اياد العناز
جاء حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في العشرين من شهر آيار 2024 ليلقي الأضواء على العديد من المسارات السياسية والآفاق المستقبلية لنظام الحكم القائم في طهران بعد الاعلان الرسمي عن وفاة رئيسي جراء سقوط الطائرة التي كان يستقلها خلال رحلة العودة في محافظة أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران بعد اللقاء التي عقده مع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف صباح يوم الحادث إذ تم تدشين سد (قيز قلعة سي)، كما لقي كل من وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي وإمام جمعة تبريز آية الله محمد علي آل هاشم إلى جانب طاقم الطائرة والحراس حتفهم على نفس الطائرة.
سارعت القيادة الإيرانية إلى إصدار التوجيهات الخاصة باعتماد المادة (131) من الدستور في تولي نائب الرئيس، ( محمد مخبر) صلاحيات ومسؤولية الرئيس والاعداد لانتخاب الرئيس القادم خلال مدة خمسون يومًا، لتعطي إشارة واضحة ان الحادث سوف لا يتسبب في أي تعطل لامور الدولة ومتابعة شؤونها الداخلية وسياستها الخارجية وأن النظام قائم على إدارة المؤسسات وليس الاعتماد على الأشخاص مهما كانت مواقعهم ، وتم تحديد يوم 28 حزيران 2024 موعدًا لإجراء الانتخابات الرئاسية.
يمكن الأخذ بنظر الاعتبار العديد من التداعيات التي ستظهر بعد الحادث ومنها ما يتعلق بأسطول النقل والطيران المدني الإيراني والمطالبة بتحديث البنية التحتية لهذا القطاع المهم والسعي لمفاتحة الشركاء الرئيسين والحلفاء الاستراتيجين للنظام في موسكو وبكين وتفعيل الإتفاق الذي سبق وان وقعته الحكومة الإيرانية لشراء (180) طائرة نوع بيونغ بين شركة الطيران الوطني ( إيران أير) وشركتي إيرباص وبيونغ، بعد أن كشف وكالة (رويترز) في أحدث تقرير لها عن أن عديد أفراد سلاح الجو الإيراني يبلغ حالياً 37 ألف فرد، فيما يكشف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عن أن طهران لديها سرب من تسع طائرات مقاتلة من طرازي إف-4 وإف-5، وآخر من طائرات سوخوي-24 روسية الصنع، إلى جانب عدد من طائرات ميج-29 وإف-7 وإف-14، وهذا يعني عدم وجود أي تطور وتحديث للطائرات الحربية المقاتلة أيضًا، وإنما الاعتماد كان على تطوير برنامج الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية بعيدة المدى.
ويتكون الأسطول التجاري الإيراني الحالي بشكل كبير من طائرات بوينغ وإيرباص القديمة نوع (747 إس بي 727 وإيه 300) ويتضمن ما بين 250 و300 طائرة ركاب، أكثر من نصفها خرج عن الخدمة في السنوات الأخيرة بسبب الأعطال وقدمها.
ويمكن العودة إلى ما قاله وزير الصناعة والتجارة عباس علي آبادي في شهر أيلول 2023 عندما تحدث عن كثرة الطائرات التي بها عيوب فنية، وقال إن هناك (مقبرة للطائرات الرابضة) في مطار مهرآباد بطهران، كما نشرت صحيفة ( اعتماد) التابعة للتيار الإصلاحي يوم الخامس من آيار 2024 مقالاً ذكرت فيه ( ان أغلب الطائرات الإيرانية بحاجة إلى تأهيل)
وهناك تسريبات روسية تقول إن الطائرة التي أقلت الرئيس استخدمت لأكثر من 30 عاماً، وأصابتها أعطال كثيرة أخيراً، وهذا تأكيد على عدم وجود صيانة دائمة واهتمام بقطاع النقل وعدم مراعاة حقيقة ميدانية فيما يتعلق بالطائرات التي تستخدم من قبل الرئاسة الإيرانية.
