار 3070 لعام 1973، بشرعية نضال الشعوب من أجل التحرر من الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح”.
وينعكس ذلك أيضاً في الاتفاقيات الدولية. على سبيل المثال، تؤكد الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 على “حق الشعوب في مكافحة الاحتلال والعدوان الأجنبي بكافة الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح، من أجل تحرير أراضيها وضمان حقها في تقرير المصير والاستقلال”. ومن ثم فإن الكفاح المسلح يستند إلى القانون الدولي ويختلف عن الأعمال الإرهابية.
وهذا التمييز معترف به في العديد من الاتفاقيات الدولية. على سبيل المثال، تنص المادة 3 من اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للوقاية ومكافحة الإرهاب لعام 1999 على أنه “لا يجوز اعتبار الكفاح الذي تخوضه الشعوب وفقاً لمبادئ القانون الدولي من أجل التحرر أو تقرير المصير، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاستعمار، والاحتلال والعدوان والسيطرة من قبل القوات الأجنبية، أعمالاً إرهابية”.
في المقابل، فإن استخدام القوة من قبل أي كيان أو فرد باسم “الحق في تقرير المصير” خارج سياق الهيمنة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي ليس أمراً مشروعاً. علاوة على ذلك، أثناء الكفاح المسلح المشروع للشعوب، يتعين على جميع الأطراف احترام القانون الإنساني الدولي، وعلى وجه الخصوص الامتناع عن ارتكاب أعمال إرهابية تنتهك القانون الإنساني الدولي.