ولد مجتبى خامنئي في السابع من سبتمبر (أيلول) 1969 في مدينة مشهد وهو الابن الثاني لعلي خامنئي، ويعرف بأنه أكثر الرجال غموضاً في حلقة ولي الفقيه والحرس الثوري والأجهزة الأمنية. وتلقى مصطفى مثل باقي أبناء المرشد التعليم في مدرسة “علوي”، وبعد أخذ شهادة “دبلوم” انتقل إلى قم ليتقرب من رجال دين مبشرين مثل محمد تقي مصباح يزدي وآهنكر خورم أبادي وآية الله صافي ومكارم شيرازي المعروف بهيمنته على تجارة السكر في إيران.
ووردت تقارير عن مشاركة مجتبى خامنئي في جبهات القتال بين إيران والعراق في الثمانينيات إلى جانب محسن هاشمي الابن الأكبر للرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني. وطبقاً لهذه التقارير كان مجتبى بعمر 17 سنة عندما توجه إلى الحرب لينضم إلى كتيبة “حبيب بن مظاهر” التابعة لـ”جيش محمد رسول الله”.
وكان أبناء المسؤولين الإيرانيين يبدون اهتماماً للانضمام إلى هذه الكتيبة. ففي الواقع الانضمام إلى هذه الكتيبة يضمن مستقبلهم إذا ما بقوا أحياء بعد الحرب، وأصبح عدد من أعضاء هذه الكتيبة في ما بعد من أبرز الشخصيات الأمنية في النظام الإيراني ويعملون في الوقت الحاضر عاملين لدى مجتبى خامنئي ويتولون مناصب عسكرية وسياسية رفيعة في النظام.
ومن بين هؤلاء يمكن الإشارة إلى علي رضا بناهيان رجل الدين المقرب من بيت المرشد، ومهدي طائب الرئيس الأسبق لاستخبارات الحرس، وعلي فضلي وحسن محقق وهما من قادة الحرس الثوري، ووحيد حقانيان سكرتير مرشد النظام علي خامنئي.
وقد روجت وسائل الإعلام التابعة للنظام أن مجتبى شارك في عمليات حربية مثل “بيت المقدس 2 و3 و4” و”الفجر”، وقد ورد أنه طلب من الجميع حينها أن ينادوه باسم “الحسيني”.
ويحاول بعض قادة الحرب مثل نور علي شوشتري أن يصفوا مجتبى بأنه كان مقاتلاً شجاعاً أثناء الحرب، إذ قال “كنا نخوض القتال في عملية القدس 3، عندما كنت منهمكاً بالحديث إلى الآخرين ذهب مجتبى إلى الخط الأمامي للقتال. كلما فعلت لم أستطع منعهم، إذ ذهب بصحبة آخرين من المقاتلين. اتصلت بقادة فرقتهم وطلبت منهم أن ينتبهوا لكيلا يشارك مجتبى ومن معه في الخط الأمامي”.
لم يكن علي خامنئي حينها مرشداً للنظام ولم يخطر على بال أحد أن يصبح مجتبى خامنئي أحد خيارات منصب “ولي الفقيه”، وكان قادة الحرس ومنهم علي فضلي يراودهم القلق من احتمال مقتل مجتبى خامنئي أو محسن هاشمي في الحرب، وفي الأثناء طلب خامنئي من مجتبى العودة إلى طهران.
وكان المرشد قد رد على انتقاد مهدي كروبي في شأن تدخل مجتبى خامنئي في الانتخابات ووصفه بأنه رجل مستقل، منذ أن كان في سن الـ20 من عمره.
وفي وقت يتسم فيه أبناء رجال الدين بعادات مثل التكبر والفساد كان مجتبى قد تولى منذ وصوله العقد الثالث من عمره مهام كبيرة في مكتب والده لتقديم الاستشارة إلى والده. وقد طلب خامنئي من غلام علي حداد عادل الإشراف على تعليم مجتبى مما مهد ليصبح مجتبى صهراً لحداد عادل ويتزوج زهراء حداد. وقد نقلت روايات كثيرة عن كيفية الزواج بين مجتبى وابنة حداد عادل.
ففي عام 1998 كانت زهراء حداد في الصف الرابع في الثانوية عندما تقدمت زوجة المرشد، خوجسته باقرزادة لطلب يدها لابنها. وقال حداد عادل، اتصلت بنا ذات يوم، وطلبت منها زوجتي أن تعرف نفسها فردت عليها: أنا زوجة مقام القائد المعظم.
