تتنامى خشية المحللين من أن تأخذ التطورات الدراماتيكية للتوتر في الشرق الأوسط، الشحن البحري إلى منعطف خطير آخر يعيق سلاسل الإمداد ويشكل تهديدا للاقتصاد العالمي الذي يبحث عن نقطة ضوء في نفق كثرة المنغصات، التي يبدو أنها لن تنتهي قريبا.
لندن – تتصاعد التحذيرات من تفاقم أزمات الشحن البحري وخاصة عبر الممرات المائية المحيطة بالشرق الأوسط في حال استمرت التوترات الجيوسياسية في المنطقة لفترة أطول.
ويعد ما حدث مؤخرا في مضيق هرمز مثالا على معاناة سلاسل التوريد العالمية في حالة تفاقم الاضطرابات. وكان ذلك بمثابة التذكير بالخطر المتزايد على السفن، التي لا يزال أغلبها يتجنب البحر الأحمر ويسلك الطريق الأطول والأكثر تكلفة حول جنوب أفريقيا.
واحتجزت إيران السبت الماضي سفينة تابعة لأم.أس.سي، ثاني أكبر شركة شحن في العالم في مضيق هرمز بعد أيام على تعهدها بالرد على هجوم يشتبه في أن إسرائيل هي التي نفذته على قنصليتها في دمشق، وحذرت من أنها قد تغلق طريق الشحن الحيوي.
ويأتي هذا التطور مع استمرار هجمات الحوثيين دون توقف على السفن التجارية، التي تعبر باب المندب مرورا بالبحر الأحمر ثم قناة السويس، مما زاد من تكاليف النقل البحري وأقسط التأمين.
ويشكل التقييم الكئيب لرئيس ومؤسس مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية للمخاطر مقرها نيويورك إيان بريمر، من أن الهجمات على السفن التجارية في الشرق الأوسط لن تهدأ طالما أن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة مستمرة، أحد الأمثلة على الضبابية.
وقال برمير أثناء حديث في برنامج “توكينغ ترانسبورتس” التابع لبلومبرغ أنتليجنس “هذه ممرات مائية مهمة لسلاسل التوريد العالمية التي تعطلت بسبب الجغرافيا السياسية، وهذا يزيد من صعوبة الحصول على البضائع، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط قليلا”.
وأضاف “طالما أن الحرب في غزة مستمرة، على الأقل، سنستمر في رؤية ضربات الحوثيين ضد السفن، وكذلك الضربات على السفن الحربية الأميركية والبريطانية”.
وتابع “حتى الآن، تم صد تلك الصواريخ، لكن القادة العسكريين أخبروني أن ثمة قدرا لا بأس به من الحظ في ذلك، وأنه يمكنك بسهولة رؤية بعض هذه الصواريخ تمر عبرها”.
وأردف “ربما لن يؤدي ذلك إلى إغراق سفينة ولكنه قد يؤدي إلى وقوع إصابات، وقد يكون ذلك أيضا مشكلة لأنه يدفع الأميركيين إلى مسافة أبعد”.
ولم يكن هناك اختلاف كبير بين السفينة أم.أس.سي آريز و7 آلاف سفينة حاويات أخرى تجوب أعالي البحار، إلى أن خرجت قسرا عن مسارها المحدد قرب مضيق هُرمز لتقع في شراك الحرس الثوري الإيراني.
وسيسبب حدوث أي أزمة أخرى في مضيق هُرمز مشكلات أكبر لناقلات النفط، لكن 15 في المئة من السفن المارة عبره هي سفن حاويات تتردد على موانئ بالمنطقة، مثل ميناء جبل علي الإماراتي.
وتؤدي شركات الشحن من خلال أسطول سفنها دورا محوريا ليس في تغذية الأسواق بالسلع الضرورية فحسب، وإنما في ضمان تدفق الإمدادات إلى المصنعين العالميين.
