أعمال الشغب التي طالت اللاجئين في بريطانيا ألقت بالمزيد من الخوف والقلق في أوساط هذه المجتمعات التي فرّ معظم أفرادها من الحروب وأعمال العنف. كما أنها تسلط الضوء أيضا على تداعيات الاستخدام السيء للمنصات الرقمية داخل مجتمع بريطاني لم يعد مرحبا باللاجئين ويحمّلهم مسؤولية تآكل قدرتهم الشرائية من بين أمور أخرى.
لندن – تلقى طالبو اللجوء في بريطانيا صدمة بعد أن أصبحوا يخشون آثار موجة العنف التي هاجم خلالها مثيرو الشغب المساجد والفنادق التي تؤوي المهاجرين.
واشتبكت حشود مع الشرطة في العديد من البلدات في أسوأ اضطرابات شهدتها البلاد منذ 13 عاما.
وحطم مثيرو الشغب في هجومين النوافذ وأشعلوا النيران في الفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء. وأخبرت إحدى الجمعيات الخيرية منصة الأخبار الرقمية لمؤسسة تومسون رويترز (كونتكست) أن المهاجرين اختبأوا تحت أسرّتهم مرعوبين.
ويقيم الآلاف من طالبي اللجوء، وجلّهم من أفريقيا والشرق الأوسط، في فنادق في جميع أنحاء بريطانيا بينما يواجه المسؤولون أكداسا من المطالب التي تأخر النظر فيها.
وقالت امرأة تعيش في فندق منذ أكثر من سنة طلبت حجب اسمها وجنسيتها لأسباب تتعلق بالسلامة إنها أجبِرتُ على الفرار من منزلها بسبب الحرب بعد أن تعرضت مدينتها للقصف واضطرّت إلى المغادرة.
وأضافت المرأة التي كانت تعمل طبيبة في بلدها أنها قدمت بصفتها امرأة عزباء وأنها لم تكن ترغب في مغادرة بلدها وطلب اللجوء، لكنها اضطرّت إلى ذلك.
واعتبرت أن أعمال الشغب والهجمات على الفنادق مقلقة ومحزنة إذ لم تكن تعتقد أبدا أنها ستشهد مثل هذا الأمر في بريطانيا إذ فرّت من العنف لتجد
نفسها تواجهه الآن مرة أخرى ما يثير حزنها.
البعض يتصور أن الفندق ترف، لكن الوضع مختلف بوجود 200 شخص يعيشون في ضيق ويعانون من نقص في الخصوصية
وأشارت الطبيبة إلى أن المؤسسة التي تدير أماكن إقامة اللاجئين أرسلت إليهم رسائل نصحتهم فيها بتوخي الحذر وعدم التحدث إلى أي شخص لا نعرفه بعد أن أصبح الجميع قلقين، إذ لم يتوقع الموجودون في البلدات التي شهدت أعمال شغب أن يحدث لهم ذلك.
وأصبح الكثير من اللاجئين خائفين ويتجنبون البقاء في الخارج بعد الساعة 7 مساء ويتنقلون في مجموعات ولا يكفّون عن الاطمئنان على بعضهم البعض والبقاء على مقربة من الفندق ما جعلهم يرزحون تحت القيود.
وكان بعض البريطانيين مرحبين وداعمين للاجئين بشكل لا يصدق منذ وصولها. لكنها واجهت تمييزا من البعض الآخر وتعرض بعض الأشخاص في الفندق للإساءة اللفظية في الشارع وقيل لهم “أنتم غير مرحب بكم هنا، يجب أن تعودوا إلى بلدانكم”.
ويتصور بعض البريطانيين أن الإقامة في فندق ترف، لكن الوضع مختلف تماما في الحقيقة، ويتناسون أنه علينا في الواقع أن نناضل للتمتع بحقوقنا الأساسية في هذه الفنادق حيث يتواجد 200 شخص في فندق واحد ويعيشون في ضيق ويعانون من نقص في الخصوصية، كما أن التوتر والمشاكل تبقى قائمة مع تكدس أشخاص من خلفيات مختلفة في مكان واحد.
ويحصل اللاجئون على 8.86 جنيه إسترليني (11.27 دولار) في الأسبوع للعيش ويتناولون ثلاث وجبات في اليوم لكن الطعام ليس صحيا أو مغذيا لدرجة أنه يمكنك أن ترى الريش والدم في الطعام.
وتتناول هذه الوجبات المعبأة مسبقا، مثل طعام الطائرة ويدخل الكثيرون مرحلة ما قبل السكري، ويصابون حتى بمرض السكري نفسه، لأنهم يتغذون على الكثير من الكربوهيدرات دون ما يكفي من البروتين والمكونات الطازجة.