وأضاف عادل أن الحديث عن الزواج تقرر تأجيله إلى بعد انتهاء دراسة زهراء “في ذلك الوقت حصلت ابنتنا على شهادة الدبلوم. وبعد التمهيدات قدم الابن ووالدته إلى منزلنا وقدما قطعة قماش كهدية للعروس، ثم تحدثنا عن السيد مجتبى وبعد اللقاء سألنا زهراء عن رأيها فقالت إنها مستعدة للزواج منه”.
وتوجه بعدها حداد عادل ومجتبى إلى منطقة “كريم خان” في طهران لشراء هدايا العرس. ويقول حداد إن مجتبى اختار أرخص ساعة في المحل، وكان سعر خاتم الزواج لم يتعد 600 ألف تومان (14 دولاراً).
وأقيم حفل زواج مجتبى وزهراء في منزل والد العروس. كان ذلك خلال تولي محمد خاتمي رئاسة البلاد. وكان معظم الضيوف من عائلة العروس لأن العريس لم يكن له كثر من الأقارب في طهران عدا ثلاثة من الأعمام وعائلاتهم. وللزوجين ثلاثة أولاد (ابنان وابنة) وقد وردت إشاعات كثيرة عن مكان وكيفية ولادة الابن الأول لهما.
وتكشف المعلومات التي وردت من ذكريات القادة الأمنيين في الحرس الثوري عن أن مجتبى خامنئي انضم إلى مكتب والده بين عامي 1998 و1999 وتحول إلى عضو غير رسمي في مكتب والده ويستمر على النهج نفسه حتى الآن.
ولقد شاهد مجتبى خامنئي مصير أحمد الخميني الذي كان يؤدي أدواراً مشابهة خلال حياة مؤسس النظام روح الله الخميني، لكن أدواره أصبحت أكبر مما كان يؤديها نجل الخميني.
منذ التسعينيات يعرف العاملون في مكتب المرشد وكثر من مسؤولي النظام مدى نفوذ مجتبى المتصاعد في الشؤون السياسية والأمنية في النظام، إذ يتمحور حوله معظم القادة العائدين من الحرب. ومعظم هؤلاء العائدين من الحرب كانوا يعملون في فرقة “حبيب بن مظاهر” ويتولون حالياً مهام أمنية ويتدخلون في هندسة الانتخابات في البلاد. وهذه المجموعة تدخلت في انتخابات عام 2005 وعملت تحت إشراف مجتبى لهندسة الانتخابات ليخرج من صندوق الانتخابات محمود أحمدي نجاد الذي لم يكن معروفاً حينذاك.
وكان أكبر هاشمي رفسنجاني أحد ضحايا تلك الانتخابات لكنه لجأ إلى الصمت، ولم يطق مهدي كروبي الأمر وتحدث عن تغيير الانتخابات بصورة واسعة عندما خلد إلى النوم للحظة ليلة عد الأصوات.
وتحدث كروبي للمرة الأولى عن تدخل مجتبى في الانتخابات للتمهيد إلى وصول محمود أحمدي نجاد إلى منصب الرئاسة. وكان رد علي خامنئي واضحاً “مجتبى رجل”. هذا الرد يحمل معاني أخرى في الوقت الحاضر إذ يضع خامنئي لنجله حسابات كثيرة ربما أحدها أن يصبح خليفة له.
وأطلق المحتجون بعدها شعارات ضد مجتبى، ووردت تقارير كثيرة عن تدخله في قمع “الانتفاضة الخضراء” ولقاءات جمعته وقادة “الحركة الخضراء”.
وما ورد على لسان قادة النظام الإيراني يثبت أن مجتبى ينشط في الساحة السياسية والأمنية منذ سنوات طويلة ويطلب باستمرار تقارير من المؤسسات ومراكز القرار. وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال أكبر نبوي عضو مجلس إدارة صحيفة “رسالت” في اجتماع خاص مع أكبر هاشمي رفسنجاني إن “السيد مجتبى طلب منا تقديم تحليل عن وضع الجامعات في البلاد”.
ولمجتبى نفوذ واسع في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ويعرف مديرو هذه المؤسسة التي يعين خامنئي القائمين عليها أن الطرف المعني بعملهم هو نجل المرشد وليس المرشد نفسه. وعلى سبيل المثال قال الرئيس السابق لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون محمد سرأفراز في كتابه إن مجتبى جمع منذ عام 2009 عدداً من المديرين الأمنيين في بيت المرشد، وهذه المجموعة تعمل كدولة داخل هيكل الدولة الرسمية، وكان أول اختبار لهم التعامل مع أزمة استمرت تسعة أيام بين بيت المرشد ومكتب محمد خاتمي.
