يرى العديد من المتتبعين والمهتمين بالمشهد السياسي الإيراني، أن رحيل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير حسين عبد اللهيان عن مجرى الأحداث الإقليمية والعالمية، لن يغير من سياسية إيران الإقليمية، إذا نظرنا بعين الاعتبار إلى طبيعة هيكلية النظام الثيوقراطي، ودور المرشد علي خامنئي، والحرس الثوري، وبعض المؤسسات المرتبطة بهما في المحافظة على البنية الأساسية والاستراتيجية الثورية القومية، والعمل على استمرارها، وإن تم تغيير واستبدال الوجوه، إذ لن يغير هذا الغياب، سياسة نظام الولي الفقيه الخارجية، لا في دعمها لحلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ولا في رغبته في الاستمرار على حالة من الوفاق الحذر مع دول الخليج العربي.
فعلى المستوى الداخلي، يأتي غياب رئيسي وحسين أمير عبد اللهيان بهذه الطريقة، ليزيد من أزمة الخلافة لهرم السلطة، وإدارة صراع التيارات المختلفة في الوصول إلى كرسي الرئاسة، فضلا عن حقيقة المخاوف من عودة الاضطرابات الداخلية، وبالتالي قد يوثر هذا التغير على الاستراتيجية المذهبية ونفوذها في المنطقة، ما سيشكل بدء مرحلة مختلفة جديدة لإيران، قد تغير في طبيعة الأحداث والتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، نظراً للأهمية التي يمثلها المرشد علي خامنئي، الذي يبلغ من العمر 85 عاما، والذي يعتبر قمة الهرم الحقيقي للسلطة السياسية والدينية للنظام الإيراني، حيث برحيله وبغياب مرشحه الرئيس إبراهيم رئيسي قد تتفاقم الأمور في إيران.
عمد رئيسي منذ وصوله للسلطة إلى انتهاج سياسة تميزت بعلاقات متينة مع كل من روسيا والصين، هدفها تعزيز القوة العسكرية الإيرانية وتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية
وعلى الرغم من أن إبراهيم رئيسي، كان بمثابة المرشح الحقيقي لخلافة المرشد الأعلى، للاستمرار على النهج نفسه، والاستراتيجية نفسها، لطبيعة العلاقة بين إيران ومحيطها الإقليمي والدولي، حيث عمد منذ وصوله للسلطة إلى انتهاج سياسة تميزت بعلاقات متينة مع كل من روسيا والصين، هدفها تعزيز القوة العسكرية الإيرانية وتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية، بيد أن خطورة المشاكل والحروب التي تشهدها المنطقة في غزة، ناهيك عن الإشكالية الناتجة من احتمال غياب المرشد الأعلى في المستقبل، نظرا لوضعه الصحي وكبر سنه، واحتمالات اختفائه المفاجئ من الساحة السياسية، قد تخلط الأوراق وتزيد من حدة الصراع على السلطة. لا شك في أن تزامن مصرع الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في حادث سقوط مروحيتهما في خضم الحرب على غزة والصراع على السلطة، قد يعزز نظرية المؤامرة، على الرغم من أن الرواية السائدة التي يسمعها الجميع، التي تشير إلى أن الحادث وقع نتيجة لسوء الأحوال الجوية، وأن لا وجود أهمية لرؤساء الجمهورية ووزراء الخارجية في رسم خريطة السياسة الخارجية لإيران منذ أكثر من 4 عقود. وبعيدا عن نظرية المؤامرة، التي يحاول البعض التشبث بها، وعلى الرغم من استمرار رفض إيران لسياسة الهيمنة الأمريكية، لم تظهر الإدارات الأمريكية، العداء الواضح للجمهورية الإسلامية، ولم تمانع استمرار الدور الإيراني المحوري، الهادف قلب موازين العالم العربي والإسلامي، ليتلاقى في النهاية مع الأهداف الأمريكية التي جاء بها مشروع «الفوضى الخلاقة»، حتى إن لم يكن الزعماء الإيرانيون على وفاق أو دراية بهذا الدور الخطير، الذي أعاد المجتمع العربي إلى صراعات الزمن الماضي، عن طريق سماح الولايات المتحدة لوصول نظام ثيوقراطي قادر على إعادة رسم خريطة العالم العربي من خلال الهوية الإثنية وزعزعة استقراره، ومن ثم العمل على تحييد هذا النظام، إذا لزم الأمر وتدارك خطره في حال خروجه عن دائرة الأهداف التي رسمت للمنطقة، والعمل على منعه امتلاك السلاح النووي في حال استمرار رفضه لسياسة الهيمنة الأمريكية ومصالحها.
وهنا لا بد من التذكير بأن الإطاحة بنظام حكم الشاه وعودة الخميني، لم تكن أن تحدث إلا من خلال الضوء الأخضر الأمريكي والغربي، ولم تظهر الإدارة الأمريكية حالة من العداء تجاه النظام الجديد في عام 1979، سعيا لإعادة رسم العالم العربي، وخوفاً من سقوطه في الوقت نفسه بأحضان المعسكر السوفييتي. لا شك في أن مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين عبد اللهيان وغيابهما عن مجرى الأحداث الإقليمية في هذا الوقت، قد يقرأ من قبل البعض على انه فشل لاستراتيجية المرشد الأعلى في ما يتعلق بالملف النووي مع الغرب. ولكن هذا لا يعني في الوقت نفسه قبول الجمهورية الإسلامية التخلي عن عقيدتها القومية في التوسع على حساب جيرانها، وبناء ترسانتها العسكرية ومعاداة كل من يقف في وجها في الشرق والغرب. وهذا ما يفسر الموقف الأمريكي، السماح باستمرار نظام الثورة الإسلامية ورفض إسقاطه، أو شن الحرب عليه من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكما كان الحال في العراق، بل تعديله وتصحيحه في حال خروج مسؤوليه عن المسار ومساسه بمصالح واشنطن ومصالح الغرب عموما مع إسرائيل. وهنا يكمن بيت القصيد في ما يحدث للجارة المسلمة إيران.