وتُلقى حوالي 60 وجبة في سلة المهملات يوميا. ويتجه الكثيرون إلى بنوك الطعام حتى يتمكنوا من طهي طعامهم النيء.
ووصلتُ المرأة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها إلى بريطانيا في 2023 وتقدمت بطلب لجوء على الفور وتقرر إرسالها إلى فندق قريب من طريق سريع في مكان معزول ثم انتقلت إلى فندق آخر في مدينة، فاللاجئون لا يختارون المكان الذي يرسلونهم إليه.
وتقدمت بطلبها منذ أكثر من سنة. لكنها لم تسمع أي رد ولم يصلها أيّ استدعاء لإجراء مقابلة.
وتعرف المرأة أشخاصا يعيشون في الفندق الذي تقيم فيه لمدة أربع سنوات دون مقابلة. ومن المفروض أن يكون لطالبي اللجوء الحق في
العمل أثناء انتظارهم للقرار، لكن المرأة وبقية اللاجئين المقيمين في الفندق عالقون في مرحلة انتقالية في الوقت الحالي.
وترى اللاجئة أنه من شأن السماح للناس بالعمل أن يساعدهم على الاندماج في المجتمع، ما يثري المجتمع بالمهارات التي يجلبونها معهم. وسيوفر هذا أموالا للحكومة ويقلل من المصاعب النفسية التي يواجهها اللاجئون.
وتبدو أعمال الشغب مدفوعة بالتضليل والخوف، حيث فاقم بعض السياسيين ووسائل الإعلام هذه المشاعر، ما خلق الصور النمطية السلبية عن طالبي اللجوء.
ومن المرجح أن خطة الحكومة السابقة لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا فاقمت المواقف السلبية لأنها صورت هؤلاء الأفراد على أنهم مشكلة وليسوا أفرادا يستحقون الحماية.
وتدعو اللاجئة التي فرت من ويلات الحرب إلى الاستماع لأصوات طالبي اللجوء، إذ تعتقد أن الكثيرين سيغيرون رأيهم إذا التقوا بهم، فهم لا يعرفون ما مر به طالبو اللجوء أو من هم ويعتقدون فقط أنهم يعيشون في رفاهية في الفنادق.
وتطوعت الطبيبة اللاجئة مع عدد قليل من الجمعيات الخيرية، مثل منظمة “أطباء العالم” الإنسانية الدولية، حتى أن الأوكرانيين الذين فروا إلى بريطانيا لا يعرفون كيف يعيش طالبو اللجوء الآخرين ويندهشون عندما يعلمون أنهم يعيشون على 8 جنيهات إسترلينية بعد هربهم من الحرب مثلهم.
الكثير من اللاجئين يتجنبون البقاء في الخارج بعد الساعة 7 مساء ولا يكفّون عن الاطمئنان على بعضهم البعض
وتوجهت اللاجئة لمثيري الشغب بالقول “إننا لسنا هنا لنأخذ أيّ شيء من البلد أو منكم. ويمكننا جميعا العيش معا”.
واندلعت أعمال شغب في احتجاجات مناهضة للمهاجرين بمدن وبلدات في شتى أنحاء بريطانيا الأسبوع الماضي، وشنت جماعات أقصى اليمين هجمات على مساجد وفنادق تؤوي طالبي لجوء.
وألقت الشرطة القبض على فتى أيرلندي يبلغ من العمر 17 عاما، ولكن معلومات كاذبة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أفادت بأن المشتبه به مهاجر ينتمي إلى التيار الإسلامي، ما أدى إلى احتجاجات عنيفة مناهضة للمسلمين في ساوثبورت في اليوم التالي ومحاولة مهاجمة مسجد البلدة.
ووجهت السلطات لمنفذ الهجوم تهمتي القتل والشروع في القتل. وقالت الشرطة إنه وُلد في بريطانيا، ولم تعتبر الهجوم جريمة إرهابية.
وفي اليوم التالي لاضطرابات ساوثبورت، تجمع عدة آلاف بالقرب من مكتب رئيس الوزراء كير ستارمر في داونينغ ستريت (وسط لندن)، واعتقلت السلطات أكثر من 100 شخص عقب اشتباكات مع الشرطة.
واندلعت بعد ذلك أعمال شغب في أكثر من 20 موقعا متفرقا في شتى أنحاء بريطانيا، من سندرلاند في شمال شرق إنجلترا ومانشستر في الشمال الغربي إلى بليماوث في الجنوب الغربي وبلفاست في أيرلندا الشمالية.
وشارك في معظم الاحتجاجات بضع مئات من الأشخاص استهدفوا المهاجرين أو المسلمين وأحرقوا مركبات للشرطة وألقوا حجارة وزجاجات على المساجد وضباط الشرطة. وتعرضت متاجر، بما فيها تلك المملوكة لآسيويين، للتخريب أو النهب.
العرب