ولكن الأبعاد الحقيقية انها تأتي في وقت أصبح اختيار المرشد الأعلى بعد خامنئي قائما وبشكل فعال وعبر شخصية الرئيس إبراهيم رئيسي بإتفاق معظم القيادات السياسية والعسكرية والأمنية، وهذا ما سيخرك أدوات الدولة العميقة وسيكون لها تأثيرها القادم على اختيار شخصية بديلة على أن يتم ذلك بعد انتخاب رئيس جديد ورغم ان الانظار تتجه إلى الابن الثاني لخامنئي ( مجتبى) كونه الأبرز على الساحة الإيرانية الا ان هناك أبعاد كثيرة قد تؤخر هذا الاختيار ومنها تداعيات تحطم الطائرة الرئاسية ونتائج التحقيق وعدم موافقة الفرضيات التي اقرا بأن الصراع السياسي الداخلي سببه الحادث،وننا سيرك النظام على ابقاء السياسة الخارجية وأهدافها كما هي بتوجيه دائم من علي خامنئي وقيادات الحرس الثوري وايتدامك المشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ، ولكن من الممكن أن يؤدي الحال إلى إعادة ترتيب البيت الإيراني واستقرار الحالة التغلب على تداعيات الحادث، وهذا يعني التباطئ في استمرار المباحثات غير المباشرة التي انطلقت قبل الحادث في العاصمة العمانية ( مسقط) بخصوص البرنامج النووي الإيراني وتجنب أي إجراءات إيرانية قد تفهم انها تشكل اتهامات او استفزاز للجانب الأمريكي والأوربي والإسرائيلي بخصوص ما ستترتب عليه نتائج التحقيق في حادث سقوط الطائرة، وحتى على مستوى العلاقات مع قادة الميليشيات المسلحة التي ترتبط بعلاقات وطيدة وشراكة دائمة مع الحرس الثوري الإيراني والتي أكد الجانب الإيراني على ثباتها، وهو ما اتضح من الاجتماع الذي عقده قائد الحرس الثوري حسين سلامي وقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني في طهران مع قيادات من جماعة الحوثي اليمنية وجماعة حزب الله اللبنانية على هامش تشييع جثمان أبراهيم رئيسي والطاقم الذي كان معه.
وهناك أمر فني اخر اثبت ضعف واضح تعاني منه إيران في إدارة شؤون الدولة ومواجهة الكوارث والأزمات حين تقدمت إيران بطلب المساعدة من تركيا وروسيا والاتحاد الأوروبي لتشغيل خدمة خرائط الاستجابة السريعة (كوبرنيكوس أي أم إس) التابعة للاتحاد الأوروبي، ثم أعلن البيت الأبيض أن طهران طلبت المساعدة في العثور على مروحية رئيسي لكن واشنطن لم تفعل لأسباب لوجستية.
وحاءت المساعدة التركية عبر مسار الطائرات المسيرة والتي تمكنت من تحديد مكان الطائرة واجزائها المتناثرة والأشخاص الذين كانوا على متنها، وهذا ما سبب حديثًا في الأوساط الأمنية الإيرانية من أن الجانب التركي من الممكن أن قام بتصوير هذه المناطق المهمة ذات العمق الاستراتيجي داخل الأراضي الإيرانية.
ويبقى الفعل الدولي والإقليمي متابعًا لما سيجري في إيران، فالولايات المتحدة الأمريكية ترغب بعدم حدوث أي تغيير سياسي والتزام إيران بما اتفقت عليه مع واشنطن في عدم التصعيد والابقاء على حالة الهدوء بالمنطقة واستمرار المباحثات حول الإتفاق النووي مقابل تمسك واشنطن بعدم التعرض للنظام واستمراره في السلطة ورفع العقوبات الإقتصادية عنه وإطلاق الأموال المجمدة، فالمرشد الإيراني هو من منح الضوء الأخضر لعقد الإتفاق النووي عام 2015، مع الاحتفاظ بسياسته وتوجهه نحو الشرق وتعميق العلاقات مع روسيا والصين في مواجهة الغرب، ومن ثم فلا يمكن توقع تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية.
ان القادم من الأيام سيظهر حقيقة السياسة الإيرانية وطبيعة تعاملها مع الوضع الداخلي وهل ستسمح للتيار الإصلاحي والمعدل ان يؤخذ دوره في الانتخابات القادمة لرئيس الدولة أم ستكون الكلمة لقوى الدولة العميقة وان الاختيار سيكون لصالحها باعتماد ودعم شخصية قريبة ومؤيدة لتوجيهات المرشد لقيادات الحرس الثوري وان الترشيح سيكون للمنتمين للتيار المتشدد، وأن استمرت هذه السياسة فإن الاحتقان والصراع بين اطراف النظام سيبقى ويةون ذا تأثير على وجود النظام وعلاقته مع الشعوب الإيرانية إذا ما أمعن في منع شخصيات سياسية من الترشيح عبر مجلس صيانة الدستور، وهذا ما سيكون له تأثير على قناعات الجمهور الإيراني وعدم ثقته بالانتخابات أو المشاركة فيها.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية