إيران تحسم الصراع على حكومة ديالى درءا لانفراط عقد حلفائها في العراق

إيران تحسم الصراع على حكومة ديالى درءا لانفراط عقد حلفائها في العراق

التوافق المفاجئ بين قطبي الصراع على قيادة الحكومة المحلية لمحافظة ديالى شمالي العاصمة العراقية بغداد، والتنازل الكبير الذي قدّمه أحد القطبين من دون مقابل واضح أثارا التساؤلات حول القوة الكبيرة الدافعة لذلك التوافق الذي تعذّر تحقيقه طيلة أشهر.

بغداد – مثل حسم الصراع الدائر منذ يناير الماضي على المناصب القيادية لحكومة ديالى المحلية بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري، مفاجأة للأوساط المتابعة للملف الذي لم تَبْد،ُ حتى الساعات الأخيرة قبل الإعلان عن اختيار الفريق القيادي في تلك الحكومة، أي بوادر على حلّه بسبب تمسّك كل طرف بمنصب المحافظ. ولم تحمل الصيغة التي تشكلت وفقها الحكومة المحلية لديالى أي حلّ مبتكر حيث قامت على تنازل كامل من منظمة بدر وهو أمر كان يمكن أن يحدث منذ أشهر طويلة توفيرا للوقت وتجنّبا للاحتقان الذي تسبب به السجال بين ميليشيا العامري وائتلاف المالكي.

وقالت مصادر سياسية إنّ تدخّلا إيرانيا في الملف قاد إلى حلّه بسرعة بناء على طلب مباشر توجّه به سفير إيران لدى العراق محمد كاظم آل صادق إلى كلّ من المالكي والعامري بوجوب تنازل أحدهما بهدف تجنّب التصعيد والتوتّر في المحافظة الواقعة على الحدود بين البلدين، ولمنع انفراط عقد الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل للحكومة العراقية والذي يُعتبر الرجلان من أبرز أقطابه. وأوضحت المصادر أنّ التدخل الإيراني في ملف ديالى جاء بعد تجاوز الصراع لقدرة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني على حسمه كونه يدور بين طرفين يتجاوز نفوذهما في الدولة العراقية سلطات رئيس الحكومة نفسه.

وتمّ تشكيل الحكومة الجديدة لديالى خلال اجتماع لأعضاء مجلس المحافظة المنتخبين في ديسمبر الماضي لم ينعقد في المحافظة بل تمّ عقده بعيدا عن الأضواء في فندق بالعاصمة بغداد وأفضى إلى اختيار عضو كتلة دولة القانون عدنان الشمري محافظا، وعمر الكروي من كتلة السيادة رئيسا لمجلس المحافظة، وسالم التميمي من ميليشيا عصائب أهل الحق نائبا لرئيس المجلس، ومصطفى اللهيبي من كتلة عزم نائبا أول للمحافظ، وغازي الجبوري من حزب تقدم نائبا ثانيا له.

وبينما غابت منظمة بدر بشكل كامل عن ديالى، قالت مصادر إنّ التوافق على الحلّ جاء مسقطا ودون رضا قواعد المنظمة حيث غاب المحافظ السابق مثنى التميمي الذي كانت بدر تطالب بالتجديد له. وكتب التميمي على حسابه في فيس بوك أنه لم يحضر الجلسة استجابة لمطلب أهالي ديالى وقبيلة بني تميم وناخبيه.

ووصف الكروي الجلسة التي أفضت إلى تشكيل حكومة ديالى بأنّها “كانت ناجحة وتم خلالها تشكيل حكومة توافقية”، معتبرا المحافظة عبارة عن “عراق مصغر وعانت لسنوات طويلة من تداعيات الاضطرابات والسجالات السياسية، وهي بحاجة في الفترة القادمة إلى عدم الإقصاء وتفعيل ملف الخدمات”. لكن وسائل إعلام محلية نقلت، الجمعة، عن مصدر سياسي قول إن “الاتفاق السياسي السريع بين الكتل والذي أفضى لتشكيل الحكومة المحلية في ديالى تم بتدخل إقليمي من دول مجاورة ومؤثرة في القرار السياسي العراقي”.

وأشار المصدر الذي نقلت عنه وكالة شفق نيوز إلى وجود توجّه سياسي “لحسم الملفات المتأخرة وليس ملف ديالى فقط”، بما في ذلك “أزمة رئاسة البرلمان وحكومة كركوك المحلية”. وتحدّثت مصادر أخرى عن اتصالات ماراثونية بين نخب سياسية سبقت اجتماع الفندق وأنّ ثلاث قيادات سياسية وصفتها بالمهمة دون أن تسمّيها حسمت الأمر في اللّحظات الأخيرة عبر الضغط على الأطراف المنخرطة في الصراع على مناصب حكومة ديالى من أجل خفض سقف مطالبها.

وأشارت المصادر التي نقلت عنها وكالة بغداد اليوم أنّ منظمة “بدر وافقت على خارطة الطريق في ديالى رغم أنها أكبر الخاسرين كونها لم تنل أي منصب”. وخلال الفترة الماضية صرف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني جهوده لحلّ مشكلة تشكيل الحكومة المحلية لمحافظة كركوك فيما لم يبذل ما يكفي من جهود لحل المشكلة نفسها القائمة في محافظة ديالى، وذلك لتفادي الخوض في صراع طرفين سياسيين نافذين بشكل كبير داخل الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومته.

وطالبت منظمة بدر بالاحتفاظ بمنصب محافظ ديالى الذي كانت تديره بالوكالة عن طريق مثنى التميمي، بينما أقام ائتلاف دولة القانون مطالبته بالمنصب، رغم أنّه لا يمتلك أي عضو منتخب في المحافظة، على ما يقول إنّها اتفاقات سابقة مع بدر تضمنت تنازل الائتلاف على مناصب في حكومات محلية لمحافظات أخرى.

ويعتبر العامري حليفا للسوداني فيما تسود علاقة الأخير بالمالكي حالة من البرود بسبب مساعي زعيم دولة القانون لإزاحته في أسرع وقت ممكن من رئاسة الحكومة عبر الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وتواجه ديالى وضعا استثنائيا بسبب موقعها على الحدود مع إيران وكثرة التهديدات الأمنية المتربصة بها، وتعاظم المشاكل المرتبطة بالتغير المناخي وندرة المياه الأمر الذي أثر على القطاع الزراعي الذي يعتبر العمود الفقري لاقتصادها.

ويؤمّن الحضور القوي للأحزاب والميليشيات الشيعية في ديالى لإيران الحفاظ على نفوذها في المحافظة التي تتخذ منها حزاما أمنيا متقدما داخل الأراضي العراقية، وممرا آمنا لتدفق السلع في الاتجاهين بما في ذلك المواد المهرّبة ومن ضمنها مشتقات النفط التي لا تنقطع حركة تهريبها من العراق صوب الداخل الإيراني.

◙ الحضور القوي للأحزاب والميليشيات الشيعية في ديالى يؤمّن لإيران الحفاظ على نفوذها في المحافظة التي تتخذ منها حزاما أمنيا متقدما داخل الأراضي العراقية

وسبق لائتلاف المالكي أن وجّه تحذيرا مبطنا للسوداني من التدخل في قضية الصراع في ديالى مستبقا أي انحياز مفترض لرئيس الوزراء إلى جانب العامري. واعتبر الائتلاف على لسان نائبه عارف الحمامي أن إنهاء تشكيل الحكومة المحلية لمحافظة ديالى يخص الكتل السياسية وليس من صلاحية رئيس الوزراء. وتأمل أوساط سياسية عراقية أن يفتح تشكيل حكومة ديالى الباب لحسم الصراع الدائر على حكومة كركوك.

وأعلن عضو مجلس محافظة كركوك أحمد رمزي، الجمعة، إنّ جهودا تبذل لتشكيل الحكومة المحلية لكركوك بعد انفراج أزمة ديالى. وقال رمزي لوسائل إعلام محلية إن “محافظة كركوك سوف تشهد انفراجة وتقاربا في وجهات النظر بين الكتل السياسية وأن الأضواء ستسلط على كركوك في الساعات والأيام المقبلة، بعد التوصل إلى صيغة توافقية في محافظة ديالى وانتخاب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة”.

وأعرب عن تفاؤله بإمكانية الوصول إلى صيغة توافقية بين الكتل السياسية بشأن تشكيل الحكومة المحلية. لكن سير الأحداث في المحافظة لا يشير إلى ذلك حيث أعلنت المجموعة العربية والكتلة التركمانية والحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس محافظة كركوك قبل أيام عن مقاطعتها لاجتماع للمجلس دعا إليه حزب الاتحاد الوطني وكتلة بابليون.

وقال عضو مجلس المحافظة رعد صالح إنّ المجموعة العربية لن تحضر الاجتماع لأنّه يتقاطع مع الحوارات التي تقوم بها الأطراف السياسية الفائزة بعضوية المجلس.

وعلى غرار الاهتمام الإيراني الاستثنائي بمحافظة ديالى، تعرف كركوك اهتماما من قبل تركيا التي تقول مصادر محلية إنها غير بعيدة عن الصراع الدائر حول حكومتها المحلية حيث ترغب أنقرة في التمكين لتركمان المحافظة وعربها على حساب الأكراد الذين لا تريد رؤيتهم يسيطرون على المقدّرات الطبيعية الضخمة للمحافظة الغنية بالنفط.

العرب