وتحدث الرئيس الحالي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون عبدالعلي عسكري عن اتصالات مباشرة وعاجلة من مجتبى له. وسبق وقد قال إن مجتبى اتصل به فجراً وعند رده على الاتصال أبلغه بهدوء “استشهد الحاج قاسم سليماني في مطار بغداد”.
كما تحدث كبار المسؤولين في الحرس الثوري عن الدعم المباشر والخاص لمجتبى في الشؤون العسكرية والأمنية. على سبيل المثال تحدث قائد مؤسسة الصناعات الصاروخية التابعة للحرس الثوري في وثيقة مسربة عن لقاء بعض قادة الحرس مع علي خامنئي عن المساعدات الخاصة لمجتبى، لتزويد الصناعات الصاروخية والطائرات المسيرة التابعة للحرس الثوري بمصادر مالية.
وصول مجتبى خامنئي إلى السلطة لا يستند فقط إلى نفوذه في جهاز الأمن فحسب، بل إنه أمضى وقتاً طويلاً منذ عام 2008 في الحوزات العلمية في قم من أجل كسب شعبية بين رجال الدين ووسائل الإعلام الحكومية، وقد عمدت وسائل الإعلام هذه على منحه لقب “آية الله” ونشرت روابط عن مشاركته في تعليم دروس متقدمة في الفقه لكن لم ترد أي تقارير عن عدد تلاميذه في الدروس الفقهية المتقدمة.
وترد في بعض الأحيان تقارير عن محاولات لعلي خامنئي للترويج لابنه لدى رجال الدين في قم يبرز فيها إمكانات وقوة مجتبى. وفي بيان نشره عدد من المعلمين وطلبة الحوزات الدينية في قم عام 2009 أكدوا أن أحد أهداف سفر خامنئي إلى مدينة قم هو طلب منح درجة “الاجتهاد” لنجله مجتبى من قبل كبار رجال الدين في المدينة الدينية.
يعتقد جزء كبير من رجال الدين والمؤسسات الأمنية في النظام الإيراني أنه يجب الحفاظ على النظام بصورته الحالية وضرورة تجنب أي تغيير، لذلك يبرزون أوجه الشبه بين مجتبى ووالده. وقد نشرت خلال السنوات الماضية ذكريات وروايات كثيرة لمسؤولي النظام وتدور جميعها حول أن “مجتبى يشبه والده”.
وقال فريد الدين حداد عادل شقيق زوجة مجتبى أخيراً “الرؤية واليقظة لديه تنطبق تماماً على صفات القائد لذلك نشعر بالراحة والاطمئنان”.
يضاف إلى هذه النشاطات إشرافه على الإمبراطورية المالية للمرشد. ويقول أنصار النظام إن 60 في المئة من اقتصاد إيران يعود إلى مؤسسات يشرف عليها علي خامنئي منها “مؤسسة المستضعفين” و”لجنة الإغاثة” و”مقر خاتم الأنبياء” الجناح الاقتصادي للحرس الثوري.
وجميع الاحتمالات المتعلقة بالمستقبل السياسي لمجتبى رهن ببقاء النظام الحاكم في إيران، في وقت يتوغل فيه النظام بإراقة دماء المواطنين ويحكم البلاد بنسبة متدنية من الشرعية ويعاني عقوبات دولية وأزمات اقتصادية، ليس من الواضح إذا ما كان هذا النظام سيصمد أمام طوفان الاحتجاجات الشعبية بواسطة القمع والاعتقالات.
ويخوض مجتبى خامنئي قماراً كبيراً، لكن هذا رهن ببقاء والده ونظامه. فالشعب أطلق مرة شعار “ستموت يا مجتبى ولن ترى منصب القيادة”. يقولون إن الملك فيصل الثاني قال لخطيبته التركية فضيلت “سنلد ولداً يعمل لترسيخ جذور حكمنا الملكي والسماوي في أرض العراق المقدسة”. لم يمض وقت طويل حتى وضعه جنود عبدالكريم قاسم أمام فوهات الدبابات في شوارع بغداد.
لقد ذهب إبراهيم رئيسي ودفنت معه آماله… لكن إلى أين ستنتهي آمال مجتبى؟