مشاريع مصرية لاستصلاح الصحراء تصطدم بنقص المياه

مشاريع مصرية لاستصلاح الصحراء تصطدم بنقص المياه

بدأت الحكومة المصرية في مشاريع عملاقة لاستصلاح الأراضي في الصحراء الغربية ضمن مخطط لتقليص الاعتماد على الواردات الغذائية، إلا أن خططها الطموحة تصطدم بنقص المياه.

القاهرة – أولت الدولة المصرية اهتماما بالمشروعات الزراعية السنوات الماضية، ونجحت في زيادة رقعة المساحات الخضراء بالاتجاه نحو الصحراء الغربية الشاسعة لاستصلاحها، غير أن العديد من التساؤلات بدأت تدور في أذهان خبراء ومواطنين حول جدوى هذه المشروعات، وكيفية الاستفادة منها، ومدى انعكاساتها على الواقع الغذائي المحلي، في وقت تعاني فيه مصر من فقر مائي يتفاقم بفعل عدم الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن تشغيل سد النهضة الإثيوبي.

وذهب تقرير أعدته صحيفة “الغارديان” البريطانية نشر أخيرا إلى استخلاص نتيجة مسبقة لهذه المشروعات التي مازالت في طور الاكتمال، واعتبر أن “تحويل الصحراء بمصر إلى أراض زراعية وإنتاج محاصيل للتصدير يهدد أمنها المائي”.

وسلط التقرير، الذي أعده الصحافي إدموند باور، الضوء على المرحلة الأولى من مشروع “مستقبل مصر”، وقال إنه في النهاية يشمل استصلاح 2.2 مليون فدان (9.240 كيلومتر)، وهي منطقة بحجم جزيرة قبرص. وأشار إلى قرب الانتهاء من تدشين نهر اصطناعي يبلغ طوله 114 كيلومترا من الاكتمال بتكلفة تزيد عن 5 مليارات دولار، وبمجرد اكتماله، سينقل 3.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا إلى الحقول.

وذكر التقرير أن المشروع الضخم يمثل نصف خطة الحكومة المصرية لتحويل 16.800 كيلومتر مربع من الصحراء إلى مزارع قبل حلول عام 2027، ويأتي تحويل الصحراء إلى حدائق في وقت تعاني فيه مصر من عجز سنوي في المياه بنسبة 7 مليارات متر مكعب (حسب أرقام الأمم المتحدة)، وتواجه سياسة تقشف لموازنة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي تزيد عن 90 في المئة.

أكد وزير الري المصري هاني سويلم في تصريحات سابقة أن نصيب المواطن من المياه تراجع ليقترب من خط الشح المائي، وأن نصيب الفرد بها حاليا 530 متر مكعب سنويا، أي أنها على حدود مرحلة الشح المائي، ومع الزيادة السكانية المتوقعة (عدد سكان مصر حاليا يبلغ 1.7 مليون شخص) فإن نصيب الفرد سوف يقل بنسبة من 20 إلى 30 متر مكعب سنويا، ما يعني أن نصيب الفرد العام المقبل سيصل إلى 500 متر مكعب سنويا.

وأوضح تقرير الغارديان أن مشروعات استصلاح الأراضي عززت الصادرات المصرية، لكنها لم تفعل الكثير لمنع التضخم في أسعار المواد الغذائية، والذي كان في أبريل الماضي خامس أعلى معدل في العالم. وقال المدير السابق لمعهد أبحاث البيئة المستدامة ومقره القاهرة ريتشارد تاتويلر “يطلقون عليها (المشروعات) استصلاحا، لكنها ليست كذلك، هي ليست كما كانت في السابق، علينا الآن أن لا نتعامل معها بهذه الطريقة”.

مستقبل مصر
وعلى خلاف التربة الخصبة على طول نهر النيل في مصر وسبق تخصيبها على مدى عقود طويلة من الري والفيضانات، فرمال الصحراء قاحلة ولا تحتوي على عناصر مهمة لتغذية النباتات، وهذا يحتاج إلى كميات كبيرة من الري كي تصبح خصبة وهي المياه التي يصعب استعادتها. وأشار تقرير الغارديان إلى أن معظم المياه لري الحقول في الصحراء جوفية، وهي المياه التي اعتمد عليها أبناء الواحات في صحراء مصر الغربية، وعلى مدى قرون، حيث تتدفق بشكل طبيعي إلى السطح وفي نقاط معينة.

وزاد نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من الجهود لزيادة الاستهلاك على قاعدة صناعية للمياه الجوفية، واستثمرت الحكومة في بناء عدة محطات ضخ في معظم أنحاء الصحراء لجلب المياه إلى السطح.