وقالت أم.أس.سي إن “طاقم السفينة آيرز المكون من 25 فردا بخير بعد أن استولت إيران على السفينة بالقرب من مضيق هرمز”. وأكدت أن “المناقشات جارية مع السلطات الإيرانية لضمان الإفراج المبكر عنهم”.
والسفينة مليئة بالسوائل الصناعية والمواد الأساسية للمصنعين العالميين الذين يمتدون من الهند إلى كندا، وفقا لبيانات الشحن التي تمت مشاركتها من فيزيون مع بلومبرغ.
ورغم أن السفينة كانت تنقل كميات كبيرة من أصناف عادية للاستخدام الصناعي مثل ألواح التحميل البلاستيكية، كان على متنها أيضا حاويات قد تتزايد خطورتها في حالة عدم التعامل الصحيح معها.
وتشير بيانات تتبع السفن إلى أن أكثر من 50 حاوية مصنفة بشكل صريح على أنها خطرة أو سامة أو مُسببة للتلوث.
وتنتشر الوجهات النهائية للبضائع في نحو 60 دولة وتشمل شركات استيراد أميركية مثل إكسون موبيل وداو، وعددا أكبر من الشحنات مع شركات أقل شهرة في أوروبا وكندا وأميركا الجنوبية وفق فيزيون.
وذكر باتريك فيرهوفن، العضو المنتدب للرابطة الدولية للموانئ، أن الاستيلاء على السفينة أم.إس.سي آريز “يمكن أن يؤدي إلى زيادة تعطل عمليات عبور البضائع إلى داخل المنطقة وخارجها مما سيؤثر على كل الموانئ الأعضاء (في الرابطة) بطريقة أو بأخرى”.
ويتحاشى أغلب أسطول ناقلات الحاويات الذي يبحر عبر مسارات منطقة الشرق الأوسط تماما منطقة باب المندب ويلتف حول أفريقيا، في ظل استمرار هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
لكن الناقلات الأخرى، التي تعتمد على موانئ الخليج العربي والبحر الأحمر باعتبارها مراكز لنقل الحمولة من سفينة إلى أخرى لا يمكنها فعل ذلك، نظرا لأهمية المنطقة في نقل السوائل والمكونات المستخدمة في الصناعة.
وقال جيرارد دي بيبو، محلل أول للاقتصاد الجغرافي في بلومبرغ إيكونوميكس، إن “مضيق هُرمز ليس مجرد معبر تجاري، بالأخص لاقتصادات الخليج”. وأضاف أن “حمولة السفينة آريز هي مثال على تعقيد سلاسل التوريد العالمية ويعد احتجاز إيران للسفينة تذكيرا آخر بمخاطر معابر الشحن البحري”.
وينبغي أن يكون لدى السفن التجارية ثلاثة أنواع من التأمين، منها تأمين على هيكل السفينة أي ضدّ الأضرار التي قد تلحق بها، وتأمين على شحناتها وأخيرا تأمين “الحماية والتعويض” الذي يتضمّن تغطية غير محدودة للأضرار التي قد تلحق بأطراف أخرى.
لكن كلفة تأمين السفن والحمولات ضد مخاطر مرتبطة بنزاعات ارتفعت كثيرا في ظلّ الظروف القائمة في منطقة البحر الأحمر.
وحذرت منظمة التجارة العالمية قبل اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين هذا الأسبوع من أن الاقتصاد العالمي سوف يواجه المزيد من التباطؤ هذا العام متأثرا بتراجع الاستثمار وحركة التجارة الضعيفة.
وكشفت المنظمة الأسبوع الماضي في توقعاتها السنوية أن أحجام المبادلات انخفضت بشكل غير متوقع بنسبة 1.2 في المئة في العام 2023.
وقالت المديرة العامة للمنظمة نغوزي أوكونغو إيويالا في بيان حينها “نحرز تقدما نحو انتعاش التجارة العالمية”، لكن “من الضروري الحد من المخاطر مثل الاضطرابات الجيوسياسية وتفكك التجارة للحفاظ على النمو الاقتصادي والاستقرار”.