شهدت الانتخابات الأخيرة للاتحاد الأوروبي، التي يشارك فيها مئات الملايين من سكان البلدان الأعضاء الـ27، صعودا لافتا لأحزاب اليمين المتطرّف، فحصل تحالف حزب الشعب الأوروبي على 7 مقاعد أكثر مقارنة بعام 2019، لكنّ النتيجة الأعلى تأثيرا كانت تحقيق حزب «التجمع الوطني» الفرنسي تقدما ساحقا (31,5٪ من الأصوات) أي أكثر من ضعف الأصوات التي حصل عليها حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (تراجعت حصته في البرلمان الأوروبي من 102 إلى 83 مقعدا) مما دفع الأخير إلى إعلان حل الجمعية الوطنية (البرلمان) وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة، كما حققت كتلة المحافظين والإصلاحيين، وهو تحالف مشكك بالاتحاد الأوروبي خمسة مقاعد إضافية لتصبح الكتلة الرابعة وزنا، وخسرت «الهوية والديمقراطية» وهي كتلة يمينية إلى يمينية متطرفة مقعدا واحدا.
الخسارة الكبرى حلّت بتحالف الليبراليين الديمقراطيين (حزب تجديد أوروبا) الذي فقد 20 مقعدا، وكذلك كتلة الخضر (التحالف الحر الأوروبي) التي هبطت 20 مقعدا، فيما حافظت كتلتا اليسار (الأوروبي المتحد) و(الأخضر الشمالي) على مقاعدهما (مع خسارة مقعد واحد) وهو ما يعني أن واقع البرلمان الأوروبي صار يعكس مزاجا متزايدا للتطرّف اليميني، وهو ما سيترك تداعياته على ظاهرتين أوروبيتين كبريين: الأولى هي ظاهرة تنامي العنصرية وفي صلبها كراهية الأجانب (والمسلمين على وجه الخصوص) والثانية تنامي اتجاه الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
أدت الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين إلى آثار متدرجة ملحوظة على السياسات العامّة للدول الأوروبية، وعلى العرب والمسلمين فيها، بدأت مع اتخاذ أغلب حكومات دول أوروبية كبيرة، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، مواقف منحازة بشدة لجانب إسرائيل، انعكست في محاولات منع التظاهر أو الاعتصام والتجمع لصالح فلسطين، وفي القيام بإجراءات تعسّفية تتنكّر للمبادئ الحقوقية الأوروبية، كما فعلت بريطانيا بحظر حزب التحرير الإسلامي، وأدت مجمل هذه السياسات إلى نتائج معاكسة فاشتدت التظاهرات وتعددت أشكال التصدّي للسياسات الرسمية، فخسر حزب العمال مقعدا في البرلمان لصالح جورج غالواي، وابتعدت نسبة كبيرة من ناخبيه عنه.
انعكس الأمر في فرنسا عبر مواقف حزب «فرنسا الأبية» اليساريّ الذي تحدّى الإجراءات السياسية والبرلمانية ضدّه بأشكال إبداعية، كما فعل نوابه حين لبسوا ثيابا بألوان الأسود والأبيض والأخضر والأبيض وجلسوا في البرلمان بشكل يمثل العلم الفلسطيني، كما كان فوز ريما حسن، المرشحة الفلسطينية (التي يعود أصلها لقرية البروة شرق عكا والمولودة في مخيم النيرب القريب من حلب بسوريا) بأحد مقاعد الحزب في البرلمان الأوروبي، أحد تجلّيات هذه العلاقة بين الناخبين العرب والمسلمين بالحزب اليساري، وحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة فرنسية فإن 62٪ من الفرنسيين المسلمين صوّتوا لصالح «فرنسا الأبية» وهو يشبه ما فعلوه في انتخابات الرئاسة عام 2022 حين صوّت 69٪ منهم للمرشح اليساري جان لوك ميلانشون.
ستجري الانتخابات التشريعية البريطانية في الشهر المقبل، وهناك دراسة تفيد بأن الناخبين المسلمين، وعددهم مليونان، باتوا قادرين على حسم 31 مقعدا برلمانيا في مختلف المناطق البريطانية، وقد أظهرت الدراسة أن الصوت المسلم سيشكل فارقا في عدد من الدوائر الرئيسية في العاصمة لندن، وتتوزع المقاعد في البرلمان الحالي بين «العمال» (14 مقعدا) و«المحافظين» (14 مقعدا) و«القومي الاسكتلندي» (3 مقاعد) وفي كل هذه المناطق سيمتزج بالتأكيد، كما في كل مكان من أوروبا، موضوعا فلسطين، ومواجهة العنصرية والإسلاموفوبيا، كما يمتزج صعود الاتجاهات الفاشية واليمينية المتطرّفة مع التقارب مع إسرائيل.