اياد العناز
افصحت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية عن حقيقة الصراعات السياسية والخلافات بين التيارات المتنازعة على الحكم والاختلاف في وجهات النظر حول قيادة البلاد وطبيعة الإجراءات والوسائل التي ستواجه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الإيراني وكيفية إدارة شؤون الدولة ومؤسساتها وعلاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والادوات الكفيلة برفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وإيجاد حلول لإعداد اتفاقية جديدة للبرنامج النووي وإعادة إيران لوضعها الإقليمي والدولي، تباينت الأراء واختلفت الرؤى في العديد من الطروحات السياسية التي مثلت البعد الاستراتيجي في إعادة تكوين هيكلية المنظومة الحاكمة وكيفية إدارتها بما يتلائم والاوضاع السائدة في العالم وبما يضمن استمرار سياسة قبضة النظام والحفاظ عليه.
أعطت المراحل الأولى للانتخابات صورة واضحة للصراع القائم في التيار المحافظ والخلافات الشديدة التي أثرت على طبيعة ونتائج المرحلة الأولى والتي شهدت تفوق مرشح التيار الإصلاحي حيث جاءت الأصوات متتالية وحسب ما أعلنه المتحدث بأسم وزارة الداخلية الإيرانية محسن إسلامي في المؤتمر الصحفي الذي عقد في مقر الوزارة يوم السبت الموافق التاسع والعشرين من حزيران 2024، حيث تم إحصاء الأصوات في 58 ألفًا و640 فرعًا في 482 مدينة، وكان مجموعها 24 مليونًا و535 ألفًا و185 صوتًا وزعت على المرشحين كالتالي:
1.مسعود بزشكيان: 10415991 صوتًا.
2.سعيد جليلي: 9473298 صوتًا.
3.محمد باقر قاليباف: 3383340 صوتًا.
4.مصطفى بور محمدي: 206397 صوتًا.
5.الأصوات الباطلة: 1056159 صوتًا.
يوضح الجدول عبر الأرقام والاحصائيات الصورة الميدانية لمدى اهتمام الشعوب الإيرانية بالانتخابات ونسبة المشاركة الحقيقية التي بلغت 40٪ وهي اقل نسبة شهدتها إيران منذ عام 1979 والتي تعكس حقيقة الأوضاع السيئة والمعاناة الكبيرة التي يمر بها المواطن الإيراني والأزمات الاجتماعية التي يعيشها والتي أدت إلى إحجام 60% ممن يحق لهم الاقتراع عن التصويت وكأنه نوع من رد الفعل على السياسات التي أخفقت في إيجاد حلول جذرية لجميع المشاكل وعدم وجود أفق سياسي ومستقبل زاهر يتمناه الإيرانيون.
والنقطة المهمة التي اتسمت بها الانتخابات هي التأييد والمناصرة التي حظي بها مرشح تيار الإصلاح مسعود بزشيكان من قبل الرئيسي السابقين محمدخاتمي وحسن روحاني وقيام وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف بمرافقة بزشيكان في جولاته الميدانية للمدن الإيرانية بل تولى مهمة المستشار السياسي له، كما تم ملاحظة الافتراق في الرؤية السياسية لكل من سعيد جليلي مرشح تيار المحافظين ومرشح تيار الإصلاح حيث شهدت مرحلة الاعداد للانتخابات اختلاف في العديد من القضايا المهمة، فدعا مهدي بزشيكان إلى
تعزيز الحريات وحقوق المرأة في المجتمع وإحياء العلاقات مع الغرب والسعى لرفع العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، في حين أن سعيد جليلي اتخذ موقف المفاوض الصلب في وجه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وهو نفس الموقف الذي انتقد فيه جليلي بشدة الاتفاق النووي الذي وقع في زمن الرئيس الإيراني حسن روحاني واعتبره انتهاك للخطوط الحمراء في القبول بعمليات تفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع النووية الإيرانية.
وجاءت الانتخابات لتبرز عمق الخلافات بين التيار الواحد وهو ما شهدته المناكفات بين مرشحي التيار المحافظ وكشفت الخلافات العميقة وغير المسبوقة بين الأعضاء التقليديين لهذا التيار وبخاصة في حملة محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي والتي
شهدت خلافاً كبيرًا في كيفية مواجهة الأزمات الاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم وزيادة البطالة وانخفاض العملة المحلية والافتار إلى رؤية صادقة لرفع العقوبات الاقتصادية وهذا ما يعني وجود شرخًا عميقًا داخل النظام ودليل ميداني عن عدم وحدة الرأي لدى قيادات هذا التيار بل هو ما يؤكد حقيقة الصراع القائم والذي من الممكن أن يهدد بقاء النظام مستقبلًا.
ان المنحى الذي عرج عليه مرشح التيار الإصلاحي بزشيكان يجعل من احتمال حصوله على نسبة عالية من التصويت انه ارسل رسائل إيجابية من شأنها أن تخفف من نتائج ووطأة العقوبات الأميركية والعودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي وهذا ما تريده الشعوب الإيرانية في سعيها للخروج من ازماتها الاجتماعية وسوء الحالة المعاشية وانعدام الخدمات العامة، وهو ما جعل مهدي بزشيكان يعلن اختياره لمحمد جواد ظريف مستشارًا له استنادًا لقدراته السياسية والتفاوضية التي قاد فيها الاتفاق النووي عام 2015 عندما شغل منصب وزير خارجية إيران،كما أنه استطاعته جذب أصوات الأقليات في محافظات كردستان وخوزستان وسيستان وبلوشستان باعتباره من الأقلية الاذربيجانية، وأصوات مؤيدي الإصلاح الاجتماعي والسياسي في إيران،
في حين أن مرشح تيارالمحافظين سعيد جليلي يعتمد في الأساس على ثقة المرشد الأعلى، تلك الثقة التي مكنته من شغل منصب ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي إلى جانب مناصب أخرى منها رئيس المفاوضين في حوارات البرنامج النووي الإيراني والعلاقة الجيدة التي تربطه قيادات الجيش والحرس الثوري الإيراني .
ومهما كانت نتائج الانتخابات وسياقات اجراءاتها ومن سيكون رئيساً لإيران فإن مهدي بزشكيان وسعيد جليلي يحتاجان إلى موافقة القيادة العليا للنظام الإيراني ممثلة المرشد الأعلى علي خامنئي في أي قرار استراتيجي يتعلق بمستقبل وعلاقات النظام الدولية والإقليمية وطبيعة السياسات المنجزة فيها ولا يمكنهم مغادرة الخطوط العريضة التي ترسمها مؤسسة الحكم ولا يمكن أن يتم ذلك بدون تأييد قيادات الحرس الثوري.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركر الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة