تنويع مصادر الطاقة يعيد تشكيل تحالفات العراق

تنويع مصادر الطاقة يعيد تشكيل تحالفات العراق

تنويع العراق لخطط مصادر الطاقة يثير حنق النظام الإيراني الذي يتخذ من بين أمور أخرى مد بغداد بالكهرباء كورقة للضغط السياسي والاقتصادي على القرار العراقي. ويقلل ربط بغداد بشبكة الطاقة الإقليمية النفوذ الإيراني.

بغداد – في 21 يوليو 2024، افتتحت بغداد خط كهرباء جديدا يربط تركيا بالعراق للتعامل مع واردات الكهرباء التركية. ومن المتوقع أن يسلم خط النقل هذا الذي يبلغ طوله 115 كيلومترًا (71 ميلًا) 300 ميغاواط من الطاقة إلى محطة كهرباء غرب الموصل بهدف إمداد شمال العراق، بما في ذلك مناطق نينوى وصلاح الدين وكركوك.

ويأتي خط الكهرباء الجديد في وقت حرج، حيث يعاني العراقيون من ظروف الصيف الحارقة وانقطاعات التيار الكهربائي المستمرة، نتيجة لعقود من الصراع والبنية التحتية الضعيفة التي جعلت العراق الغني بالطاقة يعتمد على الواردات، وخاصة من إيران.

وفي محاولة لزيادة أمن الطاقة وتنويع مصادرها، يدمج العراق خط الكهرباء الجديد في إستراتيجية أوسع للانضمام إلى شبكة الطاقة الإقليمية. ووفقًا لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، فإن المشروع هو “خطوة إستراتيجية” لربط العراق بجيرانه وتقليل اعتماده على الغاز الإيراني.

ويرى الباحث إيمود شكري وهو زميل زائر أول في جامعة جورج ماسون في تقرير نشره معهد الشرق الأوسط أن العراق يعمل على تشغيل خط الطاقة الجديد هذا بهدف ضمان مستقبل أكثر استقرارا للطاقة للبلاد وإعادة تشكيل تحالفاتها الجيوسياسية.

ومن المتوقع أن يؤدي هذا التحول الإستراتيجي، الذي يجمع بين الروابط الجديدة في مجال الطاقة مع تركيا والولايات المتحدة ودول الخليج، إلى تقليص نفوذ إيران في العراق وقد يؤثر سلبا على العلاقات الثنائية، اعتمادا على كيفية رد فعل طهران في المستقبل.

يعكس تركيب خط الكهرباء الجديد ديناميكيات جيوسياسية متغيرة في المنطقة، إذ يسعى العراق بنشاط إلى توسيع شراكاته في مجال الطاقة مع تركيا، ويشكل الاتصال الجديد جزءا حاسما من مشروع طريق التنمية الأكبر، وهو جهد تركي يهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية وتطوير البنية الأساسية.

وتسعى أنقرة إلى إعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية لصالحها وزيادة نفوذها في المجال الجيوسياسي. وفي الوقت نفسه، تبذل بغداد أيضا جهودا أوسع لتعزيز علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، مثل الأردن، بما في ذلك على صعيد الطاقة. وبدأ العراق مؤخرا استيراد الطاقة من الأردن، وفي حديثه في 21 يوليو، قال رئيس الوزراء السوداني إن بغداد تهدف إلى استكمال الاتصال بشبكة الكهرباء الخليجية “بحلول نهاية هذا العام”.

◙ خط الكهرباء الجديد يدمج العراق في إستراتيجية أوسع للانضمام إلى شبكة الطاقة الإقليمية وربطه بجيرانه الخليجيين

يأتي هذا في وقت تواجه فيه إيران تحدياتها الخاصة كمورد للطاقة. وواجهت طهران صعوبة في تحقيق أهداف إنتاج الطاقة، كما تواجه مشاكل كبيرة مع إمداداتها الكهربائية. واعترفت وزارة الطاقة بأن انقطاع التيار الكهربائي مشكلة متكررة، وخاصة في الصيف، عندما تتسبب درجات الحرارة المرتفعة والطلب الكبير في انقطاعات تستمر لعدة ساعات، مما يؤثر على كل من القطاعين السكني والتجاري.

وتمثل البنية التحتية القديمة جزءًا رئيسيًا من المشكلة، فبدلاً من تبني أنظمة الدورة المركبة المعاصرة، تعمل العديد من محطات الطاقة بشكل غير فعال باستخدام تكنولوجيا الغاز والبخار. كما يعاني نظام الطاقة من ارتفاع معدلات الاستهلاك الناجمة عن أسعار الطاقة المدعومة من الحكومة.

وتمتلك إيران احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، لكن الجهود الفاشلة المتكررة لتعزيز إنتاجها من الوقود تمنع البلاد من إنتاج طاقة كافية. وتاريخيًا، قدمت إيران حوالي 1200 ميغاواط من الطاقة يوميًا للعراق جنبًا إلى جنب مع حوالي 25 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي بموجب شروط صفقة عام 2013.

ووقعت طهران وبغداد اتفاقية جديدة في مارس 2024 تعهدت بموجبها إيران بتوريد حوالي 50 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميًا لمدة خمس سنوات. ومع ذلك، فإن الخلل في إمدادات الكهرباء في إيران يشكل خطرًا على صناعة الطاقة في البلاد وقدرتها على تصديرها. وتواجه هذه العلاقة أيضًا تحديات إضافية، بما في ذلك الطبيعة المؤقتة لإعفاءات العقوبات الأميركية التي تسمح للعراق بشراء الكهرباء الإيرانية.

إن الهدف من التواصل الحالي بين العراق ودول الخليج وحلفائه الأميركيين هو تقليص النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي الإيراني الكبير. وقد وقّع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مذكرات تفاهم بشأن التجارة والطاقة خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في أبريل وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق في يونيو.

كما يجري اتخاذ خطوة إستراتيجية نحو إقامة روابط اقتصادية أقوى مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بهدف تقليل اعتمادها على إيران بشكل أكبر. ويشكل إدراج العراق في المبادرات الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة، مثل شبكة الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي، جزءا من هذا الجهد. وتدعم الولايات المتحدة جهود العراق لتعزيز أمنه في مجال الطاقة، وتوفير التمويل لمشاريع البنية التحتية الجديدة للطاقة وجمع الغاز المصاحب من حقوله النفطية.

◙ الهدف من التواصل الحالي بين العراق ودول الخليج وحلفائه الأميركيين هو تقليص النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي الإيراني الكبير

وقد انخفض اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية في السنوات الأخيرة نتيجة لهذه الجهود، حيث انخفض من 40 إلى 25 في المئة، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030. وكما يتضح من الأعمال الانتقامية مثل هجوم الطائرات دون طيار على حقل غاز خور مور العراقي في أبريل 2024، فإن إيران تنظر إلى هذه التطورات على أنها خطر.

ومن المرجح أن تظل التوترات مرتفعة في المستقبل، على الرغم من أن الروابط الوثيقة بين العراق والولايات المتحدة ودول الخليج قد توفر بعض الحماية ضد الضغوط الإيرانية. وأصبح موقف إيران كمورد مهم للطاقة إلى العراق في خطر مع استمرار بغداد في تنويع مصادرها من الطاقة.

ومن خلال تقليل اعتماده على الكهرباء الإيرانية وتعزيز أمنه الداخلي في مجال الطاقة، فإن ربط العراق الجديد بالطاقة من تركيا قد يقلل من نفوذ إيران في سوق الطاقة في البلاد. واعتمادًا على رد فعل إيران على نفوذها المتضائل في العراق، فإن هذا التحول الإستراتيجي، الذي يتضمن روابط طاقة جديدة مع تركيا والولايات المتحدة، قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين بغداد وطهران.

العرب