وكشف أستاذ الموارد المائية والري بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة عباس شراقي لـ”العرب” أن المياه الجوفية التي تتوفر لدى الصحراء الغربية من أكبر الخزانات في العالم، ويسمى بالحجر الرملي النوبي، وهو خزان غير متجدد ويتواجد منذ الآلاف من السنين، وتشكل من قبل في فترات الأمطار الغزيرة، وينقسم إلى مجموعة خزانات صغيرة تتواجد في أربع دول هي: مصر والسودان وليبيا وتشاد. وأضاف “في حال تم استنزاف الخزان في مصر، ليس معنى ذلك أنه سوف ينضب في الدول الأخرى، لكن إذا جرى استخدام المياه التي يحتويها بصورة خاطئة، فإن ذلك سوف يؤدي سريعا إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية”.

وأوضح شراقي أن مشروع “مستقبل مصر” ليست له علاقة باستخدام مياه الآبار الجوفية في خزان الحجر الرملي، وأن المشروع يتواجد على مقربة من الساحل الشمالي الغربي للبلاد، ويحتاج الوصول إلى المياه حفر أكثر من 3000 متر مربع، الأمر الذي يضاعف التكاليف المادية، وأن الاعتماد يظل على مياه الصرف الزراعي المعالجة، من محطات تحلية المياه الموجودة في الفيوم (جنوب غرب القاهرة)، والدلتا الجديدة بالقرب من المشروع، والأخيرة تعالج 7 ملايين متر مكعب من المياه يوميا، بما يعادل 2.5 مليار متر مكعب سنويا.

وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى أن المشروع الذي تم التركيز عليه في تقرير الغارديان يستخدم مياها جوفية موجودة في الخزانات الشمالية، لكنها تبقى بدرجات ملوحة مرتفعة نتيجة قربها من البحر المتوسط، ولا تناسب غالبية المحاصيل المزروعة، وهو تحد أمام الحكومة المصرية التي تسعى لضمان توفير المياه المناسبة لنوعية المحاصيل والتربة.

ولفت إلى أن مشروعات الاستصلاح الزراعي تولي اهتماما بالتعرف المسبق على خصائص خزانات المياه الجوفية والمسافة بين كل بئر وعدد ساعات التشغيل اليومية في كل منطقة، بما لا يؤدي إلى حدوث استخدام مخالف للمياه. وحسب ما نقلته الغارديان عن المدير السابق لمعهد أبحاث البيئة المستدامة، فإن هناك “كميات ضخمة من المياه في جوف الصحراء الغربية، لكنها محدودة”. وفي دراسة أعدت العام الماضي قامت بفحص صور أقمار اصطناعية، كشفت أن معدل استنزاف المياه من المصادر الجوفية في الصحراء قد زاد فعلا، وأن العديد من المشروعات الصحراوية تعاني من زيادة الملوحة، ما يخفض من مستوى الإنتاج ويزيد من تكلفة الزراعة.

يقع مشروع “مستقبل مصر” للإنتاج الزراعي على امتداد طريق محور روض الفرج ــ الضبعة الجديد (يربط بين القاهرة وغرب مصر بالقرب من ليبيا)، وهو الطريق الذى أنشئ ضمن المشروع القومي للطرق بطول 120 كيلومترا، وتم تقسيم المشروع إلى 60 طريقا طوليا و35 طريقا عرضيا مقسمة إلى قطع متساوية كل قطعة تتكون من ألف فدان.

وترمي الخطة الأولية للمشروع إلى زيادة مساحة الأراضي المستصلحة بداية من عام 2018 لتصل إلى 20 ألف فدان، وعام 2022 لتصل إلى 250 ألف فدان، وعام 2023 لتصل إلى 600 ألف فدان، وعام 2024 لتصل إلى 800 ألف فدان، وعام 2025 لتصل إلى 1.6 مليون فدان، وعام 2027 لتصل إلى 4.5 مليون فدان، غير أن تقرير الغارديان قال إنه لم يتحقق سوى 20 في المئة من إجمالي الخطط المستهدفة قبل ثلاث سنوات من موعد نهاية المشروع.

وشكك تقرير في جدوى مشروعات الزراعة في الصحراء المصرية، ونقل عن أحد الخبراء الزراعيين (شريف فياض) قوله بعدم وجود أرقام متاحة للرأي العام عن إنتاج الأراضي المستصلحة، وأن العديد من المحاصيل الأساسية التي يعتمد عليها المصريون، بما في ذلك القمح والبقوليات، غير مناسبة للأرض الجديدة، لهذا السبب لا يشعر الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة بأن هذا النوع من الاستصلاح يفيدهم.

وذكر عباس شراقي في حديثه لـ”العرب” أن الزراعة في المناطق الصحراوية تختلف عن الوادي والدلتا، وأن زراعة المحاصيل التقليدية مثل القمح والذرة وقصب السكر في مناطق صحراوية ليست ذات جدوى اقتصادية لأنها محاصيل تصنف على أنها زهيدة الثمن، في حين أن تكاليف الزراعة مرتفعة وتحتاج إلى حفر آبار وتحلية مياة وطاقة شمسية أو وقود لتشغيل ماكينات الري، كما أن العمالة في الصحراء أعلى أجرا من نظيرتها في القرى الملاصقة لنهر النيل، لأن مشروعات الصحراء تتم في مناطق قد تبعد عن العاصمة القاهرة بنحو ألف كيلومتر.

وأوضح أن مصر كانت لديها رؤية في بداية الأمر بأن تتجه نحو زراعة المحاصيل الإستراتيجية فيها، لكن ذلك ووجه برفض من خبراء بحوث الزراعة والمياه في القاهرة، لأن أربعة كيلوغرامات من البلح البرجي المصدر للخارج يمكن أن يؤدي عائدها إلى شراء مئة كيلو من القمح.

وظهرت توجهات مصرية تقوم على زراعة الفواكه باهظة الثمن التي تلائم التربة المصرية ويجري تصديرها مقابل توجيه عوائدها من العملة الأجنبية لاستيراد القمح، لكن طالما أن البلاد تواجه توترات مباشرة في محيطها قد يصعب الاعتماد على ذلك.

التوسع بشكل مدروس
لا يشجع العديد من خبراء الري في مصر التوسع بشكل غير مدروس في زراعة مساحات صحراوية شاسعة، وأن سد الفجوة الغذائية يمكن أن يكون من خلال التطور الصناعي والإنتاج المحلي الذي يستطيع أن يوفر العملات الصعبة التي يتم توظيفها لاستيراد الغذاء، وحال جرى توجيه الموازنات الحكومية لاستصلاح الأراضي قد لا تكون هناك قدرة على تطوير الصناعة.

كما أن زيادة معدلات الاعتماد على القمح ترجع إلى طبيعة الأوضاع الاقتصادية التي إذا تحسنت بصورة ملموسة، فإن اعتماد المصريين على الخبز سوف يتراجع. وقال كبير خبراء إدارة مشروعات المياة والزراعة بالأمم المتحدة أحمد فوزي دياب إن الزراعة في الصحاري الشاسعة تعتمد على المياه الجوفية التي يمكن استهلاكها في فترات تتراوح ما بين 25 و100 عام، حسب كميتها، وأن المعدلات المصرية جيدة وليست قليلة ما يجعل هناك اعتمادا عليها حاليا.

◙ العديد من خبراء الري في مصر لا يشجعون التوسع بشكل غير مدروس في زراعة مساحات صحراوية ويرون أن سد الفجوة الغذائية يمكن أن يكون من خلال الإنتاج المحلي

وأضاف لـ”العرب” أن المشروعات المصرية تقوم على تحديد كميات المياه التي يحتاجها كل مشروع قبل البدء فيه، ومعرفة نوعية المحاصيل التي تناسب كميات المياه المتاحة والتربة والأجواء المناخية في تلك المناطق، وجرت إضافة احتياجات الدولة الرئيسية من المحاصيل المهمة.

وشدد على أن الزراعة في المناطق القريبة من نهر النيل، والدلتا في شمال القاهرة مكلفة أيضا، من جهة الوقود المستخدم في ماكينات الري وإتاحة المورد المائي من النيل والترع التابعة له، لكن تظل كلفة منخفضة مقارنة بتكاليف الزراعة في الصحراء، وتتمثل الأزمة في تزايد رقعة المشروعات غير المخططة التي لا تشرف عليها الحكومة مباشرة، وتكون غالبا عبر أفراد وشركات خاصة، لأن الاستصلاح العشوائي لا يراعي كميات المياه المخزنة في الآبار، ولا نوعية التربة، وهو ما تحاول الحكومة المصرية تداركه من خلال وضع قانون جديد للري.

وأشار في تصريحه لـ”العرب” إلى أن مشروعات الحكومة الحالية بحاجة إلى إعادة تقييم بشكل مستمر للتأكد من سلامتها، لأنه حال حدوث خلل فإن الإنتاج سوف يأخذ في التناقص نتيجة زيادة معدلات الملوحة في المياه وعدم مناسبة التربة للمحاصيل المزروعة، وبالتالي فإن دراسة ما حققته المشروعات سنويا والقيام بدراسات على المدى الطويل توضح فوارق الإنتاج هما أمر ضروري، بما يضمن مرونة التحول إلى زراعة محاصيل أخرى تناسب الأراضي الصحراوية.

وأكد تقرير للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية أن جهاز مستقبل مصر أسهم خلال الفترة من 2018 إلى 2024 في زيادة الإنتاج بعض السلع الزراعية الإستراتيجية، منها محصول القمح الذي أسهم المشروع فيه بـ1.1 مليون طن خلال السنوات الست، ومحصول بنجر السكر بـ2.5 مليون طن، والذرة بـ1.44 مليون طن، ومحصول البصل بـ2.4 مليون طن، ومحصول البطاطس بـ2 مليون طن.

العرب